محمود طرشوبى

أوباما وبوش وجهان لعملة واحدة

الأربعاء، 29 أبريل 2009 11:57 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اختتم أوباما زيارته لتركيا الثلاثاء 7/4/2009م، وقد كثف تصريحاته المعسولة بأنه ليس فى حالة حرب مع الإسلام والمسلمين، وأن تركيا مهمة لأمريكا وللعالم لتجسير الهوة بين الغرب والعالم الإسلامى، وأن علاقته مع المسلمين لن تقتصر على مكافحة الإرهاب فحسب بل ستشمل أموراً أخرى، وأنه يسعى للحوار… إلى آخر ما قاله فى البرلمان التركى وفى لقاءاته واجتماعاته ومؤتمراته فى تركيا!

وعلى الرغم من أن تصريحاته لا تحمل خيراً، إلا أن المسئولين فى تركيا والبلاد العربية وبخاصة العراق، ثم إيران، وباكستان، وأفغانستان،… قد رأوا فى أوباما قرباً لهم على غير ما كان عليه سلفه، ورحبوا بتصريحات أوباما، وعدوه ليس رجلَ حربٍ على المسلمين كما كان سلفه بوش، وإنما يدعو إلى السلام! وصفقوا لزيارته وتصريحاته ومؤتمراته، مع أنها ترافقت مع ما أعلنه وزير دفاعه غيتس بأنه سيركز فى ميزانية وزارة الدفاع أمام الكونجرس على حرب أمريكا فى العراق وأفغانستان، أى على مزيد من سفك دماء المسلمين! وتزامنت كذلك مع إعلان وزارة العدل الأمريكية عن اعتقال إيرانى بتهمة تصدير قطع طائرات عسكرية إلى إيران!

ما الذى اختلف بين سياسة بوش وسياسة أوباما فى المنطقة؟ أليس هو يقول بالسياسة نفسها التى تبناها بوش لفلسطين: خارطة الطريق وأنابولس والدولتين؟! أليست كلُ واحدة منها جريمةً أكبر من أختها؟ أليست هذه تعنى التنازل ليهود عن معظم معظم فلسطين، أرض الإسراء والمعراج، ويبقى النزر اليسير لأهل فلسطين يعيشون فيه دون شىء من السيادة والسلطان؟ أيصفق لهذا رجل رشيد؟!

أليس ما قاله بوش فى هذه القضية وتبناه هو نفسه ما يركز عليه أوباما ويتبناه؟ ثم ما الذى يختلف فيه أوباما عن بوش فى العراق؟ أليس الجيش الأمريكى لا يزال رابضاً فى العراق، يعيث فيها الفساد والإفساد، ويمسك بالسيادة والسلطان فيها؟ أليس أوباما يسير وفق اتفاقية بوش مع أتباعه فى العراق، ويعلن أنه لن يسحب كامل قواته إلا فى نهاية 2011م، هذا إذا انسحبت كامل قواته؟!

وما الذى يختلف فيه أوباما عن بوش فى أفغانستان؟ أليس الجيش الأمريكى وحلف الناتو يقتلون صباح مساء الشيوخ والنساء والأطفال؟ بل إن أوباما يرسل مزيداً من القتلة إلى أفغانستان ويحض حلفاءه فى الناتو على إرسال المزيد! أليست هذه هى استراتيجية أوباما المعلنة؟ فهل تستحق ترحيباً من حاكم عنده بقية من حياء؟

وما الذى يختلف فيه أوباما عن بوش فى باكستان، أليست الطائرات الأمريكية تقصف منطقة القبائل صباح مساء بطائراتٍ بطيار وغير طيار، بل وينطلق بعضها من مطارات فى باكستان؟! ثم أليس مندوبو وزارة الخارجية الأمريكية، ومندوبو وزارة الدفاع يغدون ويروحون فى أرجاء مؤسسات الحكم الباكستانية فى العهدين سواء بسواء؟

أما إيران، فبماذا يختلف أوباما عن بوش فى الخطوط العريضة للسياسة الأمريكية تجاه إيران؟ لقد دعاها بوش لمحادثات جماعية بشأن العراق، لأنه يرى فى ذلك مصلحة أمريكية، ودعاها أوباما لمحادثات جماعية بشأن أفغانستان، لأنه يرى فيها كذلك مصلحة أمريكية! فالمصلحة الأمريكية لكليهما هى الأصل والفصل. ثم أليس ينادى أوباما بجُل ما نادى به بوش من منع إيران من تخصيب اليورانيوم؟ هل كان بوش يعارض السياسة النووية الإيرانية؟ وأوباما لا يعارضها؟ هل كان بوش يمدد العقوبات على إيران وأوباما لا يمددها؟ أليس الفارق بينهما هو فقط فى الأسلوب وليس فى السياسة العامة؟

ثم ما الذى تغيَّر فى السياسة الأمريكية تجاه تركيا التى استضافت أوباما؟ ألم يحثها على النشاط فى الوساطة بين سوريا ودولة يهود كما حثها بوش؟ ألم يدعها إلى التطبيع مع أرمينيا كما فعل بوش؟ بل إن أوباما دعاها صراحة للـ"مصالحة" مع تاريخها… أى إلى إنكار ماضيها المجيد، وهى صفعة وجهها لتركيا لا يخفف منها وعده لتركيا بأنه لن يثير المسألة الأرمينية خلال هذا العام! ثم إنه جعل تركيا الخط الأمامى للدفاع عن مصالح أمريكا وتسويقها فى المنطقة، وذلك بتركيزه على الشراكة الاستراتيجية مع تركيا لجسر الهوة بين أمريكا والعالم الإسلامى! إن السياسة الأمريكية لا يقررها رئيس الدولة عندهم، بل تقررها مؤسسات يشترك فى صياغتها الجمهورى والديمقراطى، فإذا ذهب الرئيس فإن السياسة العامة لا تذهب معه، بل إن أسلوبه هو فقط الذى يذهب، وهذا يدركه كل عاقل عنده من علم السياسة شىء من المعلومات.

ليس غريباً ولا عجيباً أن يأتى أوباما بالمغالطة والتضليل، فيقول إنه ليس فى حالة حرب مع الإسلام والمسلمين، فى الوقت الذى هو فيه يقتل المسلمين بوحشية فى العراق وأفغانستان، فى حربٍ عدوانية جارية بشراسة يشهدها كل ذى عينين، تقرع آذانه صباح مساء...، ليس غريباً ولا عجيباً ذلك، فهذا ديدن المستعمرين الحاقدين على الإسلام والمسلمين، فهم لا يعدّون قتل المسلمين قتلاً، ولا الفتك بهم فتكاً، بل هو تدريب على السلاح فى صدور المسلمين!

لكن الغريب العجيب هو أن يصرح أوباما تلك التصريحات الماكرة فى اسطنبول آخر عاصمة للخلافة، التى كانت ترتعد فرائص الغرب الأعداء عند سماع اسمها عن بعد، ومع ذلك فلا يضج المسلمون فى وجهه، ولا ينكرون عليه إنكاراً صُلباً عزيزاً، بل يصفقون له! وأخيراً فإن بوش وأوباما وجهان لعملة واحدة، لا يختلفان فى شىء من حيث الكيد للإسلام والمسلمين، سوى أن بوش كان يُقدِّم للمنطقة السم مكشوفاً، فيكسب عداوة الأمة، حتى إن عملاءه كانوا يخدمون مصالح أمريكا على استحياء، وفى الخفاء، وأوباما يقدم للمنطقة سماً يحيطه بغلالة من الدسم ليخدِّر الأمة عن وقوفها فى وجه أمريكا، فينتعش عملاؤه من جديد، ويخدمون مصالح أمريكا دون حياء!

لقد ظن أوباما أنه نجح فى خداع أهل المنطقة، لأنه رأى الحكام وأتباعهم من الطبقة السياسية، رآهم يصفقون له ويبتسمون… غير أنه فى ظنِّه هذا قد خاب وخسر، فقد نسى هو وأحلافه وعملاؤه، أو تناسوا، أن هؤلاء الحكام المصفقين له هم فى واد والأمة فى واد آخر، فليسوا من الأمة، وليست هى منهم…








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة