د. جمال زهران يكتب: صفقة «المثلث الشيطانى» فى إدارة الفترة الانتقالية «2-3».. الإدراك لمفهوم الثورة عند «الإخوان الحداثيين» أو من سبقهم هو الذى يفسر الانسحاب السريع من «التحرير»

الأربعاء، 07 مارس 2012 09:39 ص
د. جمال زهران يكتب: صفقة «المثلث الشيطانى» فى إدارة الفترة الانتقالية «2-3».. الإدراك لمفهوم الثورة عند «الإخوان الحداثيين» أو من سبقهم هو الذى يفسر الانسحاب السريع من «التحرير» جمال زهران

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أشار «رومانو برودى» - رئيس الوزراء الإيطالى - فى مقال له نشر فى صحيفة «ميسا جيرو» الإيطالية واسعة الانتشار بصفته أستاذ العلوم السياسية، إلى الأوضاع فى مصر، راصدا صعود الإخوان المسلمين إلى صدارة المشهد السياسى فى مصر بعد الثورة ونتائج ذلك، حيث اعتبر أن هذا الصعود وهذه النتائج تثير ريبة المراقبين فى أن هناك صفقات تمت بالفعل لتسليم السلطة للإخوان والمجموعات المساندة لهم، من جانب المجلس العسكرى، وقد نشر هذا المقال فى صدر الصحفة الأولى فى الجريدة خلال الأسبوع قبل الماضى.

وقد أكد الكثير من المراقبين فى أنحاء مختلفة من العالم فى أوروبا وأمريكا وداخل المنطقة العربية، وجود هذه الصفقة، وذلك على مدار الأشهر الأخيرة، كما أن محللين سياسيين فى مصر أشاروا إلى ذلك فى أحاديثهم الإعلامية أو فى مقالات مختلفة بإشارات سريعة.

كما أن عدداً من الكتاب فى صحف قومية وحزبية ومستقلة أو خاصة، أشاروا إلى ذلك، كما أننى أشرت لذلك ضمنا فى مقالات لى سابقا بإشارات عابرة.

وفى لقاء تليفزيونى مع المذيع عمرو أديب فى «أوربيت» أشرت إلى وجود صفقة بين الإخوان والمجلس العسكرى فى وجود واحد من القيادات الهامة من الإخوان، فما كان منه إلا أن انتقض دون احترام الرأى الآخر، كأنه ينفى عن نفسه وعن «الإخوان» التى ينتمى إليها، «تهمة سياسية»، وفى تقديرى أنها ليست كذلك، فقد كنت أصف حالة سياسية سائدة تستعصى على الفهم، لذلك فإن مرجعية «الصفقة السياسية» قد تساعدنا على تشخيص وتفسير ما يتم.. وكثير من التحليلات التى لجأت إلى هذه الآلية عند غموض الأشياء والمعطيات، كانت ناجحة إلى حد كبير ودون إغراق فى ذلك، حيث أشرت إلى ما سبق فى ضوء ردود الأفعال الكبيرة على مقالى الأول فى سلسلة تحليل الصفقات السياسية بعد الثورة، وقد اقتصر المقال الأول على تناول وتحليل مفهوم «الصفقات السياسية» ومنهج التحليل من خلال بعدى «المصلحة والسلوك السياسى» للأطراف المعنية بالصفقة، ثم تناول المقال الطرف الأول فى الصفقة السياسية وهو «المجلس العسكرى»، بتحليل الأهداف والمصالح المبتغاة التى أراد المجلس تحقيقها، ووجد ضالته فى جماعة الإخوان باعتبارها الفصيل الأكثر تنظيماً والأكثر شعبية وانتشاراً- حسب تقديره- وكذلك بتحليل السلوك السياسى للمجلس خلال العام الأول للثورة الذى تأكد معه اتساق هذا السلوك مع الأهداف والمصالح من ناحية، وأيضاً تأكد وجود الصفقة السياسية مع الإخوان.

وفى هذا المقال يتم تحليل الطرف الثانى فى الصفقة السياسية الثلاثية:
ثانياً: الطرف الثانى: جماعة «الإخوان المسلمون»:

على مستوى الأهداف والمصالح: استهدفت الجماعة تحقيق ما يلى:

اكتساب شرعية سياسية نهائية وكاملة، لتنتقل من دائرة «المحظور» إلى «المسموح»، وعلى حد التحليل الشائع انتقلت الجماعة من «المحظورة» - خلال عهد مبارك - إلى «المحظوظة» - فى عهد المجلس العسكرى.

إنشاء حزب سياسى - تمت تسميته بالحرية والعدالة - ليصبح الذراع السياسية لجماعة الإخوان، مع استمرار الجماعة كمرجعية للحزب دون إشهار على أساس قانون الجمعيات الأهلية.

الاتساق مع نهج الإخوان فى الإصلاح التدرجى دون التغيير الثورى الذى تستلزمه الثورات عادة، وهو الأمر الذى أكده العديد من قيادات الإخوان بأنهم لا يميلون إلى الثورة، باعتبار أنهم يعملون لهذا الإصلاح منذ زمن بعيد، فسره بعضهم بأن ذلك يرجع إلى تاريخ إنشاء جماعة الإخوان المسلمين بزعامة المرشد حسن البنا عام 1928م.

ويبدو أن هذا الإدراك لمفهوم الثورة عند «الإخوان الحداثيين»، أو من سبقهم، هو الذى يفسر الانسحاب السريع من ميدان التحرير عقب تنحى مبارك ومحاولة الالتفاف حول الثورة الشعبية الحقيقية والانتقال إلى مرحلة جنى الثمار بسرعة دون انتظار، خشية أن استمرار الثورة قد يؤدى إلى «التغيير الجذرى» الذى قد يحرمهم من الوصول إلى أهدافهم وبسرعة.
كما يبدو أن هذا الإدارك لمفهوم الثورة، جعلهم الأقرب إلى المجلس العسكرى الذى يسعى إلى الالتفاف حول الثورة تمهيدا لإجهاضها.

الوصول إلى السلطة بسرعة، حيث تتوافر لهم فرصة كبيرة لتحقيق ذلك قبل أن تتجمع القوى الأخرى وتتماسك فتصبح منافسة للإخوان، واستثمارا لطاقة الشحن والتعبئة لدى أنصار الإخوان، ولدى الشعب الذى يتعاطف معهم باعتبارهم الفصيل الذى تعرض للتنكيل الأكثر من أى فصيل آخر خصوصاً السنوات العشر الأخيرة من عهد حسنى مبارك المخلوع.. ومن ثم فإن إجراء الانتخابات بسرعة قد تحقق هذا الغرض، وهذا يفسر لنا الرغبة المحمومة التى وصلت إلى الهجوم والاتهام للقوى السياسية الأخرى التى كانت تفضل «الدستور أولاً» بعد الثورة ثم إجراء الانتخابات، للإخوان بتفضيل «الانتخابات أولاً» مهما كان الثمن حتى لو أجهضت الثورة، وإلى حد اعتبار أن إجراء التعديلات والاستفتاء عليها والانفراد بتحمل هذه المسؤولية هو إجراء «شرعى»، وأن السير فى الاتجاه المعاكس «غير شرعى باللغة الدينية المطلوب حيادها فى المنافسة السياسية».

وقد يحقق لهم الحصول على الأغلبية فى البرلمان الخطوة الأولى للوصول الكامل إلى السلطة فيما بعد وفقاً للمنهج الإصلاحى التدرجى، الأمر الذى يجعلهم يقبلون بالصفقات السياسية.

تحقيق القبول الإقليمى لوصول الإخوان إلى السلطة، وفى المقدمة تركيا، وذلك من خلال التظاهر بقبول النموذج التركى، الأمر الذى وصل إلى محاكاة اختيار اسم حزب الحرية والعدالة، باسم حزب «التنمية والعدالة فى تركيا» وهى خطوة نحو القبول الإقليمى الأوسع، ثم الأوسع، ثم القبول الدولى من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.

ولتحقيق هذه الأهداف الخمسة الرئيسية، فإن جماعة «الإخوان المسملين»، قد انتهجت عدداً من التصرفات والسلوكيات السياسية بما يوكد جسور التواصل مع الطرف الذى يمسك بزمام السلطة وهو المجلس العسكرى، ويمكن بلورتها فيما يلى:

إبداء الاستعداد للتواصل والحوار مع نظام مبارك، حيث قبل الإخوان المسلمون الدخول فى حوار مع عمر سليمان، نائب الرئيس، ثم الحوار المتصل مع المجلس العسكرى، الأمر الذى يؤكد ميلهم لعدم الصدام أو التصعيد بما يتفق ونهجهم غير الثورى.

المبادرة بقبول مبدأ التعديلات على دستور 1971 دون إسقاطه، بل المشاركة فى لجنة التعديلات من قبل رموز جماعة الإخوان، والحماس منقطع النظير للاستفتاء كما لو كان هذا هو الهدف النهائى لجماعة الإخوان، كذلك فإن اضطرار المجلس العسكرى إلى إدماج التعديلات الدستورية فى إعلان دستورى فى 30 مارس، لم يقنع الجماعة بأن دستور 1971 لم يسقط بعد، وهو ما أكده رموزها القانونية فى تصريحات واضحة لا تحتمل لبسا، ولدينا حصر كامل بهذه التصريحات والتفسيرات.

الاستقواء بالاستفتاء ونتيجته الشعبية الداعمة، ليكون سنداً للإخوان للتجبر على القوى السياسية الأخرى والاستعلاء عليها، إلى حد أن «الإخوان» اعتبروا الاستفتاء على التعديلات الدستورية استفتاء عليهم، وأن الشعب ذهب لكى يقول «نعم» للإخوان المسلمين وكذلك «نعم» للمجلس العسكرى، واعتبر بعض المحللين أن الاستفتاء على تعديلات دستورية كان بداية «الفتنة السياسية» بين القوى السياسية نتيجة التقارب إلى حد التوافق بين الطرفين «المجلس العسكرى - الإخوان المسلمون».

تسليم جماعة الإخوان المسلمين قبل أن تنشئ حزبا سياسيا، بالإعلان الدستورى الذى صدر فى «62» مادة من جانب المجلس العسكرى مباشرة وبانفراد ودون مشاورة مع أحد من القوى السياسية أو الأحزاب، ودون استفتاء آخر، حيث صدر الإعلان الدستورى بعد نحو عشرة أيام من إعلان نتيجة الاستفتاء على المواد العشر المعدلة فى دستور 1971، وليس واضحا حتى الآن لماذا تمت التعديلات على دستور يرفضه الشعب، ثم لماذا صدر إعلان دستورى منفرداً دون استفتاء الشعب، ومع ذلك قبله الإخوان المسلمون، بشكل يثير الغرابة.. حيث إن الإعلان تضمن خريطة الطريق كما يسمونها وفقا لما رآه العسكرى.. ومن شدة دفاع ممثلى الإخوان عن الاستفتاء ثم الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011م، شعرت على الفور بأن المجلس العسكرى أشرك الإخوان فى ذلك، وهم بالتالى أكثر القوى السياسية دفاعا عن هذا البرنامج الزمنى، وبدأوا فى الإعداد التنفيذى له بمشاركة من يرغبون فى إشراكه معهم، وتجاهل من لا يريدون مشاركتهم وفقا لمعيار المصلحة السياسية للجماعة، وواصلوا التعامل مع القوى السياسية بالاستعلاء والتجبر، على خلفية ضمانهم لدعم المجلس العسكرى، الأمر الذى أدى إلى حدوث مشاكل كبرى بينهم وبين هذه القوى، كنت شاهدا على الكثير منها.

الرفض المستمر لمشاركة القوى السياسية الأخرى فى المليونيات بعد مليونية إسقاط شفيق وتولى عصام شرف رئاسة الحكومة، وذلك باستثناء مرة أو مرتين، بما يتفق مع مصالحهم السياسية وإعطاء ظهرهم للثورة، مع التشدق الدائم بأنهم صناعها.

التنكر لمشروع قانون انتخابات مجلس الشعب الذى تم التوافق عليه من جميع القوى السياسية بما فيها «الإخوان المسلمون» أنفسهم والذى تضمن نظام الانتخابات بالقائمة النسبية المغلقة والمحدودة، والاتفاق مع المجلس العسكرى من وراء ظهر القوى السياسية وباعتراف قيادات بالمجلس العسكرى لى شخصيا بذلك ولآخرين، على النظام الانتخابى الذى يجمع بين «القائمة والفردى»، الأمر الذى أحدث الفرقة والوقيعة بين الجميع.

السعى نحو استقطاب القوى السياسية حول المركز متمثلا فى جماعة «الإخوان المسلمون»، وتجاهل المظلة الوطنية التى شاركوا فى صنعها وهى الجمعية الوطنية للتغيير، إلى حد وصف بعض قيادات الإخوان، بأن هذه الجمعية انتهى عمرها الافتراضى، ويجب إعلان انتهائها، لأنها أصبحت عقبة فى طريق التطور الديمقراطى!! وهى فى الحقيقة ضمير الثورة والعمل الوطنى الحقيقى.

الموقف المتخاذل لجماعة الإخوان وحزبها لشباب الثورة، فيما يتعلق بأحداث السفارة الصهيونية وماسبيرو، وشارعى محمد محمود، ومجلس الوزراء، حيث التفتوا عنها وانشغلوا بالانتخابات، لتمكين المجلس العسكرى فى إطار الشراكة بينهما، من التمكن من الثورة والسيطرة عليها بآلية التنكيل بالثورة والثوار، وذرا للرماد فى العيون صدرت بيانات ضعيفة تشجب وتندد بما حدث دون توجيه اتهام للمجلس العسكرى بما يفعله، ذكرتنا بالشجن والتنديد لنظام مبارك، فضلا عن دعمهم للشرطة فى مواجهة الثوار!!.

ارتفاع نبرة أن مجلس الشعب «البرلمان» هو بديل البرلمان، بل هو الشرعية وما عداه لا قيمة له، وهو ما يعد تنكيرا للثورة والثوار والحرص على الوصول للسلطة والتمكن من البرلمان.

حرص «الإخوان» وحزبها على الاستئثار بنسبة ٪80 من مقاعد المراكز القيادية بالبرلمان وعددها «79» مقعدا، حرص على السيطرة الإخوانية على البرلمان دون تغيير قواعد العمل فيه وحتى تطهيره، الأمر الذى يؤكد قبولهم للعمل وفقا لنظام مبارك وقواعده، والواقع أن الدلائل كثيرة، والشعب يرصد ذلك، وللحوار بقية، ومازال مستمرا ومتصلاً...








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة