جويلى وموسى والرفاعى والليثى والجنزورى.. نموذجا

لماذا تأتى التعديلات الوزارية على عكس رغبة المواطنين دائما؟

الجمعة، 20 مارس 2009 12:59 ص
لماذا تأتى التعديلات الوزارية على عكس رغبة المواطنين دائما؟
كتب محمد الدسوقى رشدى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
جانب كبير من تحركات الدولة أى دولة محترمة- هو التحرك فى اتجاه إرضاء الناس، والخضوع لرغباتهم أحيانا، ولكن فى مصر وما على شاكلتها من الدول، تتحرك الأجهزة المسئولة فى اتجاهات مغايرة لرغبات الناس على طول الخط، ربما لأن المسئولين عن إدارة الدولة لم يأتوا عن طريق الناس لكى يحترموهم أو يضعوا رغباتهم عين الاعتبار، أو لأن السادة المسئولين يرون فى عنادهم مع الناس فرصة أخرى لكسر أنوفهم وإخضاعهم وقطع الطرق أمام أى تفكير شعبى فى احتمالية المشاركة فى إدارة شئون البلد.

هكذا يسير الأمر مع الصغيرة قبل الكبيرة فى البلد، بداية من تحديد مواعيد مباراة الأهلى والزمالك التى لم تعد تقام يوم الجمعة كما كان يحب الناس، وانتهاء بترسانة القوانين التى تخترعها الحكومة وتناقشها وتعدلها ثم تقررها دون أن تلتفت لعشرات الآلاف الذين يهتفون بسقوطها، أو الملايين الذين يبكون فى بيوتهم خوفا من نتائجها.

التعديلات الوزارية التى جرت مؤخرا رغم محدوديتها، نموذج لهذه الحالة من العناد الحكومى مع رغبات المواطنين، الذين انتظروا رحيل وزراء أقلقوا منامهم، ودمروا حياتهم طبقا لما يشهد به واقع الممارسة اليومية وتقارير الدولة الرسمية نفسها ممثلة فى الأجهزة الرقابية وعلى رأسها المركزى للمحاسبات، انتظر الناس أن يرحل وزير التعليم بامتحاناته المسربة، أو وزير الزراعة بقسوته على الفلاحين، أو وزير الصحة بأزمات مستشفياته، أو بطرس غالى بتلذذه بتعذيب البسطاء، أو عبدالسلام المحجوب بوجوده الافتراضى، وسامح فهمى بتصديره غاز مصر لإسرائيل.. انتظر الناس أن يرحل هؤلاء وفى أذيالهم تقصيرهم التنفيذى .. ولكن جاء التغيير بما لا يشتهى المواطنون، تم التغيير بالشكل المعتاد..رحيل واحد من الوزراء الذين يضعهم الناس فى خانة الشرفاء وتضعهم سيرهم الذاتية فى خانة الأكفاء.

التغيير الذى تم الأسبوع الماضى استبعد وزير الرى الدكتور محمود أبوزيد على نحو مفاجئ، وجاء بدكتور متخصص فى هندسة الرى بشكل مغاير لما اعتادت عليه وزارة الرى التى اعتادت أن يتولى شأنها واحد من أبنائها دائما، وأعاد تقسيم وزارة الصحة والسكان إلى وزارتين، الأولى الصحة وبقيت حقيبتها فى يد حاتم الجبلى، والثانية السكان وحملت حقيبتها السفيرة مشيرة خطاب بعد طول انتظار، وماحدث هو عودة إلى ماكان عليه الوضع، قبل دمج الوزارتين فى تعديل وزارى سابق.. يعنى رجوعا للخلف!

التعديل الوزارى الأخير جاء ليستكمل مسلسل عناد الحكومة مع المواطنين الذين كلما أشاروا بالنزاهة والكفاءة نحو وزير معين، استيقظوا على خبر رحيله، وللدولة تاريخ طويل فى تلك اللعبة راحت ضحيتها أسماء لامعة حظيت باحترام الجميع مثل عمرو موسى وأحمد جويلى وأحمد الليثى ومصطفى الرفاعى والجنزورى وعصام شرف، وعدد آخر من الوزراء رحلوا فى الوقت الذى تمنى فيه المواطنون رحيل غيرهم، حتى تحول الأمر إلى نكتة تقول بأن الوزراء والمسئولين يدعون دوما بألا يرزقهم الله حب الناس لأنه كفيل بالإطاحة بهم من على كرسى الوزارة.

أبوزيد واحد من تلك القائمة التى أحبها الناس، ففى الوقت الذى استبشر فيه المواطنون بوزير مصرى يصرح بقوة بأن إسرائيل لن تحصل على قطرة واحدة من مياه النيل، ويتعهد لهم بعدم وجود زيادات فى أسعار مياه الرى، ويشهد له الخبراء بالكفاءة ويعتبرونه أبا روحيا لخبراء الرى فى مصر، ويشهد له المعارضون قبل أهل الحكومة بالنزاهة، ولا تصطدم به الصحافة التى اعتادت أن تصطاد الوزراء ورئيس مجلسهم طالما أنها لن تقوى على ما هو أبعد.. رغم كل هذا تجد الرجل خارج الوزارة بنفس الحجة التى تستخدمها الدولة لتبرير مواقفها بدلا من تفسيرها بشكل مقنع للناس، وهى أن الرجل استقال من منصبه لأسباب صحية.. يمكنك أن تتفق أو تختلف مع تقييمات الناس والخبراء، ولكن لا يمكن أبدا أن تتجاهلها، يمكنك أن ترى فى بعض الوزراء الذين أحبهم الناس، فسادا أو عدم إخلاص، أو أنهم ضحكوا على الناس بذكاء، ولكن لا يمكنك أيضا أن تغفل عن رغبة المواطنين أصحاب الاحتكاك المباشر بهم وبوزارتهم.

مثل أبوزيد كان الدكتور أحمد جويلى الذى أعاد إحياء المجمعات الاستهلاكية وتجاوز أزمات الخبز والسكر بتحركات فورية كانت دائما لصالح المواطن، وكان الوحيد من وزراء مصر الذى مدحه الكاتب الكبير أحمد رجب فى «نص كلمة» قائلا ما يردده الخبراء والناس فى الشارع عن الفترة التى تولى فيها جويلى وزارة التموين من 1994 حتى 1999: (أحمد جويلى وزير سبع نجوم نادر، كان أنجح من تولى وزارة التموين وأنتج رغيفا مدعوما يحترم آدمية غير القادرين، وقد كافح كثيرا للإبقاء على المجمعات الاستهلاكية، لكن رئيس الوزراء فضل الخضوع لأمر البنك الدولى عدو الفقراء، بإلغائها، ودعا الناس أحسن الدعوات للوزير الذى خرج ودعوا على رئيس الوزارة الذى فتح باب الغلاء والرغيف المسخوط).

وما حدث مع جويلى وأبوزيد حدث مع عمرو موسى الذى وصل حب الناس له لدرجة ترشيحه إلى كرسى رئاسة الجمهورية، وغنى له شعبان عبدالرحيم، وأصبح ذكر اسمه ملازما للترحم على تصرفات قوية فى زمن يتصرف فيها وزير الخارجية الآن مثل صبيان المدارس، أيضا أحمد الليثى وزير الزراعة السابق اقترب من الناس بصراحته فى الحديث عن الفساد فى وزارته فى سابقة سياسية لم تعتدها مصر، بالإضافة إلى كفاحه ضد ذيول يوسف والى وخطته لتحقيق اكتفاء ذاتى من القمح ومع ذلك تقرر معه نفس سيناريو الرحيل المفاجئ بعد أقل من عام ونصف فى الوزارة بداية يوليو 2004 حتى ديسمبر 2005.

التعديلات الوزارية تتم بنفس الشكل منذ 26 عاما.. مفاجئة ومحدودة وعلى عكس توقعات الناس وهواهم، لا شىء فيها مؤكد سوى أنها لا تخضع لأداء الوزراء ومدى كفاءتهم، لأن الوزراء الذين مكثوا فى مناصبهم سنوات طويلة تمتعوا برفض الناس وتشكيك رسمى وشعبى فى ذمتهم وكفاءتهم، بشكل يؤكد أننا نحن المواطنين لم نكن سببا فى أى تغيير وزارى فى أى يوم من الأيام.. ولم تكن آمالنا ولا رغباتنا ولا طموحاتنا محل اعتبار فى أى تغيير من التغييرات التى تمت، حتى حقوقنا الشرعية فى الحصول على تفسيرات منطقية لأسباب رحيل البعض والإبقاء على الآخر كانت تأتى إما غامضة أو لا تأتى أبدا، فقط تكتفى الدولة بإخبارنا أن التغيير الجديد هدفه البعد الاجتماعى، حتى أصبحت كلمة استهداف البعد الاجتماعى ملازمة لأى تعديل وزارى فى مصر بشكل يوحى لك أن البعد الاجتماعى فى السياسة المصرية أصبح أعمق من مثلث برمودة نفسه.

أصبح التعديل الوزارى إذن نكتة مصرية رسمية يستخدمها الناس للتسلية، فالشائعات عنه قائمة على مدار 366 يوما إذا كانت السنة كبيسة، كلما همس الرئيس أو استقبل مسئولا أو خبيرا، أو كشر فى وجه وزير تتناثر الأخبار عن قرب تعديل وزارى وترتعد ركب الوزراء فى مكاتبهم، فينصب اهتمامهم على الأنباء الواردة من القصر الرئاسى أكثر من الأنباء الواردة عن كوارث الشارع المصرى، وأصبح دليل الشرف والنزاهة لدى الناس هو طرد الوزير من وزارته فى تعديل مفاجئ وغير مبرر على اعتبار أن المنظومة الحكومية التى يقتنع الناس تماما بضعفها طبيعى جدا أن تطرد أى عضو يحاول مواجهة هذا الضعف أو ملاحقته أو على الأقل عدم الانصياع لشروطه.

لمعلوماتك...
1984 تولى أحمد جويلى منصب محافظ دمياط حتى عام 1991
الذوق السياسى فى التعديل الوزارى
مع كل تصرف تقوم به الدولة، تظهر مدى الحاجة إلى ضرورة إعادة تعليم المسئولين عنها بعضا من أصول الذوق واللياقة السياسية والدبلوماسية، وتظهر هذه الحاجة بإلحاح مع كل تعديل وزارى، حيث تبدأ الدولة التعديل الوزارى بكذبة تقول إن الوزير الراحل تقدم باستقالته، ثم تختفى كل أدوات الشياكة والذوق حينما تقرر الدولة ألا تخبر الوزراء الراحلين بتغييرهم مبكرا وتصر على إبلاغ الخبر للوزير وهو فى مكتبه وبين موظفيه، دون مراعاة احتمال إصابة الرجل بهبوط حاد فى الدورة الدموية أو صدمة قلبية مفاجئة، أوالوضع الضاحك الذى يكون عليه الوزراء داخل مكاتبهم كلما وردت أنباء عن تعديل وزارى قريب وهم يتسولون الخبر والحقيقة من القريب قبل البعيد.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة