محمد إبراهيم الدسوقى

كنز الاختراعات

الإثنين، 22 نوفمبر 2010 05:59 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بمزيج من الامتعاض والغضب والغيرة، طالعت مقالا مطولا نشرته مجلة "التايم" الأمريكية أخيرا، حول أهم 50 اختراعا خلال 2010، وأصارحكم القول بأننى كنت معنيا بالتدقيق فى جنسيات أصحاب تلك الاختراعات، التى عمت فوائدها على البشرية قاطبة، وتساءلت: ألم نشعر بغيرة- وليس حسدا- أننا خارج سياق المساهمة فى مهرجان الاختراع والابتكار، ذاك موضوع أعلم يقينا أنه موضع ألم قديم، وأننا لم نتعب ونمل من تقمص دور المستهلك والمتابع من بعيد للثورة التكنولوجية والعلمية الدولية؟

لن أصدعك بحديث مكرر وممل عن تراجع قيمة البحث العلمى فى جامعاتنا ومعاهدنا، بسبب نفوس مهزوزة متعتها الوحيدة فى الحياة اضطهاد وتكدير حياة كل مبدع ومبتكر فى شتى المجالات والقطاعات، وإنما سوف أسعى لفتح نقاش بشأن قضية تعمدنا عدم الاستفادة من ابتكارات واختراعات شباب غض لم تخبُ داخلهم بعد جذوة الأمل والتفاؤل والاجتهاد، ويعلوها التراب والصدأ فى مكتب تسجيل براءات الاختراعات الكائن فى شارع القصر العينى، فإن كانت الحكومة الذكية قد أعطتها ظهرها وتجاهلتها عن قصد ونية، وأن البيروقراطية المتوارثة من عصور أجدادنا الفراعنة تقيد يد حكومتنا، وتبنى المطب تلو الآخر للحيلولة دون إزالة الأتربة عنها وإخراجها للنور، فما هو عذر القطاع الخاص المفترض نظريا وعمليا سيره فى أى اتجاه يزيد أرباحه ومكاسبه بتحسين وتجويد ما ينتجه من سلع وخدمات؟

بطبيعة الحال لن تكون البيروقراطية العقيمة مسئولة عن سلوك القطاع الخاص، لكن المسئولية فى ظنى واقعة على عاتق عدم الاكتراث واستسهال فكرة استيراد كل كبيرة وصغيرة مستخدمة فى عملية الإنتاج من الخارج، وأكاد أجزم أن الغالبية العظمى من مصانع وشركات كبار رجال الأعمال والصناعة تخلو من إدارة حقيقية للتطوير والبحث، حتى ولو على سبيل تقليد الغرب، وحجتى فى هذا الجانب تستند إلى أنه لو كانت مثل هذه الإدارات موجودة فعليا وليس على الورق لاهتم من يتولى تسييرها بالذهاب إلى مغارة على بابا، مكتب براءات الاختراعات، المكتظة بكنوز ونفائس لا حصر لها، والمفاضلة فيما بينها لاختيار الأصلح والمناسب لأنشطتها.

حتما ستطرح سؤالا: لماذا تركز على القطاع الخاص دون غيره؟
مبرر التركيز أنه يقود دفة الاقتصاد الوطنى ومنح تسهيلات ومميزات غير مسبوقة تحتم عليه مسئوليات مجتمعية دون الحاجة للحصول على إذن مسبق من هنا أو هناك، بالإضافة إلى أنه حر الحركة ولن يعرقله موافقة السيد الوزير المسئول من عدمه أو موظف مهمل يبطن شرا للنابهين والمتميزين، وحتى أقرب المسافات.

سأحكى قصة شخصية قصيرة تبين كيف يستفاد من جهد العقول الشابة الواعدة.. فقبل سنوات قليلة زرت مدينة بوسطن الأمريكية، وتضمن جدول الزيارة التجول فى شركة "بوز" كبرى الشركات العالمية المنتجة للسماعات، والتقيت مع مؤسسها، وهو هندى هاجر للولايات المتحدة فى الستينيات من القرن المنصرم، والتحق بمعهد "إم.أى. تى" للتكنولوجيا، وخلال جولتى برفقة الرجل أخبرنى بأنه يخصص نصف أرباح شركته للتطوير للاحتفاظ بقدرته التنافسية، وأنه لم يتخل عن التدريس فى المعهد، رغم تقدمه فى السن، وحينما سألته عن السر وراء ذلك، أجاب بأنه يرغب فى رد الجميل لمكان تلقى فيه علومه ولم يبخل عليه بشىء، ومن جهة أخرى فإن التدريس يمكنه من اكتشاف المواهب الشابة من بين تلاميذه، وما أن يتأكد من موهبتهم العلمية وقدرتهم الفائقة على الابتكار فإنه يبادر بتوقيع عقود معهم للعمل فى شركته فور تخرجهم قبل أن تختطفهم الشركات المنافسة، وأشار إلى أن تلك الطريقة جعلته يستحوذ على ثروة بشرية لا تقدر بثمن، بدورى أستحلفكم بالله أرشدونى لأسماء عشر شركات مصرية تفعل مثلما يفعل مؤسس بوز، الفعل معدوم، لأن الانتباه كله منصب على الربح السريع وبأقل تكلفة ممكنة.

إن الاستثمار الحقيقى الذى سيقوى الاقتصاد المصرى ويدفعه دفعا للإمام يجب أن يبدأ من تقدير قيمة "كنز الاختراعات"، هذا إن كنا نحرص على عمل ما يفيده ويحصنه من التقلبات والأزمات.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة