محمد إبراهيم الدسوقى

إهدار وقت الوطن

الإثنين، 13 ديسمبر 2010 06:57 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ذات مرة طلبت من مسئول فى وزارة الخارجية اليابانية موعدا لإجراء حوار معه، وأبلغنى أنه يستطيع مقابلتى من التاسعة و40 دقيقة حتى التاسعة و55 دقيقة، وما أن دخلت مكتبه حتى سألنى عما أريده ورد على أسئلتى، وعندما كان يودعنى سألته: لماذا لم يمد اللقاء حتى العاشرة؟ أخبرنى أنه مرتبط باجتماع فى مكتب وزيرة الخارجية حينئذ بالدور الثانى، وأن الدقائق الخمس ستكون مخصصة لأخذ أوراقه والنزول من الدور الثامن لمكان الاجتماع.

أسوق هذه الحكاية، لبيان أن الشعوب والأمم المتحضرة تقدر قيمة الوقت ولا تهدره وتضيعه فى مسائل فارغة لا تعود بفائدة على الوطن وتقدمه، وتلك ليست بالمعلومة الجديدة، لكنها تشغل بالى، كلما تأملت ما يدور حولنا منذ الإعلان عن انتهاء انتخابات مجلس الشعب بالفوز الكاسح للحزب الوطنى.

حديثى لن يكون متصلا بالمتواتر عن عمليات تسويد البطاقات وأعمال العنف والبلطجة، وإنما بذلك الإصرار العجيب غير المبرر بأن النتائج كانت ضربة قاصمة مؤلمة لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة، وأنها كشفت عن حقيقتها واستغلالها الدين لأغراض دنيوية، وأن الناخبين لقنوها درسا قاسيا بإعراضهم عن انتخاب مرشحيها، وفات على كل الذين شاركوا فى هذه الملهاة أنهم يهدرون وقت الوطن الثمين وليس وقتهم فهم أحرار فيما يفعلون فيه، فإن كانت الجماعة محظورة ومرفوضة شعبيا، مثلما كتب فى صحف ومجلات لا حصر لها فى الأيام المنصرمة، فلماذا هذا الاهتمام المبالغ فيه بهم؟

إن كان الغرض والنية كشفهم أمام الرأى العام فقد قدم ما يكفى ويزيد لتحقيق ذلك، فما الداعى للاستزادة، ألا يلاحظ هؤلاء أنهم بكثرة تعرضهم لها على الفاضى والمليان يمنحونهم مكانة أعلى بكثير مما يستحقون، ويظهرون وكأنهم شاعرين برعب وهلع من جماعة يعلم الجميع جيدا تاريخها فى العمل السرى، واللجوء للعنف ضد من يقف فى وجهها بالنقد، ثم ألم يستوعب فريق مطاردة المحظورة أنهم بكتاباتهم المتواصلة عنها يرفعون ويعلون من شعبيتها لدى المواطنين العاديين الذين سينظرون إليها، الجماعة المحظورة، آنذاك ويصنفونها ضمن الساعين للخير ومساعدة المحتاجين والفقراء، ولهذا فإن الحكومة ترغب فى القضاء عليهم وتشويه صورتهم بأى ثمن، وأنها توعز إلى الكتاب والصحفيين المؤيدين لها وللحزب الوطنى بالنيل منهم، وألا يمر يوما بدون تمزيقهم وتعريتهم، والمفاجأة تكون فى أن المردود يأتى عكسيا، فبدلا من أن ينفض الناس عنهم، إذا بهم يكسبون مزيدا من المتعاطفين، وهذه الفئة فى نظرى أخطر من الذين ينضمون لعضوية الجماعة.

بخلاف أن المصريين ينظرون بشك وريبة للصحف القومية وما يكتب فيها ويعتبرونها موالية للحكومة ولسياساتها على طول الخط وفى الحق والباطل، مع أن هذا ليس صحيحا على إطلاقه، وبالمختصر المفيد فإن مصداقيتها ليست عالية عندهم، وتلك ليست دعوة مبطنة لعدم التعرض للجماعات المستترة خلف عباءة الدين، وإنما أن يكون التوازن والحاجة معيارين حاكمين للتعاطى.

أقول هذا مع الإقرار بأننى من أشد المعارضين لوجود جماعات تبطن أكثر مما تظهر، ولا يحركها سوى المنفعة والمصالح الذاتية، وتتاجر بشعارات التغيير والوطنية مع أنها أبعد ما تكون عن الحرص على الوطن ومستقبله، وجماعة الإخوان تندرج تحت هذا الإطار، لذا أغضبنى كثيرا هذا التركيز الزائد على خسارتهم فى الانتخابات الأخيرة، فلا يصح أن تضع الدولة مثل هذه الجماعة أو غيرها فى مرتبة تبدو فيها مساوية لها.

ولنتصور معا لو أنه لم تعط كل هذه المساحات فى وسائل إعلامنا للهجوم على الإخوان واستغلت فيما يفيد البلاد والعباد، عوضا عن إهدار وقت الوطن فى تناول قضية قتلت بحثا ولن نجنى من ورائها أى مكسب، يا سادة قدروا الوقت واستغلوه فيما ينفع ولا تقدموا دعاية مجانية للمحظورين.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة