من يتذكرهم فى العيد..دور المسنين فى انتظار عيد لا يأتى..قصص لمن نسايهم أبناؤهم وتذكرتهم الجمعيات الخيرية..ماما "عجمية" ولدت يتيمة وانتهت مسنة.. وشباب الجمعيات: الناس دى محتاجة "ونس"

الأحد، 28 أكتوبر 2012 05:32 ص
من يتذكرهم فى العيد..دور المسنين فى انتظار عيد لا يأتى..قصص لمن نسايهم أبناؤهم وتذكرتهم الجمعيات الخيرية..ماما "عجمية" ولدت يتيمة وانتهت مسنة.. وشباب الجمعيات: الناس دى محتاجة "ونس" مسنين
كتب إيناس الشيخ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى غرف متلاصقة يقضون سنواتهم الأخيرة فى صبر، لا يستطيعون رفع أطرافهم بسهولة نظراً لظروف السن الذى طعن بهم بعد شقاء حياة طويلة ينتظرون نهايتها بهدوء فى دور تجمعهم سوياً للتندر بقصص عن أولادهم وبيوتهم فى سنوات الشباب، ومنشغلون ببعض أعمال الحياكة أو قراءة الجرائد يقضون أوقات يومهم الممل الطويل، تمر الساعات عليهم ببطء جالسين فى حديقة الدار تغفى عيونهم فى انتظار زيارة أو سؤال أو سماع "كل سنة وأنت طيب..عيد سعيد" فى أول أيام العيد، أو أى مناسبة قد تذكر العالم الخارجى بعزلتهم داخل "دور المسنين".


"ماما عجمية" بدأت حياتها يتيمة بملجأ أيتام وانتهت "مسنة" بدار "تحسين الصحة":
لا تتعدى مساحة حياتها مجموعة من الغرف الصغيرة الملحقة بحديقة مربعة بسيطة احتلت البهو المواجه لمدخل "الدار"، داخل كل غرفة قضت مدة لا بأس بها من حياتها التى لا تتذكر متى انقضى منها اثنان وسبعون عاماً كاملة، بدأتها بطفولة وحيدة بدار "تحسين الصحة" للأيتام، لا تعرف غيره بيتاً شهد سنوات طفولتها، أعقبتها سنوات الصبا والشباب الذى أضاعته كأم بديلة لغيرها من الأيتام فى الدار حتى اختفى الشباب تاركاً لها شعراً أبيضا ووحدة اعتادتها، وأطراف مريضة لم تتجاوز بوابة الدار المتهالكة لتخرج للشارع.

"فكرية عجمى"أو "ماما عجمية" كما تشتهر بين كل سكان دار تحسين الصحة للمسنين والأيتام بالهرم، حكاية خاصة جداً يعرفها كل من يدخل من باب الدار الذى لم تتركه طوال سنوات حياتها،لا تفارق الابتسامة وجهها البشوش الذى يعشق النظر إليه جميع جيرانها فى الغرف المجاورة، والعاملين بالدار، لا تعرف من التعليم سوى ما مكنها من تعليم أطفال الدار من الأيتام فى الوقت الذى عملت به كأم بديلة بنفس الدار الذى ولدت به، حتى انتهى بها الحال على كرسى متحرك تنتظر بتر أطرافها التى تعانى من مرض "الغرغرينا" دون أن تتمكن من تحقيق حلمها الوحيد بالخروج من بوابة الدار لمشاهدة العالم الخارجى الذى لا تعرف عنه شيئاً.

أما عن العيد بالنسبة لماما "عجمية" فهو مناسبة خاصة ترتدى كامل ملابسها للجلوس فى الحديقة، ممسكة بهاتفها المحمول الذى اشترته مؤخراً، تحاول التنقل بين الأرقام التى لا تكاد تذكر مما استطاعت جمعه من، هواتف لشباب الجمعيات الخيرية الذين يترددون على الدار أحياناً فى المناسبات، تتصل بهم جميعاً فى انتظار زيارة العيد من أحدهم، "انتو مش هتيجوا السنة دي..تعالوا أنا هستناكوا" ثم تكمل جلوسها فى الحديقة حتى يأخذها النوم فى انتظار أى زائر لا يأتى فى أكثر الأحوال.

الحاجة "أم أحمد" قضت سنوات عمرها فى العمل بالخارج وعادت للجلوس وحيدة:
دار أخرى وحالة أخرى من الحالات التى حاولت اليوم السابع زيارتها فى أيام عيد الأضحى هى دار "أنوار الحرم" التى تسكن الحاجة "أم أحمد" إحدى غرفها، لا يختلف وضعها كثيراً عن غيرها من المسنات اللاتى يجاورنها الغرف سوى من دموع تسكن عينيها باستمرار، لا يغيب عن ذكرياتها الأيام الطويلة التى قضتها تعمل بلا كلل وحدها فى "ليبيا" بعد أن توفى زوجها تاركاً لها "هم العيال" الذين لم تعرف طريقاً لإعالتهم سوى الغربة التى قضت فيها سنوات طويلة تعمل بأحد المطاعم لترسل لهم شهرياً ما يكفى دراستهم الجامعية،ومصاريف زواجهم واحداً تلو الأخر.


"أكيد مشغولين فى حياتهم.ربنا يسعدهم بقى" تقول فى محاولة لتصبير نفسها، أنا بستاناهم كل عيد يجوا يسألوا عليا" تكمل "أم أحمد" التى قضت سنوات الغربة فى انتظار إكمال مصاريف زواجهم جميعاً بفروغ صبر، لا تكاد تطيق انتظار اليوم الذى تعود فيها للراحة بين أبنائها مع أطفالهم، حتى جاء اليوم وعادت لتشعر بتأففهم من وجودها، لم يحتملها أبنائها شعرت بحملها الثقيل عليهم ففضلت الرحيل فى صمت حتى استقرت بدار "أنوار الحرم" إحدى دور المسنين التى تمتلئ بمثل قصتها، لا يزورهم أحد ولا يشعر بهم ذويهم، يشاهدون العيد على شاشة التليفزيون، ينتظرون زيارة الجمعيات فى الأعياد والمناسبات التى قد تسفر عن "خروجة" أو "رحلة نيلية" طالما حلموا بها مع أبنائهم الذين انشغلوا عنهم تماماً ونسوا زيارتهم حتى فى أول أيام العيد.


لم تتزوج لتربية أخواتها.. "فى الأخر رموها فى دار مسنين":
"أبلة نبيلة" لا تنتظر زيارة من أبنائها لأنها لم تتزوج، قضت سنوات حياتها فى تربية أخواتها الذين تكبرهم بعد أن ترك والديها فى رقبتها مسئولية تربية باقى أفراد الأسرة، لم تترك عملاً سوى وقضت فيه وقتاً من حياتها التى قضتها فى العمل وادخار معاش والديها لتحمل نفقات تعليم أخواتها الصغار وتزويجهم، رافضة الزواج وترك أخواتها فضلت مشاهدتهم يكبرون أمام عينيها عاماً بعد الأخر، حتى كانت النهاية دار مسنين، جلست فيه وحيدة بعد أن خانتها قواها ولم تعد قادرة على خدمة نفسها، لم يلتفت إليها أحدهم كما ألتفتت إليهم طوال حياتها، فضلوا الانشغال ببيوتهم وتناسى وجودها تماماً، حتى أصبحت دار المسنين جزءا من حياتها التى لم تعد تعرف لها طعماً سوى من المأكولات التى تعدها باحتراف فى أوقات "المزاج الرايق"، ومشغولات الكروشيه التى تضيع فيها وقتاً لا ينتهى.

"أنا مش عايزة حاجة منهم..أنا ضيعت عمرى عليهم ومش مستنية حاجة من حد" بعيون دامعة تحاول "أبله نبيلة" إنقاذ ما تبقى من كرامتها بعد أن فضل أخوتها بقائها فى دار للمسنين على جلوسها بينهم، بعد أن انتقلت إلى الدار انتظرت زيارتهم عاماً بعد الأخر، ولكن بلا جدوى تقضى الوقت فى الانتظار منشغلة بالكر وشيه الذى ملأت به غرفتها لأطفال أخوتها الذين تمنت رؤيتهم، أو ربما تمنت الحصول على مثلهم، "يمكن لو كنت خلفت مكنش ولادى رمونى هنا" تتساءل محاولة تخيل حياتها فى حالة موافقتها على الزواج وإنجاب الأبناء، ثم تضحك فى طيبة واضحة لتغيير دفة الحديث قائلة "مش مهم ما انتو جيتوا أهو".


نساهم أبنائهم وتذكرهم "شباب الخير":
بعيداً عن الأبناء والأخوات الذين نسوا زيارة ذويهم فى هذه الدور، شباب أخر شعر بفضلهم وقرر التخفيف عنهم، تذكروهم فى الشهر الكريم وعيد الفطر وعيد الأم وعيد الأضحى المبارك وغيرها من المناسبات التى رصدها "شباب الخير" لعدد من دور المسنين التى يتنقلون بينها فى محاولة لإدخال بهجة لعيد على قلوبهم الوحيدة.

"إحنا بنحاول نحسسهم أن الدنيا لسه فاكراهم" هكذا تحدث "عبد العال عبد العزيز" واحد من فريق "شباب الخير" الذى عرفهم معظم المسنين فى أكثر من دار منها "دار تحسين الصحة، دار أهالينا، الكلمة الطيبة، أنوار الحرم، بنات عمرى" وغيرها من دور المسنين التى ينظم لها شباب الخير حفلات ورحلات مستمرة لرعاية المسنين.

"عبد العال" تحدث لليوم السابع من وسط الحفل الذى أقامه "شباب الخير" لمسنات دار تحسين الصحة فى أولى أيام العيد قائلاً: معظم سكان هذه الدور يشاهدون العيد فى شاشات التليفزيون، لا يشعر بوجودهم أحد ولا يحرص أحد أبنائهم على زيارتهم.

ويكمل: غالباً ما نجلس معهم لنسمع قصصهم عن أبنائهم الذين ينتظرون منهم كلمة واحدة ولكن دون جدوى، لا يشغلهم السن أو الأمراض بقدر ما يملأهم جفاء أبنائهم حزناً، وهو ما نحاول تغيره بالتردد عليهم دائماً لنشغل هذا الفراغ ونستبدل هذا الحزن بفرحة بسيطة فى أخر أيامهم.

الحفل الذى نظمه شباب الخير تضمن مجموعة من الهدايا التى أهداها الشباب للمسنين اللاتى ظهرت ابتسامتهم للمرة الأولى منذ زمن طويل، إلى جانب رحلة نيلية خرجوا خلالها فرحين "بفسحة العيد" كأطفال انتظروا العيد بفارغ الصبر.

جمعية "الصديق" لرعاية الأيتام: الناس دى كل اللى طالبينه "ونس":
جمعية أخرى حملت على عاتقها رعاية المسنين هى جمعية "الصديق"، "سلوى صلاح" المسئولة عن نشاط المسنين بالجمعية حكت لليوم السابع عن قصص أخرى عن سكان دار "الصديق" للمسنين الذين يضطر أعضاء الجمعية للتوسل لأبنائهم للاتصال فى أول أيام العيد أو ربما زيارة عابرة لا تتجاوز العشرة دقائق، كما وصفت "سلوى" حال أهالى الدار.

"نواجه مشكلة كبيرة فى أوقات الأعياد والمناسبات، نظراً لانتظار معظم أهالى الدار لاتصال أو زيارة من أبنائهم أو أفراد عائلتهم، وهو نادراً منا يحدث" تقول "سلوى"،: نضطر إلى التوسل لعائلات هؤلاء المسنين للاتصال بهم والاطمئنان عليهم فى العيد، حتى ندخل البهجة على قلوبهم".

وتصف "سلوى حالتهم قائلة" حزن دائم، وشعور لا ينتهى بالوحدة هى حياتهم التى نراها يومياً فى عيونهم، لا يغيب سؤال "محدش اتصل" عن رويتن حديثهم اليومى فى انتظار من يسأل عليهم؟.

أما عن الأنشطة التى تحاول الجمعية شغل أوقاتهم بها يقول "سلوى": الحياكة والمشغولات اليدوية البسيطة هى ما نحاول تعويدهم عليه فى الدار، لتسلية وقتهم فى عمل اعتادوا عليه أو حاولوا تعلمه لتضيع أكبر قدر من الوقت.

"الناس دى محتاجين رعاية.. "كل اللى طالبينه ونس وحد يسأل عليهم" تكمل "سلوى" موجهة دعوة لكل الشباب الذى يحاول مساعدة الأخر فى استغلال وقته فى زيارة مسن قد تغير الزيارة حياته.


























مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة