حنان عمار تكتب: ابيضت عينها من الحزن حتى ماتت

السبت، 21 مارس 2009 08:07 م
حنان عمار تكتب: ابيضت عينها من الحزن حتى ماتت

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى عيد الأم، سأسرد عليكم قصة حقيقية لأم من صعيد مصر ماتت حزناً على وفاة ابنها، تبدأ القصة من أواخر السبعينيات حتى التسعينيات من القرن الماضى، على أطراف قريتنا كانت تعيش أسرة لرجل فقير عامل بالأجر، توفاه الله وترك طفلين من الصبيان، وفى ذلك الوقت لم يكن هناك ثقافة البحث عن معاش من التضامن الاجتماعى مثل اليوم، فخرجت تلك الأم، التى عرفناها باسم "أم عبده" لتعمل هى أيضاً فى الحقول فى موسم جمع القطن وتقشير أكواز الذرة، وكانت تعمل وتنظر وتراقب أطفالها والأغنام عن بعد، ومضت الأيام شيئاً فشيئاً، إلى أن قامت المحليات بإنشاء مخبز بالقرية وعمل بها "عبده" حتى أصبح بارعاً ومتميزاً فى تلك المهنة.

وفى يوم أتى سمسار إلى المخبز يطلب عمالاً ذوات كفاءة للعمل فى المملكة العربية السعودية، وكانت فرحة وطاقة أمل، وسافر عبده للسعودية، وعاد بعد عام فقام ببناء المنزل بالطوب الأحمر والأسمنت وتوصيل المياه والكهرباء، وعاد لعمله مرة أخرى بالسعودية، فكانت أم عبده تضحكنا وهى تقول "أضع يدى على الزر النور ينور، ألف الحنفية الميه تنزل"، وفى العام التالى وفى ثانى زيارة لعبده تزوج وقضى إجازته، وعاد لعمله بالسعودية، ومضت سنوات على هذا الحال، إلى يوم مشئوم أتى خطاب من السعودية يفيد بأن "عبده" توفاه الله إثر حادث. وتم دفن جسمانه فى المملكة، وهذه هى مستحقاته مقسمة على والدته وزوجته وأولاده حسب الشرع، ومرة أخرى تعود الأحزان "لأم عبده" بكاء ليل نهار، وهى تقول "بس لو كانوا جابوه أدفنه فى بلده، وكنت عرفت قبره، مات فى بلاد غريبة".

كنت أرى الناس تخفف عنها عندما يقولون لها "السعودية بلد الرسول صلى الله عليه وسلم، أرض طاهرة أحسن من هنا ألف مرة" .. كانت تردد "فى قلبى نار عليه لا تنطفئ"، كنا نحاول إضحاكها، ولكن سرعان ما تتذكر وتبكى فهو من آت لها بالطرحة الحلوة وبالمروحة، فكل شىء من حولها تجد فيه رائحته، ومضى على هذا الحال خمس سنوات وهى تردد "نار فى قلبى عليك يا ولدى"، إلى أن حانت اللحظة التى سافر فيها ابنها الثانى إلى المملكة العربية السعودية، وأخذ يبحث عن قبر أخيه وكيف مات؟ وكانت المفاجأة .. عرف أن أخاه "عبده" تعرض لحادث تم فيه بتر قدميه الاثنين، وأنه لم يجد أحداً يساعده للعودة إلى وطنه مصر، سواء من السفارة أو من الزملاء فى العمل، وأن زملاءه المصريين باعوه، وهو على قيد الحياة كقطع أعضاء لإحدى المستشفيات بالسعودية نظير مبلغ مالى ضخم، وعاد ابنها سريعاً فأخبرها بما حدث لأخيه، وعن كيف انتهت حياته، وازداد حزن "أم عبده"، وهى تردد "كان قلبى حاسس .. أأأأأأأأه عليك يابنى ملقتش حد جنبك، قطعوك وأنت حى"، وكانت تصرخ والناس نيام تصل صرخاتها إلى عنان السماء، وترد إلى الأرض تيقظ وتبكى كل كائن حى، وامتنعت عن الطعام لمدة ثلاث أشهر حتى فارقت الحياة، رحمة الله عليها كانت أسطورة فى كفاحها، وفى حزنها كانت هى وابنها من أجمل ما خلق رب العالمين.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة