ناهد إمام

"شمّة" رأس السنة!

الخميس، 01 يناير 2009 07:42 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"أنا وحظى".. هكذا كنت أحدث نفسى وأنا فى طريقى لحضور حفلة نصير شمة بساقية الصاوى, فمنذ سنوات وأنا أتمنى أن احتفل بالعام الجديد بهذه الطريقة. بدا حظى جميلاً عندما وصلت فى تمام العاشرة مساء بالأمس، وبادرت إلى شباك الحجز لأجد أنه بالإمكان أن أحصل على تذكرة وأن أحتفل.. "الحمد لله" أن الأمر لم يكن كالعام الماضى، حيث نفدت التذاكر قبل بدأ الحفل بأسبوع.

"هذه ليلتى" هكذا تملكنى هذا الإحساس وأنا فى صحبة نصير وعودة, كان يحتضنه وكأنه "الحبيبة" وليس الآلة.. أحضان المحبين دافئة وأحضان العاشقين مبدعة! يا إلهى ما كل هذا العشق.. أما العزف فلم يكن مجرد خربشات ومداعبات للأوتار, وإنما "حالة" من الذوبان والوجد والتوحد تنتاب "شمة" تلحظها فى قسمات وجهه وتلمسها فى وقع أنامله لتنتقل إليك فورا إذا ما كنت على نفس الموجة.. كتلة من "المشاعر" تعزف, وليس موسيقاراً يعزف.

كل المشاعر التى يعرفها البشر تحركت داخل قلبى على مدار ساعات إبداعه من العاشرة وحتى الواحدة صباحاً, خمس مقطوعات من تأليفه, ولك أن تتخيل من أسمائها كيف يمكن أن يكون وقعها وإيقاعها, " بنفسج الأنامل", "زهرة الألم", "مصير واحد", "إشراق", "على جناح فراشة", "الشيخ وأنا"، وهذه الأخيرة تحدث عنها قائلاً إنه ألفها تأثراً بحبه لإبداع الشيخ مصطفى إسماعيل فى قراءته للقرآن.

سنوات عمرى كلها مرت أمامى فى شريط سينمائى غريب لم أكن أتوقعه مع "أنا لك على طول خليك ليا", و"على بلد المحبوب ودينى", و"على دلعونة", "ألف ليلة وليلة" لأم كلثوم, كل معزوفة محطة فى حياتى, كل معزوفة ذكرى ألم وأخرى للفرح. مع نصير عرفت أن الحجاز يصيبك بالجلال – إحساس غريب - وهو ما بدا واضحا فى معزوفته أنا والشيخ.. مع نصير بكيت مع الصبا وابتهجت مع النهاوند, وتمايلت مع البياتى, وعشت لحظات مع جدية العجم ورصانته, لحظات من "الجنون" ما بين دموع وانبساط.. الجنون واجب أحياناً وضرورى ومطلوب!

إنه احتفال مميز بالفعل.. شعرت بـ2009 عاماً جديداً غريباً, و1430عاماً له وقع خاص أحسسته أيضاً هذا العام.. لا أدرى لماذا تذكرت "أبلة أسمهان" مدرسة اللغة العربية بالمرحلة الإبتدائية وهى تكتب على السبورة 1من محرم عام1400 هجرية, يااااااه هكذا تمر السنوات سريعاً, عندما بلغت السنوات الهجرية 1400 احتفلت مدرستنا يومها احتفالاً خاصاً لا أدرى لماذا, تماماً كما لا أدرى لماذا الحنين لاحتفال مشابه الآن!

الحطة الفلسطينية لم تكن وحدها على أكتاف نصير وإنما الهم والأسى أيضاً, فمع دقات الـ12 عند منتصف الليل هبطت لوحة من سقف القاعة وقد كتب عليها الرقم "9"، بعدها بثوان أشعل نصير شمعة وتحدث قائلا: هذه شمعة نشعلها للأرواح التى تساقطت فى غزة لنقول لهم إننا معكم بقلوبنا ووجداننا وموسيقانا.. نحن معكم نحن لهذه الأرض التى ارتوت بدمائكم 52 عاما، وكأنها أرض لا تشبع.

وهنا دمعت عينا الفنان مرهف الحس فانطلق الجمهور من الجالية العراقية قائلاً بود بالغ: "حبيب يا نصير, أصيل.. إن شاء الله تترد لك بالأقصى".. "العامرية.. يا نصير".
وفجأة انطلق الجمهور المصرى والعراقى والفلسطينى بالصالة فى صوت واحد "العامرية يا نصير".. استجاب وكانت معزوفته العامرية هى مسك الختام.

فى العام الماضى وعند منتصف الليل تساقطت البالونات من سقف القاعة وكانت 2008 بألوان فوسفورية والأجواء مبهجة وغنى الجمهور فى صوت واحد سنة حلوة يا جميل, هكذا حكى لى أصدقائى ممن حضروا الحفل, ولكن هذا العام لم يغن أحد, ولم يبتهج أحد, فقط أنات عود نصير وأشجانه.

فى العام الماضى استقبلوا 2008 بكل الفرح وكان عام المآسى والنكبات المحلية والعالمية والإنسانية, وفى هذا العام نستقبل 2009 على حذر وبتحفظ.. فهل نأمل أن تخيب ظننا وتأتى إلينا بـ"بعض" الفرح والسعادة؟!

نتمنى.
أخيراً.. كانت تلك شمة من الحياة أحسستها وكأننى أعيشها لأول مرة, شمة مميزة الرائحة والطعم استقرت بداخلى ولن ينتزعها بإذن الله سوى الموت. شكراً لـ" شمة" المبدع المثقف, الذى غسل بأنغامه روحى وأغلق سرداقات أحزانى, وبث حياة من نوع خاص, عبقرية, جميلة, لها وقع همس المحبين, ودفء المخلصين.

شكراً لـ"شمة" الذى ألقى بإيقاعاته الرشيقة الأنيقة سخافات وكآبات 2008 وربما أخطاء عمرى كله وراء ظهرى. شكراً لـ"شمة" الإنسان الجميل.. فلم يعد أمام عينى سوى.. الحياة.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة