أكرم القصاص

بيزنيس "التهلكة"

الأربعاء، 01 يوليو 2009 06:30 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مهما كانت قوة الكارثة، أو عنف الواقعة، أو خطر الجانحة، فسوف تجد أناسا يبتسمون، لا يهمهم المرضى المحتملين، ولا الضحايا..لا ينتابهم الخوف والهلع. يفكرون فقط فى أنفسهم، ويبحثون عن الربح، حتى لو كان فى كفن.

وإذا كنا نتحدث عن الخطر المحتمل لأنفلونزا الخنازير، فقد ربحت منه شركات ومنظمات، ربح منه تجار الأدوية، وشركات الدواء، وأجهزة الدعاية، التى باعت الرعب ممزوجا بالإعلانات. وخصصت، الوقت قبل وبعد الفاصل، لإعادة نشر الرعب من أجل مزيد من الكسب؟.

كل هذا مفهوم، وطبيعى، يحدث من أيام آدم، وحتى أيام آدم. هناك من يربح من هذا أو من ذاك، وحتى الفئران سوف تجد من يتاجر بها ويربح من وباء الطاعون المحتمل، يبيع مصايد أو سم فأر، أو رحلة عمرة أو حج، لا فرق عنده، إذا اتجه المسافر للكعبة، أو للآخرة. للمدينة، أو للبقيع. المهم المكسب.

وبالرغم من كل التحذيرات والفتاوى التى تحرم الذهاب للحج والعمرة فى موسم أنفلونزا الخنازير، فإن كثيرين لم يتأثروا. بل إن الفائزين فى قرعة الحج أقاموا الأفراح وأطلقوا الزغاريد. وفرحوا فرحا حقيقيا، بفوزهم فى قرعة الحج، بوزارة الداخلية. وهو فرح له تبريره، فأغلب هؤلاء من الطبقة الوسطى، غير القادرين على تكلفة الحج السياحى.

يوفرون القرش على القرش من أجل أداء ركن الإسلام الخامس "لمن استطاع إليه سبيلا". فهؤلاء يصعب عليهم أن يفرطوا فى فرصة جاءتهم، انتظروها طويلا. وليس من السهل أن تتكرر. لا تخيفهم تحذيرات أنفلونزا الخنازير، ولا حتى الموت. الذى يبدو مكافأة إضافية، أن يموت المرء ويدفن فى الأراضى المقدسة. ويضمن الغفران مهما كان حجم الذنوب. هكذا وجدوا من يقول لهم ذلك. أما أنصار تكرار الحج والعمرة سنويا، فإنهم يعتبرون السفر للأراضى المقدسة هو سياحتهم المفضلة، يعيدهم أناسا جددا، مهما كان حجم خطاياهم، فهم يرتكبون مظالم يثقون فى أنها سوف تنتهى مع الحج. مع أنهم يعلمون أن الله عليم بنياتهم.

ووسط هؤلاء من اتخذوا الأمر كله بيزنيس، لا فرق بين وباء أو فرح، يرتدون لكل موقف لباسه، ويكسبون من كل خطوة. ولأجل هؤلاء كانت الفتوى، بالسماح والتحريم، فتاوى لا علاقة لها بمصالح الناس ولا عقولهم، إنما بجيوبهم.لا ينتظرون حسم القضية، ولاتفرق معهم نوعية الوباء أو نوعه، لكنهم فقط يريدون الربح. حتى لو كان ممزوجا بلحية أو عقال، أو حتى بقرص دواء، أو مشروب ساخن. المواطن بالنسبة لهم" زبون"، فى الحج أو فى شركات الدواء. وهم على استعداد لخوض معارك، من أجل دعم مصالحهم، حتى ولو بالفتاوى، وهى أمور تصاغ كأنها شىء تلقائى. ومثلما استجابت شركات إنتاج التامفلو، لصراخ منظمة الصحة العالمية. استعدت منصات الفتاوى لإطلاق فتاواها بالتحريم والتحليل حسب المصلحة، والموائمات السياسية.

الفتاوى سياسية واقتصادية وليست دينية، لأن الأمر يرتبط بمصالح السعودية من جهة ومصالح شركات السياحة التى تنظم الحج والعمرة من جهة أخرى. وتردد أن دار الإفتاء تراجعت عن إصدار فتوى منع العمرة والحج، بعد مشاورات حكومية رأت فى إلغاء موسم العمرة خراب لـ 400 شركة سياحية تحقق مايقرب من 20 مليار جنيه سنويا. من بزنيس تنظيم الرحلات، خاصة مع ركود موسم السياحة بسبب الأزمة العالمية. التقت مصالح أصحاب شركات السياحة مع مصلحة السعودية، فى عدم إصدار فتاوى تحريم العمرة والحج. رفض المفتى تأجيل السفر للعمرة، واشترط للمنع أن يصل الوباء لدرجة الخطر المحدق. وقال إنه يمكن التأجيل طبقا لآراء الجهات الفنية. وزارة الصحة لن تفعل، فهى جزء من الحكومة يخاف على السياحة. وتلاقت الفتوى مع اتجاه نقابة الأطباء التى أصدرت فتوى قالت فيها إن الظروف لم تصل إلى منع السفر.

كالعادة الفتاوى لاعلاقة لها بالخطر المحتمل.. وصدرت لمحو آثار فتاوى اعتبرت الذهاب للحج مع العلم بالوباء، إلقاء للنفس فى التهلكة. ونقابة الأطباء التى رأت الخطر ليس كبيرا. نقابة الأطباء لم يعرف أنها تعاملت مع قضايا الصحة بهذه الجدية، ولم تصدر بيانا حول أحوال الطب، أو جرائم المستشفيات، ولا كارثة الكبد الوبائى، ولم تساند المرضى ولا أصدرت ميثاق شرف لحماية أرواح المرضى. اهتمت بتبرير الحج والعمرة، وهى فتوى لها بعد سياسى، مثلما جرى فى معارضة قانون نقل الأعضاء بالرغم من موافقة النقيب، ستجد فكرة الضرر والدرء والبعد والتهلكة، وتسمع بيانات وفتاوى مضبوطة، لا تخاطب العقل، لكنها تصب فى صالح من يريدونها..

وحتى مفتى السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، عندما أصدر فتوى حول منع السفر إلى البلدان التى ظهر فيها الوباء.. اكتشف أن السعودية تحقق مكاسبَ طائلة من موسم الحج والعمرة. تم التشويش عليها، والدفع لإصدار فتاوى مضادة. الفتاوى لا تراعى الفقه والعقيدة لكنها تستند للمصلحة. مصلحة شركات السياحة أو مصلحة السعودية، حتى لو تناقضت هذه المصلحة مع صحة ومصالح الناس. وبعضهم يرى الموت فى الأراضى الحجازية تكريما بصرف النظر عن حجم الذنوب، والذين يكررون الحج والعمرة طلبا للتطهر من الظلم والخطايا.

ومن الأشياء المثيرة التى كشفتها الأزمة أن بعض الشركات المختصة فى العمرات خمس نجوم اعتادت أن تعلن عن وجود بعض الدعاة الجدد ونجوم الفضائيات ضمن بعثتها كنوع من الجذب، وعندما أعلن بعضهم مثل خالد الجندى وصفوت حجازى إلغاء الحج والعمرة استنادا، لأن الذهاب إلقاء للنفس فى التهلكة. وبناء عليه ألغى الحاجزون الفكرة، لأنهم لم يجدوا نجومهم المفضلين. وكأنهم كانوا يسافرون من أجل أن يتصوروا أو يظهروا مبتسمين فى ملابس الإحرام بجوار نجومهم المفضلين.

ربما كان حجاج القرعة أو المعتمرين لمرة أولى لهم العذر فى الحرص على اللحاق بالشعيرة قبل فوات الأوان، لكن من يكررون العمرات لا يجدون فى التصدق بأموالها أو منحها لمستشفى أو أيتام عوضا عن السياحة الدينية. أما الفتاوى والآراء فهى نسبية لا يستند أغلبها على الأصول بقدر ما يستند على مصالح الممولين، لهذا تختلف فتاوى كل قناة فضائية حسب نوعية التمويل، وليس الفقه نفسه، فالقنوات الممولة سعوديا تركز على فتاوى تخدم اتجاهات السعودية. ومنها تحريم فوائد البنوك دعما لبنوك تغير اسم الفائدة إلى أسماء إسلامية، حتى لو كانت هى نفسها جزء من الاقتصاد العالمى ولها أنشطة فى الدول الخارجية.

القضية المسميات وليس الحقيقة والأمر نفسه فى الحج والعمرة الفتاوى استندت إلى المصالح دون مراعاة لمصائر الناس أو مصالحهم. بما يؤكد وجود نوع من البيزنيس لا يراعى الخطر، أو حتى يستند إلى رأى أطباء وعلماء موثوق فيهم، يصدرون آراءهم بحرية. حسب الخطر الحقيقى وحجمه، والعلماء هنا ليسوا علماء الدين وإنما الأطباء وأصحاب الرأى، وهذا هو ما يناسب مصالح الناس ويصنع حالة من الثقة. دون التلاعب بمصالح الغلابة الذين يثقون فى الفتاوى، ليريحوا عقولهم من التفكير حتى لو كانت تتعارض مع العقل، ومع مبدأ أن مصالح الناس هى الأصل طالما لم تخالف أصول الدين.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة