محمد حمدى

الدولة المدنية ليست كفراً

الإثنين، 27 يوليو 2009 03:37 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
على مدار أكثر من ثلاثة أشهر من الكتابة والمتابعة الدقيقة لمقالات الرأى وتعليقات القراء عليها على الموقع الإلكترونى لليوم السابع، لاحظت أن كثيراً من القراء يرفضون الدولة المدنية ويعتبرونها كفراً والعياذ بالله، مستندين فى ذلك إلى النموذج العلمانى الغربى الذى ينحى الدين جانباً فى الأمور المتعلقة بالدولة، وكأن خيار الحداثة لابد أن يكون أحد شكلين اثنين لا ثالث لهما، إما دولة دينية تتحكم الشريعة فى كافة أمورها، أو دولة علمانية لا تتعاطى مع الدين على الإطلاق.

والحقيقة أن هذه النظرة يجانبها الصواب، وتلغى العقل، لأنها تعمد إلى الاختيار ما بين النماذج القائمة فقط، دون منح العقل حقه فى الاجتهاد وصياغة مشروع دولة مدنية حديثة، تستند إلى الخبرة الوطنية دون حاجة إلى التقليد ونقل نماذج بعينها.

فى الحالة المصرية على سبيل المثال، نحن كمسلمين ومسيحيين من أكثر شعوب الأرض تديناً وغيرة على الدين، ولا يمكن بأى حال من الأحوال فصل الدين عن الحياة اليومية للناس، لأن معتقداتنا تحدد لنا الكثير من المعاملات اليومية فى الزواج والطلاق والميراث وغيرها من المعاملات التى لا يمكن الحكم عيلها بقوانين وضعية تتجنب الشرائع السماوية.

لكن فى نفس الوقت، فإن الكثير من أمور السياسة والاقتصاد والصحة وغيرها من أمور الحياة اليومية تحتاج إلى المتخصصين فى العلوم الدنيوية وليس الأمور الدينية، ولعل لنا فى حديث الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة، وهو القائل "أيها الناس إذا أمرتكم بالشىء من أمر دينكم فهو منى وأنا قلته، وإن أمرتكم بالشىء من أمر دنياكم فإنما أظن ظناً، أنتم أعلم بأمور دنياكم".‏

وحين بدأت الدولة الإسلامية فى التوسع فى عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه، أخذت الدولة الإسلامية الوليدة بالنظم الاقتصادية والسياسية فى الدول التى فتحتها ومنها نظام الدواوين والعملة، بل إن كثيراً من الفنون الإسلامية مثل العمارة اعتمدت على الخبرات الحياتية للدول والممالك والإمبراطوريات التى سبقتها.

صحيح أن الإسلام هو خاتم الأديان، لكن الحضارة الإسلامية العريقة لم تبدأ من فراغ، وإنما بنت على ما سبقها من حضارات وصهرتها جميعاً فى بوتقة واحدة، وهو نفس ما فعله الأوروبيون فى العصور الوسطى حين اعتمدوا على إنجازات الحضارة الإسلامية والبناء عليها.

الدولة المدنية الحديثة التى نريدها لا تتعارض مع الأديان ولا تلغيها، وإنما هى تلك الدولة التى تفصل بشكل واضح بين ما هو دينى وما هو دنيوى، ولا أدعى أننى أملك نظرية متكاملة فى هذا الصدد، لكن الجهد الحقيقى الذى يمكن القيام به هو كيفية بناء هذه الدولة المدنية الحديثة التى تحافظ على سمات الشخصية والمجتمع المصرى، ولا تمس عقائده وفى نفس الوقت ترتكز على حقوق الإنسان والمواطنة الحقيقية التى لا تميز بين الناس على أساس الدين أو الجنس أو العرق.

مصر الحديثة فى حاجة لاجتهاد واسع يقوم على الاحترام المتبادل بين مختلف الأراء والتوجهات، لا تقلد الآخرين لكنها تبنى مستقبلها مستندة على الخبرات البشرية التى سبقتها كما فعلت الدولة الإسلامية الأولى، وكما فعل الأوروبيون وغيرهم من الأمم بعد ذلك، وفى ذلك فليتنافس المتنافسون.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة