أكرم القصاص

الدكتور محمد عمارة.. وحظر المآذن والسباق الطائفى

الأربعاء، 16 ديسمبر 2009 12:17 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من سنوات طويلة فى السبعينيات، كان الدكتور محمد عمارة قد أصدر كتبا كثيرة، كان يركز فيها على حضارة الإسلام، والعلاقة بين العروبة والإسلام فى فجر اليقظة القومية، كما كتب عن على بن أبى طالب، وأبو ذر الغفارى، كان يركز كثيرا على حضارة الإسلام. ويدافع عن الشيخ على عبد الرازق فى مواجهة من كفروه عندما أعلن نهاية الخلافة العثمانية. التى كانت انتهت حتى قبل أتاتورك، بفعل الزمن حسب نظريات بن خلدون فى صعود الأمم وانهيارها، وعندما تنهار الإمبراطوريات التى ترتبط بالدين فلا يعنى ذلك انهيار العقيدة، الدكتور عمارة أيضا حقق أهم كتب فى تاريخ الفكر الإسلامى الحديث، الأعمال الكاملة للسيد جمال الدين الأفغانى، وتلميذه الشيخ محمد عبده، أحد أعظم مفكرى الإسلام فى العصر الحديث، والذى ما تزال كتاباته تقدم إجابات لأسئلة تطرح اليوم. وقدم فكرا يربط بين الإسلام والمدنية، بشكل أخرجه من العصور الوسطى والشرح على المتون. وبقايا مثالب العثمانيين فى طور انهيار إمبراطوريتهم.

كما حقق الدكتور عمارة أعمال وكتابات عبد الله النديم، والكواكبى أول من حاول تحليل طبائع لاستبداد.. كانت كتابات الدكتور عمارة وكتبه المحققة تشير إلى كونه يرمى إلى الدفع بحضارة الإسلام إلى الأمام. وحفظت جهوده أفكار منورين قدموا الإسلام الوسطى بروحه وليس فقط بطقوسه. لكن الدكتور عمارة من سنوات اختلف كثيرا. ولم يعد يهتم كثيرا بإزالة ما يشوه وجه الحضارة الإسلامية، بقدر ما بدا مهتما بسباق طائفى بلا فائدة.

أقول هذا بمناسبة كتاب الدكتور عمارة الأخير الذى أرهق نفسه فيه من أجل أن يبرهن على تزييف الأناجيل والمسيحية. ولا تعرف ماذا يفيد الإسلام أو أى عقيدة سماوية إثبات زيف العقائد الأخرى مع العلم أن الإيمان فى أغلبه وراثى ومعروف أن الإسلام بنى على خمس، ليس من بينها التشكيك فى المسيحية.

ثم أن العقائد السماوية كلها نزلت من أجل تهذيب أخلاق البشر ووحشيتهم وجعلهم أكثر تسامحا وإنسانية، ومن أفضل الإيمان أنه يمنح الإنسان يقينا يدفعه إلى حب العالم والرغبة فى خدمته.

المثير أن الدكتور محمد عمارة كان من أوائل المفكرين الذين تصدوا لأفكار التنظيمات المتطرفة، عندما أخضع النصوص التى تم توظيفها فى كتاب محمد عبد السلام فرج "مفكر الجهاد" للبحث التاريخى وكشف أن نصوص بن تيمية لتكفير الحاكم والمحكوم كانت ترتبط بمن يحالفون التتار. كان الدكتور عمارة ينزع فتائل قنابل الجهاد والتنظيمات المتطرفة التى كانت تضر الإسلام وتصم المسلمين بالعنف والإرهاب.

كما أن الدكتور محمد عمارة تصدى أيضا للفتنة الطائفية. فلماذا يعود عن كل ذلك لينشر تقارير وكتبا لا يؤدى لغير الفتنة، مع أن الرجل ليس فى حاجة إلى شهرة أو أضواء، وهى شهرة تحرق الكثير من أواصر العلاقة المشتركة بين المسلمين والمسيحيين. وهذه مباراة فى الفتنة الكاسب فيها خسران.

وهنا فإن الإسلام هو عقيدة نزلت من أجل تنظيم حياة البشر، فضلا عن كونها عقيدة تمنح معتنقيها الشعور باليقين وتقدم حلولا كثيرة. والمسيحية عند معتنقيها تعنى لهم اليقين والإيمان. ولا نظن أن مسلما يستفيد من البرهنة على زيف المسيحية وتزويرها، ولا مسيحيا مؤمنا يستفيد من القذف فى حق الإسلام أو الديانات الأخرى.

لقد أصدر الدكتور عمارة من سنوات كتاب أغضب المسيحيين وها هو فى تقريره يقول إنه يقدم دلائل على تزييف الأناجيل وغيره، ولا نعرف لماذا لا يترك الدكتور عمارة المسيحية لأهلها يناقشون أمورها، مثلما يناقش المسلمون عقيدتهم. وربما كان أجدى من الانضمام للألتراس العقائدى أن يسعى لمخاطبة العقول المتعصبة، والجهل النشيط. أو يدافع عن صورة الإسلام التى شوهها وأساء إليها بعض المسلمين بجعل، وسوء نية أحيانا.

ثم أن المسيحيين شركاء للمسلمين فى وطن يقف على شفا طائفية، بسبب متطرفين من الجانبين يظن كل فريق منهم أنه لن يعيش فى وجود الآخر، ثم أن الأزهر كان دائما منارة للوسطية والاعتدال. ويجب أن يتوقع من يظنون أنهم يكسبون من الإساءة لعقائد الآخرين إن الآخرين يمكنهم أن يردوا ويسيئوا لعقيدة من يسىء لعقيدتهم، وقد رأينا أن القس زكريا بطرس، أو يوتا كلاهما يوجهون إساءات للإسلام ويشككون ويسيئون. ردا على خطب وكتابات النجار وغيره، وهى نتيجة للتطرف تنتهى بالإساءة للعقائد جميعا وتشعل الفتن. فإذا كان عمارة يؤكد أن لديه أدلة، فغيره خرجوا ليقولوا إن لديهم أدلة، وأغلبها تاريخى أو ظنى أو موضوع بهدف الإساءة. والجدل لا يفيد فى النهاية. غير الطبل الأجوف فى قنوات التعصب الجاهل، هنا أو هناك. ليكسبوا المزيد وتخسر العقائد.

وعلينا أن نسترجع كيف أصاب المسلمين الغضب من جراء اعتداء متطرف على مروة الشربينى لكونها مسلمة، وكيف غضب المسلمون من استفتاء سويسرا لحظر المآذن. وهى أفعال قاد إليها التطرف وسوء الفهم، ليس من الإسلام، ولكن من تصرفات مسلمين لا يفرقون بين الإيمان والإساءة للعقائد. وفى النهاية فإن المعتقدات فى قلب كل مؤمن، والله سبحانه فى النهاية هو وحده الذى سيحاسب الجميع.

والواقع أن احترام عقائد الآخرين، جزء مهم من الإيمان الحقيقى، وليس المظهرى، والدنيا فيها الكثير من المشكلات، خاصة أن العقائد كلها تواجه هجمات من الإلحاد، ومن المتطرفين، والمسلمون يحتاجون إلى اجتهادات الدكتور عمارة وغيره، فى مناطق ليس من بينها الإساءة إلى المسيحية، وهناك مشتركات كثيرة بين الديانات السماوية التى لها أصل واحد، فلماذا لا يترك كل فريق معتقد غيره، ويركز فى معتقده، وينزع أسباب التطرف لأن احترام العقائد من علامات الإيمان.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة