محمد حمدى

البحث عن طريق ثالث

الجمعة، 18 ديسمبر 2009 11:33 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى العام الانتخابى القادم تحتاج مصر إلى تغيير، لكن الجملة الاعتراضية الكبيرة التى طرحها قراء "اليوم السابع" تعليقا على مقال لى بعنوان "عام انتخابى ساخن" الثلاثاء الماضى، تكاد تدور حول عدم قناعة الحزب الوطنى الحاكم "بأمره" بالتغيير من ناحية، وعدم وجود أحزاب شرعية حقيقية قادرة على التواجد فى الشارع، من ناحية أخرى، ومن ثم يمكن الاعتماد عليها باعتبارها بديلا للحزب الحاكم.

التغيير فى أى مكان فى العالم، بشكل سلمى، يبدأ بالأفكار، سياسيون وأكاديميون يصيغون أفكارا سياسية واجتماعية جديدة، تبشر بمذهب جديد يقنع الناس ويجعلهم ينحازون خلفه، ويدعمونه فى صناديق الاقتراع.

وفى السنوات القليلة الماضية يوجد نموذج واضح وجلى هو الطريق الثالث الذى صاغه عالم الاجتماع البريطانى الشهير أنتونى جيدنز صاحب كتابى "تجديد الديمقراطية الاجتماعية" و"شلل اليسار" الذى بشر فيه بسقوط الاشتراكية معلنا بداية طريق ثالث يقوم فى جوهره على نقد النظرية الماركسية "الفاسدة والمترهلة" والرأسمالية "المتوحشة"، وحاول جيدنز خلق اتجاه جديد توفيقى بين الماركسية الاشتراكية والليبرالية الرأسمالية، يتلافى مساوئ النظريتين ويستفيد من إيجابيات النظريتين.

وبنى جيدنز طريقه الثالث على عدد من المبادئ أهمها: التزام الحكومات بكفالة تكافؤ الفرص، وتمكين الناس ليتصرفوا بأنفسهم بما يحقق مصالحهم، ورفض سياسة النبذ والتمييز والاستبعاد، وإعادة بناء النظام الدولى على أسس عادلة يسودها التعاون بدل الاستغلال فى العلاقات الدولية، لكن جوهر هذا الطريق كان إضافة البعد الاجتماعى إلى الرأسمالية، بحيث تتخلى عن توحشها وتضيف إليها العدالة الاجتماعية التى كانت قد تخلت عنها الحكومات حين أطلقت العنان لآليات السوق لتفترس الفقراء والمهمشين.

ومثلت أفكار الطريق الثالث حالة عامة فى الغرب فى التسعينيات، حيث اعتنقها الرئيس الأمريكى بيل كلينتون ورئيس الوزراء البريطانى السابق تونى بلير، وأدت إلى عودة الأحزاب الاششتراكية إلى الحكم فى 15 دولة أوروبية بعد أن جمعت بين الاشتراكية وأفكار الطريق الثالث أى حرية السوق، وعودة الدولة لرعاية العدالة الاجتماعية. لكن رياح الطريق الثالث لم تصمد فى الغرب عقب صعود المحافظين الجدد لحكم الولايات المتحدة لمدة ثمان سنوات وعاد العالم أكثر يمينية من ذى قبل.

فى مصر كانت هناك تجربة واحدة على استحياء هى حزب الغد الذى ترأسه الدكتور أيمن نور، وتقريبا كان برنامج الحزب ترجمة أمينة لأفكار الطريق الثالث التى صاغها جيدنز، لكن هذه التجربة سرعان ما تعرضت للإجهاض.

وربما تحتاج مصر إلى طريق ثالث جديد ليس على نفس مبادئ الطريق الثالث الأوروبى، وإنما طريق ثالث مصرى، يقف بين الأحزاب الضعيفة، والحزب الوحيد المتوغل والمسيطر على السلطة منذ ثورة يوليو 1952 حتى الآن.. لكن صناعة هذا التيار الوسطى تحتاج إلى نوعية مختلفة من المفكرين والسياسيين الموجودين على الساحة، لأن صناعة الأفكار ثم ترجمتها على الأرض إلى واقع تحتاج إلى الكثير من الخيال، وهو أهم ما تفتقده النخبة المصرية الآن.. للأسف!!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة