محمد إبراهيم الدسوقى

مشاغبات 2010

الإثنين، 20 ديسمبر 2010 07:33 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حاول أن تتجول ببصرك متصفحاً ما عركناه وعايشناه من أحداث واحتقانات سياسية ودينية واجتماعية إبان 2010، بعدها لن يصعب عليك اكتشاف أن العام الذى نوشك على توديعه كان مليئا ومتخما بمشاغبات لا حصر لها على كل الجبهات، وأظهرت أننا نتخبط فى الظلام ولا نعلم يقينا إلى أين نسير، فالبوصلة معطلة ولا يعبأ أحد بإرشادنا للطريق الصحيح، ويستحيل أن نستعرض ما حفل به عامنا الغابر من مشاغبات فى اسطر قليلة، لذلك سنجعل محطات التوقف عند الأهم والمؤثر على مسارات حياتنا ومستقبلنا المجهول.

وبما أن معيارنا الحاكم، هو التأثير الحياتى، فقد كان لازما أن نختار أولى محطاتنا عند نهر النيل العظيم الذى كان مصدر شغب فائقاً، فدول حوض النيل أدخلتنا مجبرين ومكرهين فى لعبة غير مريحة، وحددوا قواعدها وشروطها بدون الرجوع إلينا، لهذا استيقظنا ذات صباح على وقع صدمة أن شريان حياة مصر يكتنفه التهديد والخطر، وإن ما كنا نظنه من المسلمات لم يعد كذلك، وفوجئنا بأن الذين حسبناهم صغارا فى جنوب القارة الأفريقية قد كبروا وتمردوا على الشقيق الأكبر.

وتلك حقيقة لم نفطن لها فى حينها، كما لم نفطن إلى أن المتلاعبين والمحرضين والمؤثرين على دول حوض النيل كثروا، وأنه كلما تنامى نفوذهم، كلما تضاءل وتناقص تأثيرنا الذى اعتقدنا لعقود أنه لن يتراجع ولن يجرؤ كل من هب ودب على تقويضه. النيل المشاغب لم تختتم قصته بعد ولن يبرأ من وعكته بأقراص المسكنات محدودة المفعول من عينة زيارات المسئولين للقارة السمراء، لنفى ودحض تهمة إهمالها وتجاهلها، وأن الدور المصرى فيها راسخ ونشيط، وأن حصتنا من مياه النيل محروسة ومصانة ولن يقترب منها كائن من كان. فالمشكلة أضخم من معالجتها بمثل هذا الأساليب البدائية، وبالتالى ليس مستغربا أن يحمل نيلنا مشاغباته للعام الجديد.

وإن كان النيل الموصوف فى كتب التاريخ بأن مصرنا هيبته يتألم من واقع عدم الاكتراث به وتحويله لبركة آسنة لأكياس القمامة، والصرف الصحى والحيوانات النافقة.. إلخ، فإن البشر الذين يلتفون من حوله منذ فجر التاريخ ليسوا أفضل وأسعد حالا منه. ففى لحظتنا الراهنة نعاصر وضعا غير مسبوق لانقسام وتفتت المصريين وتشوش رؤيتهم، فالمواطنة لم تعد سوى لافتة ترفع وقتما نتعرض لانتكاسات ـ وما أكثرها ـ تضرب وحدة المجتمع فى مقتل.

فالمصريون انقسموا إلى حزبين للأغنياء والفقراء، المسلمين والمسيحيين، المؤيدين والمعارضين، الشرعيين والخارجين على الشرعية، لم نعد نسيجاً واحداً، ونختبر هذا الوضع غير المريح عند حدوث عارض ما فى صورة حادث فردى يغلف بصبغة طائفية أن كان الجانى مسلماً والمجنى عليه مسيحياً أو العكس، حينها تندلع الحرب الطائفية، ونشهد من يخرج متحدثا بلسان الأغلبية التى يحق لها فرض نظامها وقواعدها المحتم على الباقين الالتزام بها، بينما يحدثك الطرف الثانى عن عذابات وآهات وأوجاع الأقلية، وأنها مغلوبة على أمرها، وتحملت الكثير ولم يعد لديها فائضا من الصبر لتقبل جرعات زائدة من الألم.

وأضعنا جهدنا ووقتنا فى الرد على مشاغبات الطائفية ومشيعيها، ولم نعد نفكر بمقياس الشعب الواحد، وإنما باعتبارنا طوائف وشيعا وأحزابا. ولا عجب أن يبهت هذا التفكير غير القويم على الحياة السياسية، فإن كنت معارضا فالويل كل الويل لك، وإن كنت من المؤيدين المطيعين فإن فى انتظارك السعادة والهناء ورغد العيش، فنحن لم نبلغ بعد شاطئ التسامح، وإن كونك معارضا لا يخلع عنك المواطنة، وأنه من حقك التقدير وفرصة الاستماع إليك، وإن كونك مؤيدا ليس منتهى المراد والأمل من رب العباد، ولو كانت المصلحة الوطنية مقدمة على ما سواها لكانت انتخاباتنا نزيهة وشريفة بلا طعون ومثالب ولترسخت التعددية السياسية وتداول السلطة بين الأحزاب، شريطة أن تكون أحزابا من دم ولحم وليس نماذج وهياكل ورقية هشة يطاح بها فور هبوب عاصفة مهما كانت ضعيفة، ويشترط أيضا أن تقدر وتحترم الكوادر السياسية وألا تجرح وتهان كرامتها، لأنها تدعو للتغيير ولعدم احتكار حزب أو شخص للحكم.

كذلك لم يخل 2010 من مشاغبات الحكومة غير الشاعرة بنبض ووجع الشارع، وما يقاسيه المواطنون، جراء ارتفاع الأسعار، وغياب الخدمات، حتى البسيط منها، كنظافة الشوارع، وتوفير العلاج لغير القادرين على الذهاب للمستشفيات الاستثمارية الفندقية، لقد تعب المواطن من كثرة البحث عن الحكومة المفقودة، فلا يجد سوى تصريحات وردية من السادة المسئولين، بعدها نتشدق بحوارات وأحاديث جوفاء عن سلبية المواطنين وتقاعسهم، ولم ندرك بعد أن المواطن قرر المكوث فى درب التمرد والشغب حتى حين.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة