عمرو عطية يكتب: صدقتنى بأه لما قولتلك: فُوكَّك؟

الجمعة، 09 مارس 2012 12:32 ص
عمرو عطية يكتب: صدقتنى بأه لما قولتلك: فُوكَّك؟ صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أصَرَّ الخليفة الراشد المُبَشَّر بالجَنَّة، سيدنا عثمان بن عفان - رضى الله عنه وأرضاه - إصراراً شديداً، ألا يقاتل المسلمون من أصحابه، أولئك الخارجين عليه من أهل البغى والفتنة، والذين حاصروه فى داره، مع أنه كان يعلم أنهم أهل باطل وبغى وفتنة، وأنه على الحق هو وأصحابه، من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالرغم من إلحاحهم إلحاحاً شديداً عليه، أن يدافعوا عنه ضد أهل الفتنة، وأن يقاتلوهم، لأنهم يريدون قتله، إلا أن إلحاحه عليهم فى عدم قتالهم كان أشدّ، وكانت حُجَّته فى ذلك أنه لا يريد أن يكون سببًا فى سفك دماء المسلمين، كما أنه يعلم أن البغاة يريدونه هو لا غيره، فلم يكن ليفتدى دمه بدماء المسلمين حين يدافعون عنه، فيتعرضون للقتل من أجله، بل افتدى دماء المسلمين بدمه هو، حين منعهم من قتال البغاة، فتمكنوا من الوصول إليه، فوقعت الواقعة، وكانت دماؤه الطاهرة فداء لدماء المسلمين!! هذا هو موقف سيدنا عثمان بن عفان من الفتنة، وحرصه الشديد على عدم سفك دماء المسلمين، حتى ولو سالت دماؤه هو، كى لا تسيل دماؤهم هم وحين آلت الخلافة من بعده لسيدنا على بن أبى طالب - رضى الله عنه وكرم الله وجهه - ببيعة شرعية وبإجماع المسلمين، طوعًا لا كرهًا، امتنع سيدنا معاوية بن أبى سفيان - صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكاتب وَحْيه المُنَزَّل من عند الله، ووالى خلفائه من بعده - امتنع عن بيعة سيدنا على، حتى يثأر لدماء سيدنا عثمان أولا، فإن فعل بايعه على الخلافة، وخاصة أن سيدنا معاوية هو ولى دم سيدنا عثمان، فهم أبناء عمومة، ويريد الثأر له، وكانت هذه وجهة نظر سيدنا معاوية.. الثأر أولا لدم الشهيد، ثم البيعة على الخلافة ثانيا..


أما وجهة نظر سيدنا على بن أبى طالب فهى: أن يستتب الأمر له أولا بعد أن بايعه المسلمون واختاروه بإرادتهم ليكون خليفتهم، وحينئذ يحق له أن يقتفى أثر القتلة، وأن يحاكمهم محاكمة شرعية عادلة، وأن يقتصَّ لدم عثمان رضى الله عنه، خاصة أن كثيرين من قتلة عثمان قد تفرقوا فى الأمصار، واستغلوا انشغال المسلمين بهذه الفجيعة وفروا هاربين، فكان لابد من استتباب الأمر أولا، وأن يكون هناك خليفة للمسلمين، يجمع شملهم تحت راية واحدة ليجابهوا هذه الفتنة العاصفة حتى لا تزيد ضراوتها بعدم وجود خليفة.. فلما لم يقتنع سيدنا معاوية بوجهة نظر سيدنا على، أصر على عدم مبايعته خليفة، هو ومن معه من أهل الشام، الذين كان واليا عليهم، فعزم سيدنا على على قتال سيدنا معاوية ومن معه، لأنهم خرجوا على إجماع المسلمين ووحدتهم، مما سيؤدى إلى تفرق المسلمين وتشتتهم فى هذا الوقت العصيب الذين يحتاجون فيه إلى لم الشمل والتكاتف من أجل مواجهة فتنة مقتل سيدنا عثمان.. وكان هناك الكثيرون ممن أيَّدوا رأى سيدنا على، كما كان هناك من عارضوا رأيه، وعلى رأسهم ابنه سيدنا الحسن - رضى الله عنه - خوفا من أن تسفك دماء المسلمين على أيدى المسلمين، فكان يرى هذا فتنة عظيمة.. وتطورت الأحداث، وشارك سيدنا الحسن فى القتال فى معركة صفين مع على بن أبى طالب ضد معاوية بن أبى سفيان، على تردد منه وعدم ترحاب بفكرة قتال إخوانه من المسلمين، وتطورت الأحداث مرة أخرى، وحدثت قضية التحكيم، التى رفضها الخوارج، فقرروا قتل الجميع، على ومعاوية وعمرو بن العاص شريك معاوية فى القتال، فتمكنوا من قتل على وحده، واختار المسلمون من بعده ابنه الحسن خليفة لهم، ببيعة شرعية، وبإجماع منهم، طائعين غير مكرهين، ورفض أهل الشام البيعة للحسن، واختاروا واليهم معاوية بن أبى سفيان خليفة للمسلمين وبايعوه على ذلك، فكانت فتنة جديدة، بالخروج على بيعة الحسن الشرعية، واختيار خليفة غيره، مما سيؤدى إلى تشتت الأمة وتفرقها بين خليفتين، فأشار أصحاب الحسن عليه أن يقاتل معاوية وأصحابه باعتبارهم خارجين على إجماع المسلمين على خليفة واحد.. وكانت هذه من أشد المواقف العصيبة التى مرت بسيدنا الحسن بن على، فهو يكره سفك دماء المسلمين، وأن يرفع المسلم سيفه على أخيه المسلم، وبعد تفكير طويل طويل، وبعد أن أدار فى ذهنه كل الأحداث السابقة، من أول فتنة مقتل سيدنا عثمان بن عفان، وما تلاها من أحداث ذكرناها، ورأى تفرق المسلمين بعد أن كانوا أمة واحدة، ودماؤهم الطاهرة الزكية تسفك بأيديهم لا بأيدى أعدائهم، اتخذ قرارا سطره له التاريخ بماء الذهب، وما كان ليقدم عليه إلا رجل مثله، قدر الله له أن يكون هو، فقد قرر وقف القتال بين المسلمين وإخوانهم، وقرر التنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبى سفيان، طائعا غير مكره، مضحيا بحقه الشرعى الذى جاءه ببيعة شرعية، وبعرض زائل من أعراض الحياة الدنيا الزائلة، من أجل جنة الخلد فى الحياة الآخرة الخالدة، فَوَحَّد بذلك كلمة المسلمين على خليفة واحد، وجمع شملهم بعد أن تفرق زمنا طويلا، وحقن دماء المسلمين، التى كانت ستسفك أنهارا لأمد لا يعلم مداه إلا الله، فأعاد بذلك وحدة المسلمين على قلب رجل واحد كما كانت من ذى قبل، فحقق بذلك نبوءة جده صلى الله عليه وسلم، والتى كشفها الله له من وراء حجب الغيب، حين كان على المنبر ذات يوم يخطب فى الناس، فجاء الحسن وهو لا يزال طفلا صغيرا، فجلس بجانبه على المنبر، فأشار النبى إليه وقال: (إن ابنى هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)، وقد كان له هذا، وقدر الله له أن ينال هذا الشرف.. شرف توحيد كلمة المسلمين وجمع شتاتهم، وكان موقفه هذا سببًا فى تآمر الخوارج عليه بعد ذلك وقتله، فسالت دماؤه الطاهرة من أجل حقنه لدماء المسلمين!!!
وحين سُئِل سيدنا عمر بن عبد العزيز فى زمنه عن رأيه فى هذه الفتن التى مرت بالمسلمين، قال قولته المشهورة، التى تسطر بحروف من نور: (هذه فتنة عصم الله منها دماءنا، فلنعصم منها ألسنتنا)!! أى أن الله شاء لهم ألا يتواجدوا فى زمن الفتن هذه وألا يشتركوا فيها، فلم تسفك فيها دماؤهم، فمن الأولى أن يعصموا ألسنتهم من الخوض فى الحديث عنها، خشية التعرض بالإساءة لأحد من أصحابها بكلمة سوء، فكلهم صحابة رسول الله، الذين قال عنهم (إياكم وصحابتى)!! محذرا إيانا أن نتكلم على أحد منهم بما لا يجوز، وقال صلى الله عليه وسلم: (والذى نفسى بيده، لو أنفق أحدكم مثل جبل أحد ذهبًا، ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفه) فلهم من السبق والقدر والمنزلة، ما لا يبلغه أحد منا فى نصرة الإسلام ورسوله، فاختلاف الصحابة شأنهم لا شأننا، فهم بشر لهم آراؤهم التى يختلفون فيها ويبتغون من ورائها الحق، كلٌ حسبما يتبين له.. ووصيته صلى الله عليه وسلم فى الفتن حين قال: (أمسك عليك لسانك)!!!... هذا هو موقف سيدنا عمر بن عبد العزيز من عدم الاشتراك فى حديث الفتن، وذلك كان موقف سيدنا الحسن بن على، ومن قبله سيدنا عثمان بن عفان من عدم الاشتراك فى أحداث الفتن!! رضوان الله عليهم وعلى صحابة رسول الله أجمعين..... ها!! صدقتنى بأه لما قولتك فى الفتن: فوكك؟؟!!










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة