منتصر الزيات

أمريكا والحركات الإسلامية.. المصالح والمتغيرات

الأربعاء، 06 أكتوبر 2010 07:20 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان شعار الشيطان الأكبر الذى أطلقته الثورة الإيرانية فى مطلع شبابها من أدق المصطلحات التى تعبر عن عمق الكُره الذى يجيش فى صدور الحركات الإسلامية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية.

فالأخيرة على اختلاف انطلاقاتها الأيديولوجية أو تقسيماتها الجغرافية تلقفت ذلك الشعار، لتكشف عبره عن حال التوتر فى العلاقة بينها وبين واشنطن، تلك العلاقة التى لاتزال تتقلب بين السخط والغضب والتوجس والشكوك.. وأحيانا المصالح التى قد تجمع بينهما.

غير أن المدقق فى حقيقة العلاقة نفسها، لا يستطيع أن يعزل موقف الحركة الإسلامية عن الموقف المحورى للحركة الوطنية عموما باختلاف فصائلها السياسية فى مصر وغيرها من البلدان العربية والإسلامية التى توارثت هذا التوتر بفعل سياسات الولايات المتحدة تجاه الحقوق العربية والاسلامية فى المنطقة.

وإذا كانت إيران فجرت كوامن الغضب من خلال شعار الشيطان الأكبر، فإن الحقبة الناصرية منذ منتصف الخمسينيات وما بعدها أبرزت الأمريكان فى صورة رعاة البقر عبر الكاريكاتير الشهير للعم سام الذى ابتدعه الرسام المصرى الراحل صلاح جاهين.

والفتور الذى يصيب العلاقات العربية والإسلامية تجاه الولايات المتحدة يجد له أساسا تاريخيا فى اصطدام مشاعر العرب والمسلمين بالطموحات الامريكية التى تأججت بعد خروجها منتصرة من الحرب العالمية الثانية ورغبتها فى أن ترث مراكز نفوذ بريطانيا وفرنسا فى الشرق الاوسط بعد أن أفل نجمهما كقوتين عظميين.

وزاد السخط واشتعل الغضب مع محاولة أمريكا استعراض قوتها لإجهاض تلك المشاعر العدائية الجياشة ضدها عندما قام سلاحها الجوى بعملية فاشلة فى إيران زادت من مشاعر الحنق ضدها، وربما سببت هذه الهزائم شعور الامريكان بالندم لحظر إدارة كارتر على موظفيها ودبلوماسييها إجراء اتصالات مع آيات الله فى ايران قبل سقوط الشاه، ما دفعهم الى اعتماد تحول استراتيجى لسياستهم فى المنطقة.

فى ضوء ذلك بدأت الولايات المتحدة عبر دبلوماسييها فى البلدان العربية تبحث عن قنوات تفاهم بينها وبين الحركات الاصولية، إذ تم الكشف عن مقابلات تمت بين دبلوماسيين بارزين فى سفارات أمريكية مختلفة ورموز قيادية فى هذه الحركات وفصائلها المختلفة سواء من الإخوان المسلمين أو من الجماعات الجهادية، وسهل وجود كتلة برلمانية للاخوان داخل البرلمان المصرى من تكثيف مثل هذه الاتصالات.

وكان الغرض من هذه الاتصالات والمقابلات التعرف عن قرب على أفكار قيادات هذه الحركات السياسية ومعتقداتهم الدينية وكيفية تعاملهم مع القوى السياسية المختلفة فى حال توليهم الحكم فضلا عن محاولة احتوائهم.

والذى لا شك فيه أن أحداث 11 سبتمبر 2001 جاءت لتقلب الطاولة فى تلك العلاقة وانقلب السحر على الساحر كما يحلو لكثير من المراقبين أن يعبروا وهم يدققون فى حقيقة العلاقة بين تلك الحركات والولايات المتحدة الامريكية، فقد كانت غزوة نيويورك وواشنطن فارقة فى عبور محاولات تأمين هذه العلاقة، رغم استمرار الجهود الامريكية فى صنع قنوات تفاهم مع الحركات المعتدلة بعد وصول رجب طيب اردوغان وحزبه للحكم فى تركيا.

غير أن التقويم الموضوعى لهذه الظواهر، كدلالة على حجم ونوعية العلاقة بين الولايات المتحدة والجماعات الإسلامية الأصولية، لا يمكن عزله عن مناهج هذه الجماعات بما لها من طبيعة عقائدية تحمل تصورا واضحا فى عداء الغرب وأمريكا للإسلام، وقد بدا هذا بوضوح بعد انهيار الاتحاد السوفيتى وسقوط الشيوعية، من خلال تصريحات متتالية لقيادات إسلامية بارزة، وصفت الحضارة الأمريكية بأنها زائفة منحرفة عن منهج الله.

فى ضوء ما سلف يمكن الاعتماد بشكل أكاديمى على حقيقة تبرزها أدوات تقصى لطبيعة العلاقة بين الأمريكان والحركات الإسلامية مؤداها أن المصالح الأمريكية العليا تتحكم فى توجيه دفة الأمور والاستفادة من مجريات الأحداث على نحو يخدم هذه المصالح.

وقد تلاقت المصالح الأمريكية العليا مع مصالح الحركات الإسلامية على أرض أفغانستان، فمن جهتها أرادت واشنطن محاصرة الاتحاد السوفيتى واستنزاف قواه فى حروب عصابات على أرض أفغانستان الوعرة، وفى الوقت نفسه قطع سبل التعاون بينه وبين الحكومات العربية، يخلق حالة استنفار عدائية ضده فى تلك الدول.

ومن جهتهم استغل قادة الحركات الإسلامية الجهادية الموقف لصالحهم، ففر كثير منهم من بطش حكوماتهم وملاحقتها الدائبة لهم إلى مكان يصعب ملاحقتهم فيه، ليس ذلك فحسب، إنما أيضا استغلال ما فيه من إمكانات مادية وعسكرية لتنمية القدرات القتالية لعناصرهم واستغلالها فيما بعد الصراع الدائر بينهم وبين تلك الحكومات.

واذا كانت أمريكا سعت إلى توظيف الحركات الإسلامية الأصولية للإفادة منها تحقيقا لمصالحها العليا، فإن أيديولوجية هذه الحركات، لم تكن لتقبل هذا الانتفاع الأمريكى ما لم يقابله انتفاع إسلامى مواز ومتكافئ يتوافق مع أهداف هذه الحركات وتصوراتها العقائدية.
وبدت الرغبة نفسها فى حرص الجماعات الإسلامية على تحييد الولايات المتحدة فى صراع تلك الجماعات مع حكوماتها الإقليمية، والإفادة من الآليات الإعلامية فى المجتمع الأمريكى، حتى أدرك الطرفان أنه لا مناص من العودة مجددا إلى نقطة التصادم بين الثوابت الاستراتيجية التى تكون فى مجموعها مصالح كل طرف.

جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن، كانت أحداث سبتمبر وما تلاها من أحداث تمثلت فى الإطاحة بنظام طالبان الذى احتضن القاعدة، ثم الإطاحة بنظام صدام حسين فى العراق، وتخلخلت أنظمة وقيم ونظم، وتبدلت رؤى وتقاطعات وتحالفات، ولم تزل أمريكا تبحث عن توازن يحكم علاقتها مع جماعات إسلامية على النمط التركى، ولم تزل جماعات الجهاد تهتف من جديد الموت لأمريكا.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة