شاهين عبد اللايف سفير أذربيجان يكتب: الذكرى الثالثة والعشرين لمأساة "يناير الأسود"

الإثنين، 14 يناير 2013 02:57 م
شاهين عبد اللايف سفير أذربيجان يكتب: الذكرى الثالثة والعشرين لمأساة "يناير الأسود" شاهين عبد اللايف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن تاريخى 20 يناير عام 1990 و25 يناير عام 2011 يحظيان بالآثار لا تندثر فى ذاكرة جماعية للشعبين الأذربيجانى والمصرى، حيث قاما فى التاريخين ضد الاستبداد مطالبيْن بكرامتهما وحريتهما، إلا أنه للأسف الشديد نيل الحرية والتطلعات للحرية المطلقة لم يأتيا بسهولة سواء فى أذربيجان أو مصر.

لقد ضحى الأبناء والبنات الأذربيجانيون والمصريون الشجعان بأرواحهم وأراقوا دماءهم لا تقدر بثمن من أجل تبشيرنا والأجيال الصاعدة بالحرية. ومن دوافع الفخر لكل مصرى أن الجيش المصرى عرض مرة أخرى أنه جيش الشعب ويؤدى الرسالة النبيلة تستهدف حماية البلد وشعبه، على خلاف ذلك وكالمعتاد، فقد أظهر الجيش الأحمر الحادى عشر التابع للاتحاد السوفيتى قناعه عن طبيعته الحقيقية وذلك من خلال مهاجمة المظاهرة السلمية المناهضة للاتحاد السوفيتى التى خرجت فى باكو بالدبابات والرشاشات الثقيلة، وذلك على الرغم من أن الشعب الأذربيجانى قدم للسلطات السوفيتية خدمات وضحايا لا تحصى أيام الحرب العالمية الثانية.

والأمر الطبيعى أن الادعاءات الأرمنية على الأراضى الأذربيجانية التى انطلقت منذ أواخر الثمانينيات وتشريد جماعى لمئات آلاف أذربيجانى من أراضيهم التاريخية التى نزعتها روسيا القيصرية وثم النظام السوفيتى من أذربيجان لصالح أرمنيا، وكذلك لامبالاة السلطات السوفتية بذلك وبالعكس دعمها لأرمنيا فى أعمالها الإرهابية الواسعة النطاق، إلى جانب التطلعات نحو الحرية والإستقلال كانت من ضمن مؤثرات الغضب العادل للشعب الأذربيجانى قبيل 20 يناير.
وقد تجاهلت القيادة السوفيتية أعمال الأرمن عوضا عن حل هذه المشاكل ممارسة سياسة "فرق وسد"، وساعية إلى قمع عزيمة الشعب الأذربيجانى على الحرية والذى كان يطالب بصوته العادل.

فى منتصف ليلة العشرين من شهر يناير 1990 قامت القوات السوفيتية بالهجوم على باكو من كافة الاتجاهات، بما فى ذلك بحرا، وذلك فى محاولة يائسة وفاشلة تماما لإنقاذ النظام الشيوعى ودحر الكفاح الوطنى التحررى الأذربيجانى، وكان هجوم القوات السوفيتية هذا أمر غير مسبوق من حيث اعتدائه على مواطنين مسالمين غير مسلحين فى أذربيجان السوفيتية، الأمر الذى خلف موجات من الشعور بالصدمة فى كافة أرجاء الجمهورية، وقد شهدت الجمهوريات السوفيتية هجوما مماثلا سابقا لهذا الهجوم، بيد أنه لم يتخذ ذلك النطاق الذى اتخذه فى حالة الهجوم على أذربيجان، ففى باكو؛ وبحجة "إعادة النظام إلى المدينة" اقتحم الجيش السوفيتى المدينة بوحشية بالغة محاولا سحق حركة التحرر التى كانت تحظى بالتأييد وبالزخم. وأباد الجيش وسحق بالدبابات والمدافع الرشاشة كل شىء فى الأفق.

وقد تم تنفيذ العملية العسكرية التى أُطلق عليها "الضربة"، ضد الحركة المعادية للسوفييت، والمؤيدة للديمقراطية والتحرر فى أذربيجان، وذلك بموجب حالة الطوارىء التى أعلنتها اللجنة التنفيذية الدائمة العليا لعموم الاتحاد السوفييتى ووقع عليها الرئيس جورباتشوف، وتم تطبيقها حصريا على جمهورية أذربيجان، بعد أن رقد قتيلا فى الشوارع أكثر من مائة وثلاثين مواطنا، فضلا عن أكثر من سبعمائة جريحا، ولم تكن أوامر ميخائيل جورباتشوف باستخدام القوة ضد المدنيين الأبرياء إلا محاولة يائسة لوقف تفسخ الحكم الشيوعى فى أذربيجان.

ومن قبيل السخرية والتناقض التام أن ميخائيل جورباتشوف، رئيس اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، قد حظى بإعجاب الغرب باعتباره "ديمقراطيا" و"محبا للسلام"، وأنه رُشح فى أكتوبر 1990 للحصول على جائزة نوبل بسبب "دوره القيادى فى عملية السلام"، وهو نفسه كان مسئولا شخصيا عن هذه المأساة وعن قتل الأبرياء من الناس.

وقد دافع حامل جائزة نوبل للسلام ميخائيل جورباتشوف عن هذا الغزو، بحجة الخطر الوشيك المزعوم للأصولية الإسلامية فى أذربيجان. واستغل بعض المسئولين الرسميين الآخرين التوتر بين أرمينيا وأذربيجان حول منطقة قاراباغ الجبلية الأذربيجانية باعتبارها حجة لاحتلال البلاد.
بيد أن وزير الدفاع السوفيتى ديمترى يازوف اتسم بقدر أكبر من الشرف فى تصريحاته حين قال: "لقد جئنا لمنع الاستيلاء الفعلى على حكومة أذربيجان من قِبل المعارضة غير الشيوعية، ولمنع إحرازهم الانتصار فى الانتخابات الحرة المقبلة (التى كان مقررا انعقادها فى مارس 1990) وللقضاء عليهم باعتبارهم قوة سياسية، وتأمين استمرار وجود الحكومة الشيوعية فى السلطة".

وأشارت منظمة هيومان رايتس واتش (مراقبة حقوق الإنسان) فى تقريرها حول الأمر بعنوان "يناير الأسود فى أذربيجان" إلى أنه: "لم يكن العنف الذى استخدمه الجيش السوفيتى ليلة 19-20 يناير متكافئ بأى حال مع المقاومة التى أبداها الآذريون، حتى أنه تحول إلى ممارسة للعقاب الجماعي. ولأن المسئولين السوفييت قد أعلنوا على الملأ أن هدف تدخل القوات السوفيتية هو الحيلولة دون إسقاط حكومة جمهورية أذربيجان التى يسيطر عليها الشيوعيون من قِبل المعارضة غير الشيوعية ذات التوجه الوطنى، فيمكن اعتبار العقاب الذى أُنزل بباكو على يد الجنود السوفييت إنذارا للحركات القومية ليس فقط فى أذربيجان، بل أيضا للجمهوريات الأخرى للاتحاد السوفيتى".

بيد أن الغزو لم يحقق للقيادة السوفيتية ما أرادته، وتحول يناير الأسود إلى منعطف فى تاريخ أذربيجان. فقد بدد الجيش الأحمر آخر خيوط الأمل لدى الآذريين فى إمكانية إصلاح الاتحاد السوفيتى والإبقاء عليه بطريقة أو بأخرى. فقد تناثرت الدماء على وجه الإمبراطورية السوفيتية من كل رصاصة أطلقت فى شوارع باكو، وأسقطت معها المُثل الشيوعية. وقد كان من المفترض أن تبث هذه الدبابات والمدرعات والبنادق الآلية والطلقات النارية الرعب فى قلوب الأمة لتتخلى عن حلمها فى التحرر، ولكن بدلا من ذلك، تسلح الشعب الآذرى؛ بإصرار لم يشهده من قبل؛ على مواصلة مسيرة تحرره.

وفى جلسة تاريخية عقدت فى الثامن عشر من أكتوبر لعام 1991، أصدر المجلس الأعلى لجمهورية أذربيجان بالإجماع، القانون الدستورى "حول استقلال الدولة فى جمهورية أذربيجان". وتلى هذا القرار استفتاء وطنى فى جمهورية أذربيجان فى 29 ديسمبر 1991. وضمت ورقة الاقتراع فى هذا الاستفتاء سؤالا واحدا هو: "هل تؤيد القانون الدستورى لاستقلال الدولة فى جمهورية أذربيجان؟" وصوت شعب أذربيجان بالإجماع تأييدا لتجديد وضع استقلال الدولة.

ولم تفل من عزم الشعب الأذربيجانى على بناء بلد ديمقراطى مستقل ومزدهر فظائع "يناير الأسود" وما تلاها من عدوان أرمينيا ضد أذربيجان، واحتلالها لمساحة 20% من أراضيها، فضلا عن الصعوبات السياسية الاقتصادية التى تمتد جذورها إلى الأيام الأولى لاستقلال البلاد.

لقد أصبحت أذربيجان اليوم بلدا يتطور بديناميكية بمعدلات نمو غير مسبوقة. وتحولت أذربيجان إلى قائد إقليمى وشريك جدير بالثقة فى العلاقات الدولية، وذلك بفضل الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية الثابتة والحكم الرشيد والإدارة الفعالة للبلاد.
وفى يوم 20 يناير من كل عام يزور شعب أذربيجان "مرقد الشهداء" للإشادة بمن ضحى بحياته من أجل استقلال البلاد وحريتها وتطورها المزدهر.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة