محمد حمدى

أمريكا .. داخل بيتى!

الخميس، 02 أبريل 2009 02:45 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى عام 1988 حينما بدأت مشوارى الصحفى فى جريدة "الشعب" المعارضة، همس زميل قديم فى الجريدة فى أذنى بصوت يكاد يسمع، قائلا: خللى بالك منذ اليوم الأول الذى يكتب فيه اسمك فى الصحيفة أصبح لديك ملفا فى المخابرات المركزية الأمريكية "CIA".

لم أصدق من هول ما سمعت، نزلت من مقر جريدة الشعب فى شارع بورسعيد بالسيدة زينب سيرا على الأقدام، إلى المنيرة حيث كنت أسكن، تفحصت وجوه آلاف المارة، وظللت أحادث نفسى بصوت مسموع وكأن بى مس من الجنون: تفتكر هذا الشحات الجالس على باب الجريدة مخابرات أمريكية؟..لا .. لا .. إنه مجرد شحات، من إذن، هل هى السيدة التى مرت سريعا أمام مسجد السيدة زينب ويبدو من ملابسها الأنيقة ورائحة برفانها الباريسى المميز أنها من سكان منطقة راقية مثل المهندسين؟.. لابد أنها من يتابعنى.. لا.. ربما هى تزور السيدة زينب لقراءة الفاتحة لها "لله ياست"!

بعد أكثر من نصف ساعة من وهم متابعة المخابرات الأمريكية لى، وصلت إلى بيتى وجلست فى شرفته أراجع ما همس به زميلى، واستنتجت أن المخابرات الأمريكية لديها ما هو أكثر أهمية منى، ومن متابعة عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف من الصحفيين حول العالم، فهى لو خصصت ملفا لكل صحفى لاحتاجت عشرة أو عشرين مبنى على الأقل مثل مجمع التحرير لتخزين الملفات، وجيشاً من العاملين لمتابعة السادة الصحفيين المهووسين بحكاية المخابرات الأمريكية التى ليس لها شغلة ولا مشغلة غيرنا.

تذكرت مسرحية جميلة لعلى سالم عنوانها "الكاتب فى شهر العسل"، عن شخص مهووس بالأجهزة المخابراتية التى تراقبه، لدرجة وضع مسدس فى الشوربة حتى تقتله زوجته به، ودار فى ذهنى بعض مما كتبه الشاعر العراقى المطارد من كل الدول العربية مظفر النواب حين قال:
فالعثة فى بلد العسكر تفقس بين الإنسان وثوب النوم وزوجته
وتحدد صنف المولود وتكوى بختم السلطان على إليته
فإن آمن بالحزب الحاكم فالجنة مأواه
وويل للمارق.

قررت ألا أكون من إحدى شخصيات خيال على سالم أو مظفر النواب، لا تشغلنى أجهزة المخابرات، ولا أغرق فى فوبيا الأهمية وأنها تطاردنى ليل نهار، ورغم بعض القناعات والثقافة اليسارية التى رافقتنى فى بداية تشكلى فقد صنفت نفسى: لا أحب امريكا ولا أكرهها، فالصحافة كما السياسة، لا تعرف الحب أو الكراهية، ولا أعتقد كثيرا فى كل ما يروج عن أن المخابرات الأمريكية مشغولة بمتابعة كل ما يجرى فى مصر وتسجيله وحياكة المؤمرات ضدنا فقط باعتبارنا مركز الكون والقوة والقدرة، وهو أمر غير صحيح بالمرة.

وحينما بثت وكالة أنباء "أمريكا إن أربيك" تقريرا عن عقد بين وزارة الدفاع الأمريكية والجامعة الأمريكية فى القاهرة لجمع معلومات عن مصر، لم أنتظر نفيا من وزير التعليم العالى، أو حتى من الجامعة الأمريكية، فوزارة الدفاع الأمريكية ليست بحاجة لأبحاث من أحد لجمع المعلومات عن مصر، فما يصنف باعتباره "سرى للغاية" لدى المصالح والهيئات الحكومية فى معظم الأحيان لا يستحق هذا التصنيف.

وفى عصر الإنترنت والأقمار الصناعية ومنظمات المجمتع المدنى والمراكز البحثية المنتشرة فى كل حوارى مصر، لم تعد هناك أسرار، ولا أبالغ فى القول إن مجرد بحث سريع على الإنترنت عن أى موضوع سيؤدى إلى تدفق معلومات لا يحلم بها أحد، لدرجة أن التقرير البريطانى المضروب، والذى استخدم للحرب على العراق بحجة حيازته على أسلحة دمار شامل كانت معلومات غير دقيقة تم جمعها من الإنترنت.

حتى المعلومات العسكرية لم تعد سرية، فكل الجيوش فى العالم معروف عددها وتسليحها وأماكن تواجد وحداتها، وأين ينتشر الجنود وأين يختبئون، حتى أن معظم دول العالم تعتمد فى تحركاتها العسكرية على خرائط صادرة عن هيئة المساحة الأمريكية جرى تصويرها عبر الأقمار الصناعية.

اليوم لا توجد أسرار، فكل المكالمات الهاتفية عبر العالم يمكن التنصت عليها وتسجيلها فى بريطانيا، ومعظم برامج تشغيل الكمبيوترات تتصل بالشركات التى صممت البرامج، وإذا فكرت فى الدخول على الإنترنت فإن كل تحركاتك على الشبكة مرصودة.. ببساطة شديدة أمريكا موجودة حتى داخل بيتى، فما حاجتها للتجسس على أو على غيرى!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة