محمد بركة

رجل ـ ولا مؤاخذة ـ أعمال !

الثلاثاء، 17 مارس 2009 07:41 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إذا أردنا الحق ـ وليس ابن عمه ـ فيجب أن نعترف، منذ البداية، أن كلمة "رجل أعمال" أصبحت ـ أو كادت ـ أن تصبح "سيئة السمعة" فى الوجدان الشعبى، كما ترتبط لدى كثيرين بقصص انحراف مالى وأخلاقى كثيراً ما تأخذ بعداً أسطورياً نتيجة غياب الشفافية ونقص المعلومات، وعدم وضوح الحقائق مع إضافة ما تيسر من بهارات النميمة وتوابل الشائعات وثرثرة المقاهى، لنجد فى المحصلة النهائية أن كل رجل أعمال هو بالضرورة "لص"، فإن رفضت هذا التعميم الجائر واستشهدت برجل أعمال شريف، قيل لك على الفور وبيقين يشبه يقين المتصوفة وحكمة تشبه حكمة الرهبان: يا بنى هو شريف فعلاً ولكن فقط لأن الظروف لم تحن بعد ليصبح فاسداً!

إنها صورة نمطية سلبية تعاقب الكل وتعلق المشانق للجميع، والخاسر فى النهاية وطن يتطلع مثل زهرة عطشى لقطرات الندى.. وبالتالى يجب أن نتوقف عن أخذ الكل بذنب البعض من مرتكبى جرائم وانحرافات، أعرف تماماً أنها هوت بالرأى العام إلى الدرك الأسفل من الإحباط! ولا مفر من أن نتذكر أنه وسط مجتمع رجال الأعمال المصريين، يوجد الشرفاء والوطنيون وأصحاب الحد الأدنى من الوعى والثقافة. وإن كان الحديث عنهم لا يصنع المانشيتات الساخنة فى صحف الإثارة أو يسيل لعاب المعلنين فى برامج التوك شو! وإلى هذه الفئة ـ تحديداً من رجال الأعمال نتوجه بسؤال: ماذا تنتظرون؟

إن أكثر من ثلثى أصول أفلامنا أصبحت ملكاً لشركات عربية غير مصرية تتعامل مع تراثنا السينمائى وفق رؤية وحسابات غير بريئة، كما أن معظم مطربينا وقعوا ـ وبملء إرادتهم ـ على عقود بعشرات الملايين لشركة إنتاج غير مصرية فإذا بهم "مركونين على الرف" وتم تجميد ألبوماتهم الغنائية وحين تصدر لا تلقى أى دعاية، على عكس ما يحدث مع أصحاب الجنسيات غير المصرية من المطربين المتعاقدين مع نفس الشركة، وهو ما أدى إلى إصابة أحد مطربينا – وهو بالمناسبة يمتلك موهبة استثنائية وصوتاً مصرياً حميماً مليئاً بالشجن ـ بأزمة قلبية، فقد نال مثل عشرات غيره حقوقه المادية كاملة، أما حقوقه فى الدعاية والانتشار فقد تبخرت ليفاجأ بـ "ذبح" ألبومه الغنائى بسكين الصمت والتجاهل مع سبق الإصرار والترصد!

وماذا ينتظر رجال الأعمال وبساط الريادة فى الثقافة والفنون يسحب من مصر بفعل فاعل؟ شخصياً لست من هواة نظرية المؤامرة وأفضل دوماً أن نبحث عن أسباب "داخلية" للتراجع، وأن نعلى من فصيلة نقد الذات، لكن لا يمكن لأى مراقب أن يتجاهل أن شيئاً ما يحدث، شيئ تم التخطيط له برفق وأناة حتى يؤتى ثماره الفاسدة، ويفقد هذا الوطن أعز ما يملك، ثقافته وتراثه وفنونه، أى قوته الناعمة وسلاحه الاستثنائى عبر العصور.

إن الشركات العالمية الكبرى تخصص نسبة ليست بالهينة من أرباحها السنوية لدعم الأنشطة الثقافية وتشجيع الإبداعات الفنية، وهذا الأمر ليس صدقة أو إحساناً، بل هو ألف باء الدور الثقافى والمسئولية الاجتماعية لأهل البيزنس والنجوم الجدد فى سماء الرأسمالية، وأحفاد طلعت حرب الذى لم يكن مؤسس الاقتصاد المصرى فحسب بل مؤسس السينما المصرية كذلك. وليس المطلوب من رجال العهد الحالى تنظيم مسابقة أدبية هنا أو تمويل معرض هناك، بالطبع هذا شئ جميل وعلى العين والرأس، ولكنه أبداً لا يكفى ولا يليق، فلابد من رؤية متكاملة لاقتحام السوق الفنية وإنعاش الصناعات الثقافية عبر أهداف واضحة وخطوات مدروسة حيث لا يصبح المكسب المادى هو المحرك الوحيد.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة