براء الخطيب

قمة سرت: هل تكون ولادة ثانية أم شاهد قبر للجامعة؟

الأحد، 10 أكتوبر 2010 07:29 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى يوم 22 مارس سنة 1949 ظهرت "جامعة الدول العربية" للوجود من رحم الوطن العربى الذى كان الاستعمار الغربى (الأوربى) قد جثم على قلبه من المحيط إلى الخليج متخذا أشكالا مختلفة، سواء أكان ظاهراً أو مختفياً خلف عدة أقنعة، وكانت كل الظروف الدولية فى منتهى القسوة والصعوبة، وبظهور "جامعة الدول العربية" استبشر المخلصون من العروبيين أنها سوف تكون هيئة عربية تضمن (وتساعد على) سيادة واستقلال الدول العربية الأعضاء، وتكون إطارا عاما للنظام الإقليمى العربى، ومرت مرحلة تأسيسها وإثبات تواجدها حتى سنة 1960 ثم انتقلت إلى مرحلة التأكيد على وحدة الصف العربى وتنامى المد العروبى بعد الإجراءات التأميمية التى قامت بها ثورة 23 يوليو بزعامة زعيم الأمة العربية جمال عبد الناصر وتحديدا الفترة من 1964 إلى 1978 فى أعقاب معاهدة "كامب ديفيد" التى وقعها الرئيس الراحل "أنور السادات"حيث بدأ التصدع وتقلص البعد القومى لأقصى درجات الجزر حتى سنة 1990 ثم بداية الانهيار والموت الإكلينيكى والدخول فى الغيبوبة التى تسبق توقف القلب والمخ عن الجسد المتهالك فى أعقاب حرب الخليج الثانية، وبالرغم من ذلك لا يستطيع أى منصف أن ينكر الجهود التى بذلتها "جامعة الدول العربية" فى إدارة بعض الأزمات العربية/العربية لكن بمقارناتها مع بعض التنظيمات الإقليمية فى مختلف مناطق العالم فسوف يظهر بوضوح وجلاء عدم صمودها فى أية مقارنة نظرا لحالة الوهن التى كانت عليها منذ ولادتها وكذلك بسبب التدخلات الدولية غير العادلة فى مختلف البلاد العربية حيث اشتعلت البلاد العربية بحرب الخليج الثانية ثم الحصار والحرب على العراق ثم الاحتلال السافر للعراق والتدخل فى الصومال وفرض حصار مضنى على ليبيا (الجماهيرية العظمى) بعد قضية "لوكربى" ثم الاعتداءات على السودان ومرمرغمة قيادته السياسية فى التراب ومحولات الديمقراطية الأمريكية لعقاب سوريا وفرض العقوبات عليها ناهيك عن قذارة الاحتلال الصهيونى لفلسطين واستمرار القتل وعمليات الترانسفير وتهويد القدس ومحاولات الحلف الأمريكى الصهيونى مرمغة الكرامة العربية فى التراب والنهب المنظم لاقتصاديات الوطن العربى وبالذات عقب انهيار "الاتحاد السوفييتي" المأسوف عليه من جماعات اليسار العربى المسكين الذى فتح عينيه ذات صباح على العولمة الأمريكية التى اجتاحت العالم، حيث تعززت القبضة الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر مغلفة بقفاز الحرب على الإرهاب.

وتجيء العوامل الذاتية من الداخل لتنهش فى جسد "جامعة الدول العربية" لتصيب كل أعضائها بالشلل فهى منظمة تقوم على التعاون الاختيارى ولا تملك أية سلطة على الدول المنضمة إليها فى فض النزاعات العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية العربية/العربية مما دفع بعض الدول العربية لطلب الحماية من دول أقوى حتى ولو كانت هذه الدول الأقوى مصنفة فى خانة أعداء الأمة العربية حيث تم تعميد أقصى حالات القطرية بين دول الجامعة فظهرت إلى الوجود منظمات بديلة مثل "مجلس التعاون الخليجى" و"مجلس التعاون العربي" و"اتحاد المغرب العربي"، وظهر بوضوح وسفور وهم الزعامة بين مختلف قادة ورؤساء وملوك وأمراء البلاد العربية، وتناحر هذه الزعامات الوهمية فيما بينها دون أن يكون لكل منها أرضية صلبة من شعوبها هى نفسها فضلا عن الشعوب العربية جمعاء، فصارت كل قرارات "جامعة الدول العربية" مجرد حبر على ورق مطبوع عليه لوجو الجامعة العربية وذلك فى غياب أية آلية لتنفيذ قراراتها، ناهيك عن قصور بنود الميثاق التى تجعل من تحقق الإجماع فى التصويت قاعدة رئيسية لتنفيذ القرارات المتخذة.

اليوم تأتى قمة سرت ويأتى إصلاح "جامعة الدول العربية" على أولويات جدولها وبالتأكيد سوف يتطرق الراغبون فى الإصلاح لكل أسباب الوهن والموت الإكلينيكى وسوف يصدم "المصلحون" بعدم استطاعتهم تفعيل الاتفاقيات العربية الاقتصادية والسياسية والأمنية، ولن تظهر سوق عربية مشتركة ولن يتم السماح بحرية انتقال الأشخاص ورؤوس الأموال وتبادل البضائع وحرية الإقامة والعمل وتنسيق خطط التنمية ورفع خطاب اقتصادى موحد فى مواجهة التحديات الدولية وهى أمور كانت موجودة بالفعل فى ميثاق الجامعة ولن يتم ذلك إلا بضرورة الإيمان (الذى يصحبه التنفيذ العملي) بأهمية الانتماء الحقيقى والعملى للجامعة العربية كحل أساسى وخيار وحيد لإصلاح "جامعة الدول العربية" حيث يظل هذا "الإصلاح" مرهونا بـ"إصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فى اتجاه تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان والرفاهية الاقتصادية والاجتماعية للمواطن العربي، حتى تمثل هذه الدول بالفعل طموحات وتطلعات شعوبها داخل هذه الهيئة العربية.

ما لم يتم ذلك سوف تجد البلاد العربية نفسها فريسة لمحاولات "الإصلاح" من الخارج والتى سوف تفرض عليها عنوة من جهات أجنبية لن تراعى خصوصيات أى شعب عربى تمشيا مع إصلاحات العولمة والحرب على الإرهاب.

ولأن ذلك "الإصلاح" لجامعة الدول العربية يبدو فى غاية الصعوبة (هذا إن لم يكن مستحيلا) على كل المجتمعين فى مؤتمر سرت الذين هم فى الأساس السبب المباشر فى الموت الإكلينيكى لجامعة الدول العربية وهم نفسهم الذين يسعون إلى ولادة ثانية لها وأغلب الظن (بل من المؤكد) أنهم سوف يدقون المطرقة الأولى فى نصب شاهد القبر الذى سوف يرفعونه فوق قبرها، ولا عزاء للعروبيين.

كاتب وروائى مصرى









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة