عصام سلطان

أنتم الأحياء ونحن الموتى

الجمعة، 16 يناير 2009 02:53 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لو خيرت بين أن أموت فى معركة غزة أو أن أموت غارقاً فى عبارة موت مملوكةٍٍ لفاسدٍ يحميه باطل لاخترت موتة غزة، ولو خيرت بين أن استشهد أمام صهيونى غاصب محتل، وبين أن أدفن حياً فى الإسكندرية، أو المنصورة، أو الدويقة، تحت أطلال وركام فساد، وإجرام، ورشاوى تعدت «الركب» وغطت «الذقون» لاخترت شهادة غزة.

ولو خيرت بين الموت برصاص وقذائف وصواريخ أمريكا المهداة لإسرائيل، أو أن أموت تحت سياط التعذيب بالركل والضرب والنفخ والتعليق والكهرباء بقسم شرطة حبيب العادلى، لاخترت أرض غزة.

ولو خيرت بين أن أعيش ذليلاً كسيراً أقضى نصف عمرى فى طاعة الأوامر، والنصف الآخر فى إشارات المرور لأرى مواكب المسئولين تمر أمامى كالسهام، وبين أن أحيا بكرامتى وعزتى وإرادتى، لا يقهرنى أحد، ولا يذلنى أو يكسر إرادتى مخلوق، حتى وإن كان مدعوماً من القوى الكبرى مجتمعة، لاخترت حياة الإباء والكبرياء.

ولو خيرت بين أن أعيش حياة التزوير فى كل انتخابات، من أجل تشكيل مجالس نيابية مرضىٍ عنها من إسرائيل، وبين انتخابات حرة نزيهة، تأتى بنوابٍ محترمين يمثلون إرادتى، ثم يزج بهم جميعاً وبرئيسهم إلى السجون، لاخترت حياة السجون داخل إسرائيل.

ولو خيرت بين أن أعيش منافقاً أتحرى رضاء الحاكم، ورغباته الغبية المتخلفة، وفساده المنقطع النظير، على حساب كل القيم والمُثل والأخلاق، وبين أن أعيش صادعاً بما أعتقده الحق فى وجوه الجميع، فأحاصر وأُقاطع وأُضرب براً وبحراً وجواً، لاخترت الحصار والتجويع.
ولو خيرت بين أن أمسك العصا من المنتصف، فأصف ما يحدث فى غزة بأنه معركة من جانبين! وأطلب وقف إطلاق النار من طرفين ! فى سبيل أن يستقر حكمى، وبين أن أكون رجب طيب أردوغان، الرجل، الشهم، القوى، الشجاع، لاخترت أن أكون أردوغان.

ولو خيرت بين أن أكون مذيعاً حاقداً ناقماً، أعطى المقاومة فى غزة من طرف اللسان حلاوة، ثم أنقضُ عليها بعد جملة أو جملتين، كما ينقض الثعلبُ، إرضاءً لسيدى ودافع راتبى من نفط الخليج، وبين أن أكون صادقاً مع نفسى ومحترماً للمشاهد العربى، حتى وإن أدى ذلك لفقدانى موقعى، لاخترت الأخيرة.

ولو خيرت بين أن أكون ترساً فى آلة، أو أداة فى مخطط، فأمهد لدحلان طريق العودة بعد غيبة، ولو على أسنة الرماح الإسرائيلية، وطبعاً كله من باب وجهة النظر ووجهة النظر الأخرى، وبين أن أرفض استضافته، حرصاً على مشاعر المشاهدين المحترمين الرافضين لرموز الفساد والعمالة، لامتنعت عن استضافته على الفور.

لو خيرت بين حياة النكد والقرف والاكتئاب والإحباط، فلا ترى عينى منذ سن السابعة عشرة وحتى الخامسة والأربعين إلا مسئولاً فاسداً، أو قواداً، أو شاذاً، وكلهم فى مناصبهم لا يتزحزحون، يتحكمون فى شباب بلدى، وعلماء وطنى، ومستقبل أبنائى، وبين أن أجاور أو أعايش أو حتى أرى بعينى فقط، قائداً مقاوماً يواجه وحشية وغطرسة ورصاص إسرائيل، ويرفض أن يغادر بيته ووطنه، فيموت شهيداً ومعه أبناؤه، وهو فى نفس الوقت عالم وحاصل على الدكتوراه، لاخترت أن أعمل عنده خادماً..!

يا أهل غزة: بصرف النظر عن موقف مصر، ومعبر رفح، والسعودية، ورفض الضغط بسلاح البترول، والحكام العرب، واجتماعاتهم، وقمتهم، والأمم المتحدة، ومجلس الأمن وما تمخض عنه من قرارات، وبصرف النظر كذلك عن المؤيدين لموقفكم، والمعارضين تحت غطاء العقل والحكمة والحسابات، وعن المظاهرات، والضغوطات، بصرف النظر عن ذلك كله، أخلُصُ من المشهد الراهن بحقيقة واحدة مؤكدة لا تقبل الجدل، هى أنكم أنتم الأحياء.. ونحن الموتى.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة