د.محمد نصر الدين علام

كيف نتعامل مع السدود الإثيوبية؟ «1-2»

الجمعة، 08 يونيو 2012 01:15 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
للسدود الإثيوبية بصفة عامة وسد النهضة بصفة خاصة آثار سلبية بالغة على مصر، سوف تؤدى هذه السدود إلى إحداث عجز لا يقل عن %10 فى تدفق النهر الوارد إلى مصر والسودان، ونقص لا يقل عن %20 فى إنتاج السد العالى وخزان أسوان من الكهرباء.

وهذا العجز فى إيراد النهر، طبقا لما جاء فى الباب الخامس من اتفاقية 1959، سوف تتقاسمه كل من مصر والسودان بالتساوى. والوضع المائى الحالى والمستقبلى فى كل من مصر والسودان لا يسمحان باستيعاب هذا النقص المؤثر فى حصتيهما المائية، وأن هذا العجز سيؤدى إلى العديد من المصاعب السياسية والاقتصادية والاجتماعية. والسؤال المهم والصعب الذى يطرحه حاليا الكثيرون من المهتمين فى مصر هل أصبح سد النهضة حقيقة قائمة يصعب تفاديها أو يصعب التعامل معها؟ هل أصبحت كل أوراق اللعبة فى الأيادى الإثيوبية، وفى أيادى من يؤيدها من قوى معلنة وغير معلنة؟ والإجابة فى رأيى الشخصى بأنه ليس صحيحا أن كل أوراق السدود الإثيوبية تملكها إثيوبيا فقط، بل يملك بعضها المجتمع الدولى ويملك بعضها الآخر كل من مصر والسودان. من الحقائق القاطعة أنه بدون التمويل الدولى يصعب تنفيذ سد النهضة أو غيره من السدود الإثيوبية. وبدون الخبرة الدولية فى التصميم والإنشاء والتنفيذ لن تستطيع إثيوبيا إقامة أى من هذه السدود. والمجتمع الدولى عادة لا يوافق على تمويل وتنفيذ سد ضخم على نهر دولى إذا كان يسبب أضرارًا مؤثرة على الدول المتشاطئة. ونرجو ألا يكون سد النهضة الإثيوبى استثناء من هذه القاعدة استغلالا لبعض القوى الدولية للظروف الداخلية التى تعيشها مصر ولانشغالنا الشديد بحسابات داخلية أرجو من كل قلبى ألا تكون على حساب مصالحنا الاستراتيجية العليا.

لن تكون هناك جدوى اقتصادية للسدود الإثيوبية بدون مباركة مصر والسودان لهذا المخطط، وشرائهما جزءا كبيرا من كهرباء هذه السدود. من المعروف أنه لا يتوفر لإثيوبيا حاليا، حسب البيانات المنشورة فى هذا الصدد، البنية الأساسية والشبكات اللازمة لاستيعاب ونقل واستخدام معظم الكهرباء الناتجة عن السدود الكبرى الأربعة المخطط لها على النيل الأزرق أو حتى الناتجة عن سد النهضة الذى سوف ينتج وحده 5250 ميجاوات. بدون مشاركة مصر والسودان لن تكون الاستثمارات فى هذه السدود مجدية للجهات المانحة أو حتى للاستثمار الشعبى، بل سيكون من الصعب تمويلها إلا من خلال الميزانية الإثيوبية، التى تعجز عن تمويل مثل هذه الاستثمارات الضخمة. ولا يوجد مستخدم آخر لهذه الكميات الضخمة من الكهرباء إلا من خلال نقلها عبر أراضى السودان أو مصر. إن عدم مشاركة مصر والسودان سيؤدى حتما إلى تعطيل مخطط إنشاء السدود الإثيوبية على الأقل حتى يتم استكمال البنية التحتية الإثيوبية الكافية لاستيعاب كميات الكهرباء الضخمة التى ستولدها هذه السدود أو بعضها، وقد يستغرق ذلك سنوات طويلة. ولكن تعطيل مخطط السدود لا يعنى الوقف التام لها، حيث بالفعل بدأت إثيوبيا فى إنشاء السد الأول وهو سد النهضة منذ شهر إبريل من العام الماضى، وقد لا تستطيع إثيوبيا حتى استكمال إنشاء سد النهضة نفسه فى حال وجود مقاطعة مصرية سودانية ونجاح الدولتين فى وقف أى تمويل دولى له. ولكن علينا أن ندرك جيدا أن إثيوبيا لن تتنازل عن هذه السدود بهذه البساطة لأن التحكم فى مياه النيل الأزرق يمثل حلما إثيوبيا منذ قديم الزمان وله أهدافه الدولية والإقليمية والمحلية.

