شوقى عبد القادر

ضريبة الموت

الجمعة، 17 ديسمبر 2010 06:48 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"ماتعرفش حد فى مركز بحوث الإسكان" كان هذا هو السؤال الذى بادرنى به أحد الأصدقاء فى لقاء عابر منذ أيام، وقبل أن أرد عليه، تابع قائلاً: "الموضوع بسيط و"مافيهوش" إحراج، أو طلب غير مشروع"، شجعتنى كلماته الأخيرة لأسمع منه.

الحكاية باختصار كما رواها، أن له قريباً يمتلك منزلاً مكوناً من 4 طوابق فى مدينة نصر، تهالك بفعل الزمن، وصدر له قرار إزالة، ولأن السكان ليس لديهم الرغبة فى الخروج منه "أحياء"، تبادل الطرفان الدعاوى القضائية، مالك العقار يريد إبراء ساحته من أى مسئولية جنائية فى حال سقوط المنزل "والله أعلم بما تخفى الصدور" والسكان يرغبون فى البقاء به كما هو، وانتهت المعركة بين الطرفين بحكم قضائى بالإزالة.

سألت صديقى ما المشكلة إذن؟ قال التنفيذ.. أجبته بأن هذه مشكلة الحى ومحافظة القاهرة، وعلى حد علمى هناك ما يسمى بالدراسة الأمنية قبل تنفيذ قرار الإزالة، و"معروف إنها بتاخد وقت"، ويبدو أن صديقى لم يقتنع بكلامى، فقال تقريبا السكان عرفوا "يظبطوا المسائل"، وأنت فاهم.. يعنى هى الدراسة الأمنية، هاتفضل 10 سنين.

فى مركز بحوث الإسكان، وتحديداً فى جهاز التفتيش على أعمال البناء، كان لهذه القصة فصل آخر، ولكنه يحمل الجانب المأساوى منها، إذ كان مطلب صديقى متمثلا فى أن تقوم لجنة من الجهاز بمعاينة المنزل، ليصبح تقريرها هو الفيصل النهائى بين السكان، ومالك العقار، على اعتبار أن هذا الجهاز هو أعلى جهة متخصصة فى تقيم مدى سلامة المبانى.

تقديم طلب إجراء المعاينة فى هذا الجهاز ليست مشكلة فى حد ذاتها، فأى مواطن يستطيع أن يقدم طالبا بذلك، طالما اتبع الإجراءات المطلوبة، وسدد الرسوم المستحقة، ولكن يبقى عامل الوقت هو المشكلة الحقيقية، وهذا الأمر فى أغلب الأحيان، يحسمه إما مكالمة من "برافيت نامبر" أو المعرفة الشخصية، وطبعا الأخيرة هى التى ينتظرها منى صديقى الذى بدت على وجهة علامات السرور، عندما استقبلنا مسئول كبير فى الجهاز، وبكل اهتمام استمع لصديقى، مع وعد أثق فيه، بأنه لن ينسى مشكلة هذا العقار، ولأن الشىء بالشىء يذكر، فتحت بينى وبين المسئول الذى يحمل درجة الدكتوراه، نقاشاً حول ظاهرة انهيارات المنازل التى زادت معدلاتها بشكل لافت مؤخرا، وبدون تحفظ كشف لى الرجل أن المشكلة ليست فقط فى العدد المهول من قرارات الإزالة التى تنتظر التنفيذ، ولا عدد القضايا التى تنظرها المحاكم فى هذا الشأن، وإنما التصور العام الذى أصبح راسخاً لدى الأجهزة المعنية تجاه هذه المشكلة.

فقد فاجأنى الرجل بقوله: "تعرف إحنا الحكومة عندنا بتتعامل مع المشكلة الخطيرة دى بمنطق "أى الآجلين أقرب"، بمعنى لو أن المالك قدر ينفذ حكم قرار الإزالة يبقى خير وبركة، أما لو المنزل انهار من تلقاء نفسه فوق رؤس سكانه يبقى حكم الله ونفذ".

إلى هنا كان من الممكن أن يتوقف الحديث بيننا عند حد تسلمه للأوراق والرسوم المقررة لإجراء المعاينة والمستندات التى تثبت ملكية العقار، والأحكام الصادرة بالإزالة، ويُزكى طلب المعاينة بتوصية لسرعة البت وإعداد التقرير، وننتظر أنا وصديقى وقريبة أى من الأجلين سيحدث أولا؟ ولكن السؤال الذى داهمنى فجأة وطرحته على مسئول مركز بحوث الإسكان، لماذا بادرت مصلحة الضرائب العقارية بإرسال لجانها تجوب الأحياء والمدن لتقدير قيمة الضريبة المستحقة على المنازل، بينما تقاعست وزارة الإسكان أو التنمية المحلية عن إرسال لجانها لفحص المنازل التى تستوجب فعلاً الإزالة بدلاً من ترك الأمور معلقة فى يد حفنة من موظفى الأحياء يتلاعبون بالتقارير كيفما شاءوا، حتى وإن كانت النتيجة أرواح تصعد لبارئها من تحت الأنقاض؟!

ولا أدرى فى الحقيقة هل كان سؤالى ساذجا، أو أنه بدا فى صورة نكتة جعلت مسئول الإسكان يضحك بشدة، وقال: "لو الحكومة بتاخد ضرائب على الموت.. ممكن تعمل اللى أنت بتقول عليه ده".









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة