سستر سونيا

كانت مندهشة، بل مذهولة وقالت بأسى"لم يحضر سوى اثنان من أولياء الأمور الذين يتجاوز عددهم 250، رغم أن لديهم عشرات الشكاوى، وعندما حددت ميعادا لاجتماع عام لمناقشة هذه المشاكل فى وجود المدرسين.. لم يأتوا.. "حكاية غريبة.. مش كده".

قالتها سستر، أى الأخت سونيا بعامية تمزج بحيرة بين لهجة أهل القاهرة وأهل الصعيد فهى راهبة صعيدية وتتولى إدارة مدرسة العائلة المقدسة للبنات بحلوان منذ سنوات قليلة، وقامت بتطويرات كبيرة فى المدرسة، تجهيزات لم يدفع فيها أولياء الأمور، فالمدرسة لا تهدف للربح، وإن كانوا قد دفعوا لتغطية الزيادة الـ30% التى أقرها الرئيس لموظفى الدولة بمن فيهم بالطبع المدرسين.

سستر سونيا كما يناديها الأطفال فى المدرسة لا يزعجها فقط، أن تكون درجات التلميذات منخفضة، ولكن الأهم أن تغيب عنهم القيم الإنسانية العامة، مثل حب الخير، الجمال، الاعتماد على النفس، الصداقة والمحبة، وذلك فى إطار صارم من عدم الاعتداء على الأطفال ولو بالألفاظ، ولكن إيجاد طريقة إنسانية تدفع الأطفال دفعا من خلال المدرسين لمزيد من التقدم، وهذا أمر فى غاية الصعوبة فى مجتمع أدمن العنف ويستمتع به.

ولذلك أعدت سستر سونيا فى اليوم المحدد لاجتماع أولياء الأمور الذين لم يحضروا، أعدت قاعة فسيحة وكراسى وشاشة عرض كبيرة لكى يشاهدوا عليها صوراً كثيرة لكل الفصول، ليطمئنوا على نظافة الفصول وعلى الطريقة التى يجلس بها أولادهم فيها، وعلى التطويرات التى تمت، والأهم بالطبع التفاعل المباشر بين هيئة التدريس وبين الآباء والأمهات لمناقشة المشاكل، بهدف بناء جسور مشتركة من التفاهم الخلاق لصالح الأطفال.
فلماذا لم يحضر سوى اثنان من حوالى 250 حتى يمارسوا حقهم فى صياغة مستقبل أولادهم؟
لماذا يفضل كل أب أو أم أن يحضر وحده، متصورا أن هذا يمنحه نفوذا فرديا، ويخسر أن يكون فردا فى قوة جماعية ضاغطة؟

الحقيقة ليس لدى إجابة، وإن كنت لست محبطا مثل سستر سونيا، فممارسة الحقوق الديمقراطية مشوار طويل، لا يخضع فقط للفرص المتاحة، ولكن لثقافة سائدة فى المجتمع، ترى أن الحلول الفردية هى الأكثر أمانا والأكثر فاعلية.. وهذه خطيئة كبرى ربما ستستهلك وقتا كبيرا، وثمنا باهظا حتى نتخلص منها بإرادتنا الحرة.