واعتقادى الراسخ فى شأن السدود الإثيوبية أن الحوار ثم الحوار، هو الطريق البناء لحل المشاكل المائية مع إثيوبيا. وهذا الاعتقاد ينبع من القناعة بحق جميع دول الحوض فى استغلال موارد النهر لصالح شعوبها بشرط عدم الإضرار ببقية الدول المتشاطئة. ويقوم هذا الاعتقاد أيضا على إمكانية وجود بدائل فنية قد تحقق جزءا كبيرا من أهداف التنمية المرجوة فى إثيوبيا بدون إحداث أضرار مؤثرة على دولتى المصب. ويعود هذا الاعتقاد أيضا إلى أن حرمان أى دولة مثل إثيوبيا من تنمية مشروعة لتحسين أحوال سكانها لايستقيم مع قواعد الأمن والاستقرار الإقليمى، وكذلك الحال أيضا فى حالة الإضرار المتعمد لدولة مثل مصر من خلال تقليل مواردها المائية وضرب اقتصادها واستقرارها الاجتماعى والسياسى. واللجنة الثلاثية المشكلة حاليا بشأن سد النهضة الإثيوبى قد تشكل لبنة طيبة لهذا الحوار وللخروج باتفاق حول هذا السد وبما لا يسبب أضرارا مؤثرة بدولتى المصب. ولكن فى الأغلب سيكون من الصعب تحقيق ذلك فى ظل نطاق الأعمال المنوطة بها اللجنة حاليا. فإنه فى ظل استمرار بناء سد النهضة منذ أكثر من عام مضى فإن اللجنة أقصى ما تستطيع عمله هو النظر فى السياسة التشغيلية لسد النهضة وعدد سنوات تخزين المياه للتقليل من آثاره السلبية على دولتى المصب، وذلك لن يؤدى إلى حل جذرى أو توافقى لأزمة السدود الإثيوبية.

إن تعديل السياسة التشغيلية لن يكون له تأثير كبير على تخفيف الآثار الاقتصادية والاجتماعية السلبية على مصر، حيث إن معظم هذه الآثار السلبية سوف تنتج عن تخزين كميات المياه الضخمة المطلوبة أمام السد ومن استخدامات المياه فى أغراض الزراعة فى إثيوبيا. ولذلك فإننى أخشى أن يكون الهدف حاليا من تشكيل اللجنة الثلاثية هو إشغال دولتى المصب فى سياسات السد التشغيلية وبطريقة وسنوات الملء بدلا من التوافق على بناء السد أو إلغائه أو البحث عن بدائل فنية مناسبة لجميع الأطراف. وحتى إذا انتهت اللجنة إلى أن السد سيسبب عجزا فى تدفق النهر لدولتى المصب، فلن تقر إثيوبيا بأن هذا العجز يمثل تهديدا لدولتى المصب، حيث إنها لا تعترف بحصتهما المائية، بل قد ترى أن هذا العجز يمثل حصتها العادلة من تدفق النهر. وما يقلل أكثر من أهمية هذه اللجنة بصلاحياتها الحالية أن قراراتها استشارية وليست ملزمة لأى من الدول الثلاث.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة