محمد حمدى

شرابات الدكتوره ليلى

الجمعة، 24 أبريل 2009 05:57 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الكتوره ليلى أستاذ مساعد فى إحدى كليات الزراعة بمصر، جاء عليها الدور للترقى لدرجة أستاذ، وطلب منها رئيس القسم إعداد عدة أبحاث للترقى بالمشاركة مع زميل آخر فى مركز بحثى، بحيث يترقى الاثنان بأبحاثهما المشتركة لدرجات علمية أعلى، ولأنها بنت ناس "وواخده المسألة جد"، أخذت نفسها وذهبت إلى الزميل المشارك للاتفاق معه على الأبحاث اللازمة، ودار بينهما الحوار التالى:
الزميل: عايزة أبحاث باللغة الإنجليزية هتكلفك كذا.. عايزاها مترجمة هتكلفك الضعف؟
الدكتوره ليلى: مش فاهمه يعنى إيه!
الزميل: يعنى أبحاث جاهزة من مراكز بحثية أجنبية!
ليلى بذهول: لأ طبعا إحنا هنعمل أبحاث بجد.
الزميل: وليه التعب يا دكتوره ما كل حاجة على النت.. ناقص تقوليلى عايزة تعملى تجارب علمية؟
ليلى: طبعا.

الزميل: فى الحالة دى ستتحملين جميع التكاليف والمسألة هتطول وتأخذ وقتا.. أنا رأيى نخلص ونترجم! هذا هو ملخص الحوار الذى دار بين الدكتوره ليلى والزميل المشارك لإعداد أبحاث الترقى فى الجامعات المصرية.. أبحاث جاهزة من الإنترنت يجرى ترجمتها، أو حتى أبحاث ورسائل علمية مصرية سابقة مع اتباع سياسة "قلب الشراب".

"قلب الشراب" مصطلح شائع فى الصحافة المصرية، وهو يعنى أخذ موضوع صحفى قديم سبق نشره ثم إعادة كتابته مرة أخرى، مع وضع اسم الزميل الذى قلب الموضوع عليه.. وكان صديق وصحفى كبير فى السن والمقام، يعلق على هذه الظاهرة قائلا: "الكلام الحلو مينشبعش منه" لكن المشكلة أن الكلام الحلو، والشراب المقلوب، لم يعد يقتصر على الصحافة بل ذهب إلى البحث العلمى، وانتشرت رائحة الشرابات العلمية المقلوبة وأزكمت الأنوف.

مشكلة الشرابات المقلوبة فى الصحافة إنها تغيب العقول، وتصنع نجوما فى بلاط صاحبة الجلالة بالغش والتدليس، أنا شخصيا أعرف العديد من هؤلاء النجوم المزيفين، الذين بنوا شهرتهم وأسماءهم من تعب وعرق الأخرين.

لكن المشكلة الأكبر حين تنتشر ظاهرة قلب شرابات البحث العلمى، وينتشر الغش والتدليس، فتصاب الأمة فى الصميم، ويصبح مستقبلها غامضا، وبالتالى تنتشر ظاهرة الدروس الخصوصية فى الجامعات، وبيع الامتحانات، إلى غيرها من الظواهر السلبية التى تخيم على التعليم الجامعى فى مصر، لأن من يغش فى بحث علمى، يفتقد الأمانة فى أى شىء، ولا أعرف كيف يمكن أن نأتمنه بعد ذلك على أبنائنا وهم مستقبل هذه الأمة.

ومن الواضح حسب حكايات الدكتوره ليلى أنها ليست حالة وحيدة، لكن هذا المرض تفشى فى الجامعات ومراكز البحوث العلمية، وربما يرجع الأمر فى جانب كبير منه إلى عدم توافر الإمكانيات، وكما ذكرنا فى المكان نفسه من قبل فقد تكرم السيد وزير التعليم العالى بإعادة أموال البحث العلمى للموازنة العامة للدولة.. "كتر خيره"، لكن من غير المعقول أن نطلب من باحثينا الذين يتقاضون الملاليم اقتطاع بعضها للإنفاق على بحوثهم العلمية.

ولولا أن الدكتوره ليلى من عائلة ثرية، وتمتلك أطيان وعقارات فى عدة محافظات ما قررت الإنفاق على أبحاث الترقى، وربما سلكت طريق الزميل نفسه فى قلب شراب أى بحث علمى أجنبى.. لكن كم ليلى فى الجامعات والمراكز البحثية تستطيع تحمل تكلفة البحث العلمى والإنفاق على البيت وتعليم الأولاد وإطعامهم. نحن فى أزمة شديدة الوطأة، ومشكلتها الكبرى، أنها تقضى على أى فرصة لإصلاح الأحوال فى المستقبل، لأنه بهذه الطريقة لا يوجد مستقبل.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة