محمد إبراهيم الدسوقى

عليكم بالتقشف

الأحد، 24 أكتوبر 2010 07:38 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن تجولت ببصرك فى أرجاء المعمورة، وتفحصت بإمعان أنشطة وجهد الحكومات شرقا وغربا شمالا وجنوبا، لن يشق عليك بلوغ حقيقة أن الغرض المحورى لسعيها وجدها، يتمثل فى تسليم الأجيال القادمة البلاد متمتعة بالصحة والعافية المالية والاقتصادية، لذلك نرى دولا عملاقة كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واليابان والصين وغيرهم لا يتحرجون ولا يستنكفون من سن سياسات قاسية للتقشف، بسبب خلل وقصور فى أداء أنظمتها الاقتصادية والمالية، إذا لم يعالج فى حينه فإن هؤلاء الكبار سيواجهون شبح الإفلاس، مثلما حدث مع اليونان.

والحقائق الماثلة تؤكد أن هذه البلدان قبل أن تتقشف تصارح مواطنيها بحقيقة الوضع، وأنه لا مهرب مقابلها سوى التقشف، وتلك ميزة كبرى وعظيمة فى الحكم الرشيد، فلم تكابر حكوماتها وتعاند وتصر على أن أحوالها على خير ما يرام، وأن مشكلاتها مؤقتة ولا تعدو كونها زوبعة فى فنجان سرعان ما ستنجلى ويعم الرخاء والازدهار ورغد العيش، وعندما نتمعن حالنا ونقارنه بما يدور خارج حدودنا، فإننا سنفاجأ بازدواجية غريبة وعجيبة معا بدايتها من أن ملفاتنا الاقتصادية والمالية ليست معلومة ومكشوفة بشفافية للكافة، فالمعلومات والبيانات متضاربة، فما تعلنه الجهات والتقارير الحكومية فى واد، وما يصدر عن منظمات ومؤسسات عالمية، مثل البنك وصندوق النقد الدوليان فى واد أخر.

المحصلة تكون أننا لا ندرى يقينا الحجم الواقعى الحقيقى لعجز الموازنة والديون، ونقرأ فى الصحف السيارة عن تخصيص مليارات الجنيهات لمشروعات هنا وهناك بدون أن نعلم مصادر تمويلها، وما إذا كانت من مصدر كالسياحة أو قناة السويس.. إلخ أم أنها ستجمع من فرض شرائح جديدة من الضرائب، الأعجب أن المسئولين فى كثير من الحالات يشددون فى تصريحاتهم اليومية على مطالبة المواطنين ترشيد استهلاكهم وإنفاقهم واستخدامهم للطاقة وللسيارات مع أن العديدين منهم كتب عليهم التقشف الإجبارى، لأن دخلهم غير متوازن ولا متوافق مع الارتفاعات والقفزات الجنونية فى الأسعار والخدمات.

وبعد هذا تصدم بإن الداعيين للتقشف والترشيد لا يطبقونه على أنفسهم، فتراهم احرص ما يكونوا على استبدال سياراتهم الفارهة بأحدث الطرازات والكماليات والثمن يدفع من أموال دافعى الضرائب، ويغيرون ديكورات مكاتبهم الفخمة بدون ضرورة ولا حاجة ملحة، وحينما يمرضون يسارعون للخارج، طلبا للعلاج، وتتحمل خزينة الدولة المثقلة بالأعباء مصاريف وتكاليف سفرهم وعملياتهم وفحوصاتهم الطبية، ثم تجدهم يحدثونك عن المستوى العالى للخدمة الصحية فى المستشفيات المصرية، وإن سألتهم: لماذا لم يعالجوا فيها إن كان الأمر كذلك؟ فلن تحصل إلا على الصمت الرهيب المفجع. ولعل فضيحة العلاج على نفقة الدولة قد كشفت فقط عن الجزء الظاهر لتلك المأساة المؤلمة، وما خفى كان أعظم.

ومن الطبيعى ألا يتجاوب المواطن مع أى سياسة هادفة للترشيد وربط الحزام، طالما إنه غير مقتنع ومصدق أن من يدعو إليها ينفذها ويطبقها قولا وعملا، لذا فإن الحكومة تتحمل مسئولية عظمى فى هذا الإطار تتجسد فى التطبيق العملى لما تعلنه وتطالب به، لكن الواقع يكشف عن أنها تتخبط فى سياساتها وقراراتها، ولا ينقذ الموقف من التدهور والتراجع سوى التدخل الرئاسى فى الدقائق واللحظات الحاسمة، فإلى متى سوف يستمر الحال على هذا المنوال؟

وشخصيا أدعو وأحث الحكومة على مراقبة ومتابعة ما تعانيه الدول من حولنا إقليميا ودوليا ليس للخروج بتصريحات من عينة هل تأكدتم من حصافة سياساتنا ونهجنا الذى يقينا الوقوع فى مشاكل مشابهة، بل للرغبة فى التعلم منها من جانبين، الأول: المكاشفة بحقيقة وضعنا، مهما بلغ من السوء والحدة، لضمان التفاهم والمؤازرة من المواطنين، والثانى فرز طرق ووسائل معالجتها لاختيار المناسب منها لنا، لكى لا تأتى الأجيال القادمة لتلعن من سبقها، لأنهم لم يتوصلوا للحل الملائم قبل ضياع الفرصة، وعلينا أن نفهم أننا لسنا فى مأمن، فالتقشف سيكون خيارا إجباريا، فدعونا نلتزم به قبل أن يفرض قسرا.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة