محمد حمدى

العلمانيون أيضا يخطئون!

الأحد، 17 مايو 2009 01:40 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى سعى المثقفين المصريين الدؤوب لإقامة دولة مدنية تحتكم إلى العقل والعلم، حدثت قطيعة غير مبررة مع الدين، وتلك كانت أهم خطايا العلمانية المصرية الحديثة، لأنها بذلك حاولت اقتلاع الناس من جذورهم فى مجتمع يلعب فيه الدين العامل الأهم فى حياة الناس من المسلمين والمسيحيين على السواء.

وتصور بعض دعاة الدولة المدنية أن الحداثة تتعارض مع الدين، فتجاهلوه عن عمد أو حتى صدرت عنهم آراء مست جوهر العقيدة مما جعل العلمانية مرادفا للكفر والإلحاد عند العامة، وهو التصور الذى حاول المتشددون تصويره أيضا مدفوعين برؤية ضيقة مما جعل مصر تخسر كثيرا فى معركة التحديث بفعل الجانبين.

وإذا كنا حملنا فى مقالات سابقة على الفهم الخاطئ من جانب بعض تيارات الإسلام السياسى للدعوة لإعمال العقل التى أطلقها المثقفون والعلمانيون المصريون، فإنه بنفس القدر من الصراحة ينبغى لنا الاعتراف بأننا فشلنا فى تقديم هذه الدعوة للناس بشكل بسيط، لا يتعارض مع الدين ولا ينفر الناس منها، مما جعلها المدنية الحديثة ضعيفة فى مواجهة التيار الدينى التقليدى.

ويجب الاعتراف أيضا أن الحكومة المصرية نفسها لم تحسم خياراتها نحو شكل الدولة: هل هى مع الدولة الدينية أم مع المدنية؟.. فخلال الحقبة الناصرية كان هناك اتجاه واضح من الدولة نحو التقدم والحداثة، لكن هذا السعى سرعان ما انهار بالسماح ودعم ورعاية نظام حكم الرئيس السادات للتيارات الإسلامية السياسية من الإخوان إلى الجهاد والجماعة الإسلامية، بينما الجمهورية الثالثة فى عهد الرئيس مبارك لا تزال مترددة.

والمشكلة الأكبر هى أنه فى سعيها للحد من التيارات المتشددة التى ظهرت على الساحة وتحولت إلى جماعات عنيفة، تصورت بعض أجهزة الدولة أن بإمكانها حل هذه المشكلة بشكل منفرد، كما حدث حين استأثرت وزارة الداخلية بملف جماعات الإسلام السياسى، بينما ظل المجتمع بكافة طوائفه بعيدا عن الملف.

ورأت مؤسسات أخرى داخل الدولة أن مواجهة التشدد تكون بمزيد من التساهل كما حدث داخل وزارة الثقافة التى تسببت فى الكثير من الأزمات سواء بهجوم شخصى من وزير الثقافة فاروق حسنى على الحجاب، أو بنشر أعمال أدبية تمس الذات الإلهية كما حدث فى رواية وليمة لأعشاب البحر أو فى قصيدة شرفة ليلى مراد، بينما على الدولة ألا تمس بمعتقدات الأغلبية.

وبدا أيضا أن الدولة والمثقفين فى معركة غير مبررة مع الحجاب والنقاب، فمثلا ترفض وزارة الإعلام ظهور المذيعات المحجبات على الشاشة، رغم أن العلمانية القائمة على حرية العقل والرأى تمنع التمييز على أساس دينى، وأى تعسف ضد المحجبات هو مخالفة صريحة للدستور الذى ينص على حرية التعبير والاعتقاد وعدم جواز التفرقة بين الناس على أساس الدين.

ومن هذه الأمثلة وغيرها، يبدو أن الدولة ومثقفيها فى حالة ارتباك واضحة، بحيث أن الخيار نحو التحديث لم يحسم بعد، فى نفس الوقت الذى تبدو فيه العلاقة مع الدين ملتبسة إلى حد كبير، وإذا كانت العلمانية الغربية تعنى فصل الدين عن الدولة، فإن هذا الفصل لا يجب أن يكون حادا فى بلد متدين مثل مصر، لأنه لا يجوز مثلا أن تنفيذ مطالب جماعات حقوق المرأة والمجتمع المدنى، بتعديلات على قانون الأحوال الشخصية، تعطل أحكاما شرعية واضحة، مثل حق المرأة فى تطليق نفسها، بينما هو حق شرعى منحته الشريعة الإسلامية للرجل.

وإذا كنا ننتقد المتشددين ومن يرون أن العلمانية هى دعوة للإلحاد، فإن على المثقفين والعلمانيين ودعاة الحداثة فى مصر الانتباه جيدا أن لكل مجتمع خصوصياته، وأن التقدم لا يعنى فصل الناس عن جذورها، وإنما البناء عليه.

ولا يصح فى دولة مثل مصر الحديث عن فصل الدين عن الدولة على إطلاقه، وإنما يجب أن ينصب هذا الفصل فى أمور السياسة فقط، بينما العبادات والأحوال الشخصية والمعاملات الأخرى تحددها الأديان بما يتفق مع الشرائع السماوية المعترف بها فى هذا البلد، والأهم من ذلك إظهار قدر كبير من الاحترام للأديان ولتمسك الناس بها، لأن التمسك بالدين يعنى التمسك بالوطن فى بلد مثل مصر لا يمكن فصل الدين فيه عن الهوية.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة