محمد حمدى

الكربون "الزفر"!

الإثنين، 14 سبتمبر 2009 07:17 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منذ عدة أسابيع أحاول نقل نجلى الأكبر التلميذ فى الصف الثانى الثانوى من مدرسته بالزمالك إلى مدرسة أخرى فى الظاهر، وقد تصورت بحسن نية أن المسألة مجرد موافقة المدرستين على النقل وينتهى الأمر، فإذا بى غارق إلى شوشتى فى دهاليز إدارات التعليم المختلفة والموزعة بين شوارع ومدارس القاهرة فى أغرب رحلة من نوعها لم يسبق لى التمتع بها!

النقل يحتاج بيان نجاح فى الصف الأول الثانوى بالدرجات من المدرسة.. مسألة سهلة.. أخذت البيان مختوما من المدرسة، فطلبوا توقيعه وختمه من مجمع التحرير، ذهبت إلى المجمع فحولونى إلى مبنى آخر فى جاردن سيتى.. وهناك رفضت السيدة المسئولة اعتماد بيان النجاح لأنه ليس مكتوباً بالكربون الزفر.

ولأننى لم يسبق لى العمل بالحكومة أو السماع من الأصل عن الكربون الزفر فقد استفسرت عنه، فقالت كربون وجه وظهر يطبع على ظهر شهادة النجاح.

سألت: ولماذا الكربون الزفر طالما الشهادة عليها توقيع مدير المدرسة وخاتم المدرسة وتوقيع مدير شئون الطلاب ومدير التعليم الثانوى ومدير الإدارة التعليمية وخاتم شعار الجمهورية.. هذا غير بعض الموظفين الذين ينبغى المرور عليهم والحصول على توقيعهم؟

أجابت السيدة بكل أدب: هذا هو النظام المتبع؟
سألتها: وهل الكربون الزفر له رائحة معتمدة حتى يتم التأكد منها ويمكننى شمها بدلا من إعادة الورق مرة أخرى لأنه خالٍ من الزفارة!

نظرت إلى بامتعاض شديد.. ثم قالت ولا تنسى إحضار حوالة بريدية من أى مكتب بريد وطوابع لصالح الخدمات التعليمية..و.. و.. إلخ

هذا هو حال بعض الدواوين والمصالح الحكومية.. ولن أتحدث عن رحلة الأوراق والأختام والتوقيعات التى مررت به، والتى استغرقت منى أكثر من سبعة أو ثمانية أيام عمل كاملة ومتفرقة طيلة الأسابيع الماضية.. ولا البحث عن الإدارات والمكاتب المتفرقة بين المدارس.. لكن هل يعقل أننا فى القرن الحادى والعشرين.. عصر التكنولوجيا والاتصالات والحكومات الذكية لا نزال نشترط كتابة أصل وصورة لشهادة نجاح بالكربون الزفر!

للأسف هذه هى مصر، ورغم كل ما يقال عن تحديث الإدارات الحكومية وتطويرها، فإن البيروقراطية على ما يبدو أقوى من كل آليات التحديث.. وقديما كنا نتصور أن بريطانيا هى أعرق بيروقراطية فى العالم، لكن اتضح أن البيروقراطية المصرية هزمتها بالضربة القاضية وفازت بهذا اللقب المحبب لكل الإدارات المصرية منذ العصور الفرعونية.

وحتى نتخلص من هذه البيروقراطية العتيدة، والروتين القاتل، فإن من حق مصر أن تفخر بكونها تضم أكبر جيش من الموظفين على مستوى العالم كله، يبلغ تعداده ستة ملايين موظف.. يمتازون بقدرة عجيبة ومثيرة على تعطيل مصالح المواطنين.. وأخشى ما أخشاه أن تكون تلك البيروقراطية قد دخلت فى جيناتنا، وأصبحت جزءا أصيلا من الشخصية المصرية يستحيل القضاء عليه!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة