محمد سعد الأزهرى

الهجمة الشرسة على هذه المادة.. لمصلحة من؟

الأربعاء، 03 أكتوبر 2012 07:22 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سؤال مهم يطرح نفسه بعد هذه الهجمة المستعرة التى تشنها الفضائيات، وكذلك صحف التيار الليبرالى واليسارى والناصرى حول مادة فى دستور مصر الجديد ونصها ما يلى: (تلتزم الدولة باتخاذ كافة التدابير التشريعية والتنفيذية لترسيخ مبدأ مساواة المرأة مع الرجل فى ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية)، وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها غاضبين مستنكرين وجود هذه الجملة فى هذه المادة (دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية).

وظهرت أصوات الحرية وهى تجلجل من فوق مناضد المؤتمرات الصحفية والتحالفات الحزبية والتفاهمات الليبرالية والاتفاقات العلمانية على وجوب حذف هذه الجملة من هذه المادة، وإذا عُرف السبب الظاهر بطل العجب الظاهر والباطن! حيث قالوا أن وجود مبادئ الشريعة فى المادة الثانية تكفى فى بيان ذلك وأن وجود هذه الجملة فى هذه المادة لا محل له من الإعراب! وكأن الثعابين تحوى عسلاً وكأننا نحمل فوق رقابنا ختم النسر الشهير!

فقلت لبعضهم وهل مادة مبادئ الشريعة تكفى فى أن تكون حاكمة على جميع المواد بعدم مخالفتها للشريعة؟ فقالوا نعم! فقلت: إذا لا فرق بينها وبين لفظة الشريعة! فيجب علينا فوراً أن نغير المادة الثانية من مبادئ الشريعة هى المصدر الرئيسى للتشريع إلى الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع!

ثانياً: وهذه هى الأهم أن هذه المادة كانت موجودة فى دستور 1971، ولم نجد منكم خلال هذه الفترة هذا الهجوم الشرس على هذه المادة، وكأنكم لم تهتموا بالقراءة فى خلال هذه الفترة! فيا تُرى ما هو الداعى لفتح هذا الملف الشائك الآن، ولمصلحة من؟؟
الحقيقة أن هذا الملف هو من أخطر الملفات التى تواجه المجتمعات الإسلامية جمعاء ، خصوصاً اتفاقية سيداو الشهيرة.

وقد يسأل سائل: لماذا التخوف من هذه الاتفاقية ؟ ولماذا تمتنع كثير من الدول عن التوقيع عليها ولماذا تتحفظ دول الأخرى على بعض المواد فيها؟، هذه الاتفاقية اسمها : اتفاقية " القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "الصادرة عام 1979م. تتألف من ثلاثين مادة تتعلق بالمساواة فى الحقوق بين المرأة والرجل، فى جميع الميادين المدنية والسياسية والثقافية.

وبمعنى واضح تدعو هذه الاتفاقية إلى عدم التمييز بين الرجل والمرأة فى مجالات العمل والصحة والقانون على وجه الخصوص، وتتألف الاتفاقية من ثلاثين مادة تشكل مدوّنة دولية لحقوق المرأة، وهى تدعو إلى مساواة المرأة مع الرجل فى حق التمتع بجميع الحريات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية. وكذلك الحرية الجنسية المطلقة حيث أجازت زواج المثليين، وألغت مفهوم الزنا المعروف لدى الأديان وبعض الحضارات، فى الوقت الذى رفضت الزواج المبكر ودعت إلى تحديد النسل وما إلى ذلك من أمور لا يتسع المقال لذكرها كلها.

والغريب فى هذا الأمر أن من وقَّع على هذه الاتفاقية حتى الآن معظم دول العالم باستثناء ست دول على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التى ترفض التوقيع عليها، حيث يوجد فى الكونجرس الأمريكى "تقرير يرفض فرض أى تشريعات خاصة بالأحوال الشخصية ويعتبر ذلك نوعا من التدخل فى الشؤون الداخلية للولايات المتحدة ، كما اعتبر التقرير أن قضايا الأحوال الشخصية ومنها تحديد النسل شأنا شخصيا لا ينبغى للقوانين أن تحكمه".

وهناك إضافة إلى الولايات المتحدة خمس دول لم توقع على الاتفاقية وهى: إيران، دولة الكرسى الرسولي، السودان، الصومال، وتونغا . أما معظم الدول، ومن بينها الدول العربية، فقد وقعت على الاتفاقية بعد أن وضعت تحفظات على بعض المواد فيها.

ويقصد بالتحفظ "الإعلان من جانب الدولة باستبعاد أو تعديل الأثر القانونى لأحكام معينة فى الاتفاقية من حيث سريانها على هذه الدولة، أى أن الدولة تطلب استثناء من التطبيق مادة معينة فى الاتفاقية" .

تقول الدكتورة نهى قاطرجى
ويذكر أن أهم تحفظ اشتركت فيه جميع الدول هو المادة 29 (أ) والتى تنص على عرض الخلافات التى تنشأ من تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية على التحكيم أو على محكمة العدل الدولية فى حالة عدم التوصل إلى اتفاق عبر التحكيم.

وقد انحصرت تحفظات الدول العربية على الاتفاقية فى المواد الست التالية:"المادة (2): وتتعلق بحظر التمييز فى الدساتير والتشريعات الوطنية.
المادة (7): وتتعلق بالحياة السياسية والعامة.
المادة (9): وتتعلق بقوانين الجنسية.
المادة (15): وتتعلق بالمساواة فى الأهلية القانونية والمدنية.
المادة (16): وتتعلق بالزواج والعلاقات الأسرية.
المادة (29): وتتعلق بالتحكيم بين الدول الأطراف".

ولدى مراجعة التحفظات التى أبدتها الدول العربية المنضمة إلى الاتفاقية، يلاحظ أن هذه التحفظات قد استندت إلى ذريعتين: الأولى تعارض المواد المتحفظ عليها مع أحكام الشريعة الإسلامية، والثانية مخالفة هذه المواد لأحكام القوانين الوطنية.
وبالعودة إلى المادة السادسة عشر نجد أنها تدعو إلى المساواة بين الذكر والأنثى فى الزواج، عند العقد وأثناء الزواج وعند فسخه، وحق اختيار الزوج، وحقوق الولاية والقوامة والوصاية على الأولاد، وحق اختيار اسم الأسرة ..

ولقد رأى د. "سعد بن مطر العتيبي" فى مقال له تحت عنوان : "من العلمنة إلى فرض العولمة"... إنَّه لمن السطحية الساذجة، والتبسيط المشبوه: النظر إلى الحركة النسوية فى العالم الإسلامى على أنها حركات وطنية مستقلة؛ فالموضوع أخطر وأكبر مما يتصوره عموم من قد يحسن الظن ببعض المسايرين لبعض أدوات العولمة المباشرة وغير المباشرة ".

هذا وتتعدد الوسائل التى تتبعها منظمة الأمم المتحدة فى الخارج والحركة النسوية فى الداخل من أجل ضمان نجاح خططها ، ومن هذه الوسائل:

1) العمل على تغيير ثقافة الشعوب وسلخها عن ماضيها وتاريخها وديانتها، ولقد أعلن مباشرة على لسان الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش الابن، حين وقف خطيباً فى الاتحاد المسيحى اليهودى المنحرف قائلاً: "سنرغم المسلمين على حلق لحاهم، ونزع حجاب نسائهم، وإدخال الشذوذ إلى كل بيت؟".

ويشمل التغيير المطلوب أيضاً النظرة إلى المرأة ودورها الهام داخل الأسرة وخارجها، وخاصة دور الأمومة التى تعتبرها اتفاقية سيداو وظيفة اجتماعية يمكن أن يقوم بها الرجل كمل تقوم بها المرأة، وإذا قامت بها المرأة فهى تستحق أن تتلقى البدل عنها، تماما كما تتلقى البدل جراء القيام بأية وظيفة أخرى.

2) العمل على تعديل القوانين المحلية التى تكرس المساواة بين المرأة والرجل ، وذلك تماشياً مع المادة الثانية من اتفاقية سيداو التى تدعو الدول الموقعة على الاتفاقية إلى مراجعة قوانينها الوطنية وإجراء التعديلات اللازمة من أجل إلغاء الفروقات بين المرأة والرجل فى قوانينها المحلية، وعلى رأسها قوانين الأحوال الشخصية التى تعتبر السد المنيع فى وجه تحقيق المساواة المزعومة بين المرأة والرجل.

ومن هذه التعديلات ما يتعلق بالسماح بزواج المسلمة بغير المسلم وإلغاء المهر وإلغاء ولاية الأب على البنت البكر، وكذلك إلغاء طاعة الزوجة للزوج، وتجريم وطأ الزوجة بغير كامل رضاها واستحداث جريمة اسمها (الاغتصاب الزوجي)، وتجريم تأديب الأبناء وبالتالى رفع ولاية الأب على الأبناء.

ولقد كان لهذه الدعوات صداها فى العديد من الدول العربية ، حيث قام البعض منها بتعديل القوانين الداخلية حتى تتناسب مع التوجهات الدولية، فكانت تونس أول الدول التى عدلت بعض هذه القوانين، حيث منعت تعدد الزواج ، وألغت حق الزوج فى تطليق زوجته بقرار منه، وكذلك رفعت سن الزواج القانونيَّة إلى 20 سنة.

وكذلك قامت مصر فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك بسلة من التعديلات القانونيَّة عرفت بقوانين "سوزان مبارك" من بينها إقرار قانون الخلع، وإسقاط حق الحضانة عن الأب، ورفع سن الحضانة إلى 15 سنة ، ورفع سن زواج الإناث إلى 18 سنة..



3) السعى لاستصدار قوانين جديدة فى محاولة للالتفاف على تحفظات الدول على اتفاقية سيداو، وعلى رأس هذه التحفظات المادة 16 المتعلقة بقوانين الأحوال الشخصية.

من نماذج هذه القوانين: مشاريع قانون العنف الأسرى ، وقوانين الزواج المدنى، وقوانين رفع سن الحضانة وما غيرها من القوانين التى تهدف إلى إضعاف سلطة الدين من النصوص تمهيدا لرفعها من النفوس.

4) العمل من أجل رفع تحفظات الدول عن الاتفاقية، وهذه الخطوة تتم نتيجة ضغوط دولية تطالب بالالتزام الكلى بتطبيق تلك الاتفاقية، فى تجاهل شديد للمرجعيات الدينية والثقافية المختلفة السائدة فى مختلف بلاد العالم .

ويشكل رفع هذه التحفظات أهمية كبيرة بالنسبة لواضعى الاتفاقية لأن وجودها يتنافى مع أهداف الاتفاقية، وفى هذا المجال تقول الباحثة "آمنة الجبلاوى" بأن هناك فجوة بين التحفظات العربية وأهداف الاتفاقيات. فهى تحفظات من شأنها أن تسهم فى إفراغ الاتفاقية من مضامينها وغاياتها ،لأن المواد المتحفظ عليها هى مواد أساسية.
وتقول أيضاً : " لا مناص من سحب التحفظات أو سحب أكبر عدد ممكن منها على الأقل وإن تمّ ذلك بصفة تدريجية، وإن تمّ فى نهاية الأمر الاكتفاء بالتحفظ على الفقرة الأولى من المادة 29 شأن تركيا والباكستان مثلا.

وتحقيقاً لهذه الغاية تقوم الحركة النسوية فى الداخل بحملات من أجل رفع التحفظات ، كان آخرها الحملة التى قادتها منظمة كفى ضد قوانين الأحوال الشخصية، تحت عنوان "قوانين الأحوال الشخصية 16 تحت الزفت".

وتطبيقا لهذه الدعوات قامت المغرب بتاريخ 1أيلول (سبتمبر) 2011 برفع التحفظات عن الاتفاقية، وكذلك قامت الحكومة التونسية المؤقتة بعد الثورة برفع تحفظات تونس عنها وذلك فى 16 آب 2011.

الخلاصة :
إن دق ناقوس الخطر ينبع من إيمان المسلم بأن الأسرة المسلمة أمانة فى أعناق المسلمين، وإذا لم تحفظ هذه الأمانة وتصان فإن التغيير الذى طرأ على الأسرة فى الغرب يمكن أن يطالها هى أيضاً.
فلقد تم تدمير الأسرة الغربية ، ومن ثم الدور الحالى على الأسرة العربية الإسلامية

يقول السيد إبراهيم الكيلانى رئيس جبهة العمل الإسلامى فى الأردن فى هذا الشأن: "الحرب العالمية الأولى احتلت من أرضنا والحرب العالمية الثانية احتلت من أرضنا ، الحرب العالمية الثالثة تريد الأسرة، تريد تهويد الأسرة، تريد تغريب الأسرة ".

وكذلك فإنه إذا لم يتم التصدى لهذه المؤامرات الداخلية والخارجية فإن قانون الزواج المدنى الاختيارى الذى يطالب به اليوم سيصبح مع الوقت قانوناً إلزامياً، فتبطل عندئذ أحكام الزواج والإرث، ويصبح زواج المسلمة من غير المسلم أمراً عادياً ومقبولاً، ويبطل دور الرجل فى الأسرة فلا قوامة ولا ولاية ولا حق فى إبرام الطلاق، وغير ذلك من الأمور التي، إن حدثت، تكون اتفاقية السيداو قد أدت مهمتها فى هدم الأسرة، وانحلال الأخلاق، وضرب التشريعات الإسلامية بعرض الحائط .

اللهم قد بلغت اللهم فاشهد
اللهم قد بلغت اللهم فاشهد
اللهم قد بلغت اللهم فاشهد

عضو الجمعية التأسيسية للدستور









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة