محمد حمدى

حين نتعاطف مع القاتل!

الخميس، 16 أبريل 2009 01:15 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى معظم الجرائم العنيفة، وفى أى مكان فى العالم، يحتشد الرأى العام ضد الجانى وينحاز للضحية، لكن ما حدث من تعاطف مع محمود العيساوى قاتل الفتاتين هبة ونادين، بشكل غير مسبوق يحتاج إلى وقفة حقيقية من القائمين على دراسة اتجاهات الرأى العام للإجابة على سؤال مهم، أمعتقد أننا لم نعثر على إجابة شافية عنه حتى الآن وهو: ماذا حدث للمصريين؟
منذ صدور الحكم بإحالة أوراق العيساوى إلى المفتى وكل من يقابلنى يسألنى: "هل تعتقد أنه مذنب.. لا أعرف لماذا يراودنى إحساس أنه بريئ".. هذا تقريبا ملخص جميع الحوارات التى دارت مع كل من أعرفه.. وحتى من لا أعرفهم مثل سائقى التاكسيات أمس واليوم.

وأعتقد أن هناك مجموعة متعددة من الأسباب اجتمعت لتجعل المجتمع يتعاطف مع القاتل المدان، وينسى الضحيتين.. وهما بنتان فى عمر الزهور، تم قتلهما بوحشية، وفى مقدمتها بلا شك أزمة الثقة الكبيرة بين الحكومة والمواطنين، والتى تجعلنا جميعا وبلا استثناء نشك فيما تقوله أو تفعله، لكنها المرة الأولى التى ينسحب فيها هذا الشك، وانعدام الثقة إلى القضاء وهو أمر فى غاية الخطورة.

اعتدنا طوال حياتنا على النظر إلى القضاء باعتباره حصن الأمان الأخير، ورغم بعض التجاوزات القليلة، لكن الشك لم يتسرب إلينا أبدا فى عدالة قضائنا الشامخ، لكن خلال السنوات القليلة الماضية أخذت هذه الصورة تتغير بشكل سريع وخطير، نزل القضاة من منصاتهم العالية إلى الشوارع، تظاهروا واعتصموا، وظهروا فى وسائل الإعلام، وخلال أزمة قانون السلطة القضائية، اختلط القضاة بالعمل السياسى والعام، فدافع عنهم من دافع وهاجمهم من هاجم.. لكن المحصلة النهائية أننا جميعا تجرأنا على القضاء سواء بالدعم أو الانتقاد.
وأصبحنا نقرأ صفحات كاملة عن فساد القضاة، وعن معاركهم الشخصية، والعامة، ولم نتوقف أبدا لنتأمل أننا بهذا التناول الإعلامى لمشاكل السلطة القضائية وأفرادها نزلنا القضاة من منصاتهم العالية، وجعلناهم أشخاصا عاديين فتسرب الشك إلينا فيما يصدر عنهم من أحكام، وهذا أخطر ما يمكن أن تفعله أمة فى نفسها.

لكن هذا ليس هو السبب الوحيد فى تعاطفنا مع العيساوى.. هناك أيضا الدور الذى لعبته الصحافة فى انتهاك أعراض الضحيتين، وحين نفى الطب الشرعى كل ما ألصقناه من تهم وافتئات بهبة ونادين، لم يكن الرأى العام جاهزا لإعادة تغيير وجهة نظره المسبقة عن الضحيتين.

وربما تعاطفنا مع العيساوى، لأنه شاب فى مقتبل العمر، ينتمى إلى أسرة فقيرة، بينما الضحيتان تنتميان إلى علية القوم.. وتقطنان فى شقة داخل تجمع سكنى فاخر ومغلق، فى حين أن معظم المصريين يعيشون فى العشوائيات والأحياء غير المخططة عيشة أقل ما يقال عنها أنها غير آدمية بالمرة.

بالأمس شاهدت محمود سعد فى "البيت بيتك" وهو يحاور المتهم فى قضية تبادل الزوجات، ورغم أن سعد أراد إظهار أنه "حمش"، ورفض ادعاءات المتهم بوجود إكراه عليه أو على زوجته خلال تحقيقيات النيابة، فإن الانطباع الذى خرجت به من المقابلة أن هذا المتهم بريئ!
مثل هذه المقابلات التليفزيونية والصحفية التى تجرى مع المتهمين بعد إدانتهم وصدور أحكام قضائية بحقهم من شأنها إحداث حالة من البلبلة لدى الرأى العام، والاستنتاج الوحيد الذى يمكن الخروج به أن القضاء المصرى غير عادل.

وإذا كانت مثل هذه المقابلات الصحفية مقبولة أثناء التحقيقات لأن المتهم برئ حتى تثبت إدانته، فإن إجراءها بعد صدور حكم قضائى، وبالشكل الذى تابعته مع المتهم فى قضية تبادل الزوجات، لا تؤدى إلى شىء إلا للمزيد من قطع الجسور بين المواطنين وكافة سلطات الدولة.
خلال السنوات الماضية ضاعت الثقة بين الناس والشرطة وبين الناس والحكومة بمختلف إداراتها، لكن الخطير والذى سندفع ثمنه جميعا هو عدم الثقة فى القضاء الذى كان حتى سنوات قليلة مضت حصن الأمان الأخير وعنوان الحقيقة.. حتى لم يعد فى مصر أية حقيقة على الإطلاق.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة