محمد حمدى

وقفة مع الأستاذ هيكل

الثلاثاء، 09 يونيو 2009 02:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تفتحت عينى على كتابات الأستاذ محمد حسنين هيكل فى الأهرام، وبعد أن تركها أصبحت كتبه زادا ثقافيا وسياسيا يمتلئ بالمعلومات والقدرة المميزة على التحليل السياسى. وأعترف أن الأستاذ ساهم بشكل كبير فى تشكيل وجدان أجيال عديدة من المصريين، حتى قرر فى عامه الثمانين الاستئذان فى الانصراف والتوقف عن الكتابة.

وحتى حين اتخذ هذا القرار أطل علينا من شاشة الجزيرة محللا ومفندا لأحداث تاريخية مهمة، عايش بعضها وشارك فى صناعة القرار فى بعض آخر، مما يعد أهم شهادة مرئية على العصر الحديث، وخاصة النصف الثانى من القرن العشرين. لكن خلال العامين الأخيرين بدا لى أن إطلالة الأستاذ هيكل على الأحداث المعاصرة محكومة برؤية ماضوية فى كثير من جوانبها، تقيس على أحداث التاريخ أكثر مما تبحر فى مفردات الواقع.

من موقع الحب والعرفان بالجميل والاعتراف بأستاذية الأستاذ ومساهمته الكبيرة فى فتح عيوننا على الشأن العام وأكثر، أجدنى مضطرا للكتابة، ليس لانتقاد الأستاذ هيكل، وإنما لدعوته للتحليل المتجرد من كل ملابسات الماضى أو الوقوع فى أسر المواقف والقناعات السياسية، لأنه فى العديد من اللحظات المفصلية فى تاريخنا المعاصر تبدو مواقف وتحليلات الأستاذ خارج السياق، ومغرقة فى الماضى، وتنتقص من الثوابت العليا للوطن، وخاصة فى موقفه من حزب الله خلال حرب غزة، ومن زيارة أوباما للقاهرة.

قرأت حوار الأستاذ مع الشروق بتمعن شديد، والحقيقة أنه لدىّ عليه العديد من التحفظات، بعضها من حيث الشكل وبعضها من حيث المضمون، ولعلنى فى البداية أعيب على أساتذة كبار مثل فهمى هويدى وجميل مطر وهانى شكرالله الذين حاوروا الأستاذ هيكل بشكل جعل الحوار يسير على هوى الأستاذ وليس وفقا لما يراه المحاورون، لأن هناك فرقا كبيرا بين الاستماع لمحاضرة كما جرى فى الجزء الأول من الحوار، وبين آليات وفن الحوار الصحفى الذى يفترض الاشتباك بالكلمة والسؤال مع من نحاوره وإلا فقد الحوار معناه، وتحول إلى محاضرة أكاديمية، وما كان على صحفيين الاستسلام لحوار تحول إلى محاضرة.

من حيث الشكل أيضا لم أعرف لماذا شارك المهندس إبراهيم المعلم فى الحوار وهو ليس صحفيا.. وتحضرنى أسئلة عديدة لم أجد لها إجابات: هل حضر بصفته رئيس مجلس إدارة الشروق وأكبر المساهمين فى الصحيفة؟.. أم بصفته ناشر كتب الأستاذ هيكل فى مصر؟.. أم لأنه صديق الأستاذ هيكل؟.. وفى كل الأحوال تبدو مشاركته فى الحوار غريبة وتحتاج لتفسير، لأنها تعنى فيما تعنى تدخل إدارة الصحف ورأس المال فى توجيه السياسة التحريرية والمشاركة فيها وهو أمر غير مقبول، ويشكل سابقة نتمنى ألا تمتد لصحف أخرى.

فى المضمون..أعتقد أن الأستاذ هيكل استخدم كل خبراته السياسية والإعلامية والحياتية فى رسم إطار عام لزيارة أوباما إلى القاهرة وخطابه فى جامعتها العريقة، بما يخدم توجهاته السياسية، على حساب التحليل الموضوعى الذى يفترض أن يلتزم به كاتب فى قامة الأستاذ وخبرته، يفترض منه الحياد لا الانحياز.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، تحدث الأستاذ عن أن المكان المقترح لكلمة أوباما للعالم الإسلامى كان أربع دول إسلامية، هى السعودية وإندونيسيا وتركيا ومصر، والحقيقة أنها كانت خمسة أماكن إذ كان من بينها المغرب، وهى أول دولة إسلامية تعترف بالولايات المتحدة بعد استقلالها، وليس صحيحا أن السعودية رفضت توجيه الخطاب من أراضيها، بل إنها انزعجت جدا من اختيار مصر، وضغطت على الإدارة الأمريكية لوضع الرياض على جدول الزيارة. الثانى أن الأستاذ ذكر أن هناك خمسة أسباب عرضها مساعدو أوباما لعدم اختيار القاهرة، وحين تطرق إليها الأستاذ ذكر أربعة أسباب فقط، وقال إن السبب الخامس عوامل متنوعة، وهذا كلام عام لا يجوز للأستاذ أن يقوله وهو شخص محدد.

ثم يقول الأستاذ إن هذه هى ثالث كلمة للعالم الإسلامى، ويذكر أن أوباما وجه خطابا من قبل من تركيا وهذا ليس صحيحا، لأن كلمته من تركيا استهدفت الأتراك بشكل كبير، ويقارن الأستاذ بين كلمة أوباما أمام البرلمان التركى وفى جامعة القاهرة، مشيرا إلى أنه فى تركيا خاطب البرلمان بينما فى القاهرة لم يخاطب مصر الرسمية، وهذا صحيح لكن التفسير الحقيقى مختلف عما ذكره الأستاذ هيكل، ففى تركيا كانت زيارته رسمية، بينما فى مصر الزيارة لم تكن رسمية منذ وصوله لمطار القاهرة حتى غياب الرئيس مبارك عن كلمة أوباما فى جامعة القاهرة.

وأخيرا وليس آخرا بسبب اعتبارات المساحة، فإن الحديث عن أن أوباما قدم لإسرائيل مواقف عملية بينما خاطب مشاعرنا هو أمر مناقض للتحليل الموضوعى، فحديث أوباما عن الهولوكست حديث مشاعر فى حقيقة تعترف بها أمريكا ومعظم العالم، بينما دعوته لدولة فلسطينية وتجميد الاستيطان هو أكثر من دغدغة مشاعر، وإنما مبادئ أساسية فى توجهاته يعمل عليها منذ اليوم الأول.

من موقع الحب للأستاذ هيكل أقول له إن زيارة أوباما للقاهرة من المواقف الكاشفة المهمة، فنحن أمام حدث تاريخى، علينا استغلاله واستثماره لإحداث التغيير المنشود فى السياسات الأمريكية عبر الكونجرس كما قال الأستاذ.. وحتى هذه اللحظة فإن مكاسبنا من هذه الزيارة أكبر بكثير مما كسبت إسرائيل إذا دعمنا هذا التوجه الذى يراه الأستاذ حملة علاقات عامة.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة