حلمى النمنم

فى معنى الصيام

الأحد، 22 يوليو 2012 11:17 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يحل شهر رمضان علينا كل عام، ولدى السادة العلماء والدعاة - ليس كلهم - تفسير لفريضة الصيام يلقونه علينا باستمرار، وهو أن الله، سبحانه وتعالى، فرض علينا الصيام كى يحس الغنى بآلام الفقير، ويشعر الغنى الشبعان طوال العام بما يعانيه الجائع والمحروم الذى لا يجد قوت يومه أمامه. وعلى هذا النحو من الفهم والشرح ينطلق المفسرون والشراح، لا يكلون ولا يملون، لا يجددون ولا يحاولون حتى التجديد.
ومن المهم دائما، وفى أى مجتمع، أن يكون هناك تكافل اجتماعى، وأن يستشعر الأغنياء بواجبهم الاجتماعى والإنسانى تجاه الفقراء، وما يقول به العلماء عندنا أشاع شيئا من هذا، فى رمضان فقط، وتطور الأمر إلى ظاهرة «شنط رمضان» كل عام، فضلا على موائد الرحمن التى تتسع عاما بعد عام، وهى شاهد على التكافل الاجتماعى، لكنها تكشف كذلك حجم الفقر وازدياد عدد الفقراء فى المجتمع، ولا ينفى ذلك أن بعض موائد الرحمن وشنط رمضان استغلت سياسيا من الحزب الوطنى سابقا، ومن بدائله التى أطلت علينا .
لكن هل يكفى الجوع والشبع لتفسير الصيام ومعناه، لو صح أن الله يريد للغنى وللشبعان أن يستشعر آلام الآخر.. الفقير، فما هو المبرر لأن يكون الصيام مفروضا على الفقير والجائع، كما هو على الغنى، بمعنى أن الفريضة مقررة على الجميع فقراء وأغنياء، ترى ما هو الدرس الذى يريده الله سبحانه وتعالى للفقراء فى هذه الفريضة.. ولو أن الله يريد أن يؤدب الأغنياء فهل يكون ذلك بصيام شهر؟ لماذا لم يكن أسبوعا أو أسبوعين؟ ولماذا لم يكن شهرين وربما أكثر؟
نفهم أن يجوع الغنى، ويستشعر ألم الحرمان، فماذا تقدم هذه الفريضة إلى الفقير والجائع طوال العام؟.. هل تزيد من جوعه وتضيف إلى حرمانه حرمانا آخر؟
يبدو لى أن السادة العلماء الكبار الذين أشاعوا هذا التفسير تاريخيا، كانوا مقربين من السادة الباشوات، حكام هذا البلد، فى عصور المماليك ومن جاء بعدهم، ربما إلى اليوم، ولعلهم بهذا التفسير كانوا يشجعون هؤلاء السادة على الكرم والعطف تجاه الفقراء، فيقدمون لهم بعض ما يعينهم، على الأقل، خلال هذا الشهر، ولذا أطلق عليه شهر الكرم، وفى ذلك العصر كان هناك جوعى ومجاعات حقيقية تقع فى مصر، يكفى أن يتأخر فيضان النيل فيحل الجوع مباشرة، لذا نجد لدى المؤرخين فيضا من الحديث عن كرم بعض الأغنياء طوال الشهر، بعضهم كان يفتح دوره للفقراء وللجوعى، البعض الآخر كان يقيم المآدب وينفق عليها، ولم يفت السادة المؤرخون والفقهاء أن يذكروا لنا كيف أن بعضهم كان يقف على المائدة بنفسه ويقدم الطعام بيديه إلى الفقراء، ذلك كان ذروة التعاطف مع الفقير، دعك الآن من حق الفقير أو الحق المعلوم الذى تحدث عنه القرآن الكريم، ولم يكن ممكنا لحاكم ولا لنظام الحكم أن يحقق ذلك، فقط يتحقق بفريضة الصيام ولمدة شهر، ولذا كان الفقهاء والعلماء يضغطون ويلحون على هذا المعنى لشهر رمضان، هذا هو تفسير الجوع والفقر لشهر الصيام، وهو التفسير السائد إلى اليوم، وهو مهم فى إحداث التكافل، ما دام لا يوجد لدينا نظام سياسى وقانونى يحقق ذلك طوال العام، ويضمن السلام والاستقرار أو التوازن الاجتماعى.
وإذا كان الصيام لا يُعفى منه الجائع والفقير طوال العام ولا تسقط الفريضة عن الغنى حتى لو قرر بكرم وأريحية أن يتنازل عن كل ثروته للفقراء، فماذا عن الفريضة ذاتها؟
يبدو لى أن الصيام مجاهدة ذاتية فى المقام الأول، ومجاهدة جماعية كذلك، للفرد أن يقاوم ويواجه رغباته الذاتية المباشرة، وتبدأ من أبسط الأشياء وأهونها وإن كانت أهمها.. شرب الماء، ناهيك عن الشاى والقهوة وخلافهما، وهو مجاهدة كذلك بالتوقف عن تناول الطعام، وما يترتب على ذلك من مقاومة أهم غرائز الجسد، وأن يكون الالتزام أو الجبر ذاتيا، لا رقيب عليك سوى نفسك فقط، لا أحد يلزمك بذلك سوى إيمانك واختيارك أنت، وذلك إلزام ذاتى مع الله باعتباره القيمة العليا والمطلقة بالنسبة للصائم وللمؤمن عموما، وإذا تخلى الإنسان عن غرائز جسده لساعات، فقد يمنح ذلك غرائز الروح والنفس فرصة للنمو وللتأمل.. ولأن الصيام التزام مباشر بين الإنسان والله، لا يدخل فيه طرف ثالث، وجدنا فى الحديث القدسى «كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لى» هذا التزام ثنائى مع الطرف الآخر واستجابة له، أى استجابة لله سبحانه وتعالى.. وحين يواجه الإنسان غرائزه ورغباته المباشرة التزاما بالقيمة العليا والإيمان بالله.. مطلق الوجود والقوة والقدرة، فالمفروض أن ينعكس ذلك على مناحى الحياة، فلا يخضع الفرد للمخاوف الصغيرة، ولا أن يستذله أحد فى سبيل طعامه وشرابه واحتياجاته البسيطة، وإذا أصبح ذلك مبدأ فرديا وتوجها عاما للجميع، باعتبار أن الصيام مفروض على الجميع، فما كان لفرد حاكم أو أمير أن يستذل هذا المجموع، حتى لو كان بالطعام والشراب، وما كان لفرد أو سلطة أن تتدخل فى الالتزام والعلاقة الخاصة بين الإنسان والله، هذا شأن خاص فقط بطرفى العلاقة، الإنسان الملتزم، والله العليم القدير.. ولا يصح، ولا يجوز لطرف ثالث أن يتطفل، ولا أن يتلصص على هذه العلاقة وذلك الالتزام. فى التلصص على هذه العلاقة امتهان للإنسان، واجتراء على الله سبحانه وتعالى: وتدخل فى قدرته.
من حرمان الجسد والترفع عن احتياجاته، أو عدم الاستذلال والخضوع بها تولد كبرياء الروح وثورتها على كل من يذل الإنسان ويهين الجموع.
وكل عام ونحن جميعا بخير








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة