صلاح عيسى

الإخوان عاجزون عن القيام باجتهاد سياسى خلاق

الجمعة، 07 نوفمبر 2008 12:10 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا خطأ فى القول بأن جماعات الإسلام السياسى، كانت ولاتزال واحدة من العقبات الرئيسية أمام التطور الديمقراطى الحقيقى فى مصر والوطن العربى، فالفصائل المسلحة من هذه الجماعات، أعطت للنظم الحاكمة فى العالم العربى - بما قامت ولاتزال تقوم به من عمليات إرهابية - ذريعة قوية لإبقاء الأوضاع السياسية على ما هى عليه، ولتكريس الحكم البوليسى وتمديد العمل بقوانين الطوارئ إلى أجل غير مسمى؛ حفاظا على الاستقرار، من دون أن تلقى معارضة تذكر من المواطنين، الذين ينشدون هذا الاستقرار.

بينما أعطتها الفصائل التى تنشط بشكل سلمى وتوصف بـ«الديمقراطية»، بما حققته من جماهيرية واسعة، الذريعة لتقويض عملية الإصلاح الديمقراطى، بدعوى أنها سوف تسفر عن استيلاء جماعة من هذه الجماعات على السلطة باستغلال الآليات الديمقراطية، فتقوض أسس الدولة المدنية، وتقيم مكانها دولة دينية، وتقيم نظاما أشد استبدادا من النظم القائمة.

وهى ذريعة تجد أنصارا كثيرين لها، بين بعض عناصر النخبة المدنية، وبين الأقليات الدينية، التى أصبحت أقل حماسا لمطالب الإصلاح السياسى والديمقراطى، بعد أن وجدت نفسها أمام خيارين شريرين: أن ترضى بما هو قائم من استبداد مدنى.. أو أن تستبدله باستبداد دينى سيكون بالقطع أكثر شراسة، وأعصى على المقاومة، أو حتى مجرد المعارضة، لتحصنه بالمقدس الدينى.. فاختارت الأول تطبيقا للمثل الشعبى: نص العمى.. ولا العمى كله! ولا خطأ فى القول بأن إتمام مصالحة تاريخية، بين جماعات الإسلام السياسى وفى الطليعة منها حركة الإخوان المسلمين، أكبر هذه الجماعات وأكثرها جماهيرية - وبين الدولة والمجتمع، بما يؤدى إلى استيعاب هذه الجماعات فى حركة الإصلاح السياسى والدستورى، شرط ضرورى، لدفع خطوات هذا الإصلاح، حتى لا تتعثر، فيقود ذلك الوطن كله، إلى مأزق يصعب الخروج منه. لكن المشكلة تكمن فى تباين وجهات النظر، حول تحديد المسئولية عن عدم إتمام هذه المصالحة، وحول شروط إتمامها.

ففى حين يعلق البعض فأس المسئولية عن ذلك فى رقبة النظام القائم، الذين يرون أنه يتبع سياسة إقصائية، تستهدف استئصال جماعة الإخوان المسلمين برفض الاعتراف القانونى بها، ومطاردتها بقياداتها وأعضائها، وتدخلت فى الانتخابات العامة ضد مرشحيها.. فإن آخرين يعلقون فأس المسئولية عن تعثر هذه المصالحة فى رقبة الإخوان المسلمين أنفسهم، لقصور خطابهم الفقهى والسياسى، وعجزهم عن القيام باجتهاد خلاق، يطمئن الهواجس المشروعة، التى تتشكك فى أنهم يسعون لاستثمار الآليات الديمقراطية، لإقامة دولة استبدادية دينية، تصادر حرية الآخرين جميعا! والحقائق التاريخية تقول إن «جماعة الإخوان المسلمين»، نشأت ولاتزال تنشط، على أساس أنها حركة للحشد والتنظيم، لا تستند إلى أى اجتهاد فقهى يسعى لتجديد الفكر الدينى الإسلامى، إذ كان من رأى المرشد المؤسس «حسن البنا»، أن الخلافات الفقهية هى التى مزّقت المسلمين وأضعفت شوكتهم وأن المهم هو حشدهم وتنظيمهم وتوحيدهم، حول القيام بشعائر دينهم، والالتزام بتعاليمه الأخلاقية، ثم إقامة دولتهم، وآنذاك سيجدون فى مدونة الفقه الإسلامى - التى تراكمت على مرّ العصور - ما يختارون منه الأحكام التى تتوافق مع الزمن الحالى، ليحكموا بها هذه الدولة.

وهكذا أصبحت الجماعة أشبه برجل قوى مفتول العضلات، لكنه بلا عقل، ينطبق عليه المثل الشعبى «العافية هابلة».. وكانت هذه العافية البلهاء هى التى قادتهم إلى سلسلة من الأخطاء انتهت بصدامات دموية بينهم وبين نظم الحكم المدنية، وجوهر المشكلة القائمة الآن، يكمن فى أن الإخوان لايزالون عازفين أو عاجزين، عن القيام باجتهاد فقهى وسياسى خلّاق، يوائم بين ضرورات الدولة المدنية الديمقراطية وبين الأفكار، أو بمعنى أدق الشعارات العامة التى قامت على أساسها الجماعة، والتى لا تكفى وحدها للاطمئنان إلى أنهم ديمقراطيون حقا، وهم يتصورون أنهم أذكى من الجميع، حين يختصرون الديمقراطية فى الاحتكام إلى صناديق الانتخاب، فى حين أنها سلّة من القيم الأخلاقية والسياسية، تشمل مبادئ الأمة مصدر السلطات، والمساواة أمام القانون بصرف النظر عن الدين أو النوع أو المذهب، وتضمن الحريات الشخصية والعامة، ومن بينها حريات العقيدة والرأى والتنظيم، وحياد الحكومة تجاه أتباع الأديان والمذاهب المختلفة من رعاياها فى تشريعاتها ووظائفها وخدماتها! وما ينساه الإخوان، والذين يدعمون شعار «الاحتكام إلى صناديق الانتخابات» الذى يرفعونه، أن هذه الصناديق هى التى جاءت بالأنظمة النازية والفاشية والشمولية، بما فى ذلك الأنظمة المصرية التى اضطهدتهم والتى يصفونها بالديكتاتورية.

وما يتجاهلونه هو أن صدر الديمقراطية يتسع لكل فكرة وكل حزب، إلاّ تلك التى تسعى للقضاء على الديمقراطية، وأنهم بعجزهم - أو عزوفهم - عن الاجتهاد الخلاق لصياغة رؤية فقهية وسياسية توائم بين الفكر الإسلامى وبين ضرورات الدولة المدنية الديمقراطية، يشكلون عقبة رئيسية أمام المسيرة السلمية للإصلاح السياسى، وبإصرارهم على تلعيب عضلاتهم الجماهيرية للنظام القائم، يعطونه الذريعة لكى يلعَّب لهم عضلاته الاستبدادية، ليقود قانون «العافية هابلة» الوطن إلى مأزق لا مخرج منه! وربنا يستر.


موضوعات متعلقة..

◄ حسم مسألة الحزب السياسى أولا
◄ يمارسون العمل السياسى منذ أيام «البنا»
◄ المهم التزامهم بالقوانين السائدة









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة