عاصم الدسوقى

حلم الخلافة.. وعبادة الماضى..!!

الخميس، 16 فبراير 2012 03:53 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أصبحت الدعوة لإحياء «الخلافة الإسلامية» لغة الخطاب السياسى لدى الجماعات الإسلامية، بصرف النظر عن اختلاف أسماء مجموعاتهم، فجميعهم فى فلك واحد يسبحون، وفى حديث للدكتور محمود غزلان عضو مكتب الإرشاد قال: «بالنسبة للخلافة الإسلامية هذا حلمنا ونتمنى تحقيقه ولو بعد قرون» (الأهرام 11 فبراير الجارى). ويبدو واضحا أنه يعتقد أن الخلافة فيها شفاء لكل علل وأمراض المجتمع المصرى، وهذه الأمنية تدخل باب التفكير فى الإصلاح تفكيرا «مثاليا» وغير علمى لأنه خارج الزمان وخارج المكان.

إن الذين يحلمون بالخلافة لا يعرفون تاريخها وشروطها، فأولا «الخلافة فى قريش».. هكذا كانت ويتم اعتلاؤها بالبيعة بين أهل الحل والعقد. والخلافة بهذه الخصوصية لم تعمر إلا ثلاثين سنة فقط من عمر الحكم الإسلامى (من سنة 11 هـ إلى سنة 40 هـ)، وهى مدة ولاية الخلفاء الراشدين الأربعة، وبعد أن انتقلت إلى بنى أمية ثم إلى بنى العباس تحولت إلى «ملك عضوض» أى يتم توارثها بين الأبناء مع بقائها فى «قريش». فلما انهارت الخلافة العباسية فى منتصف القرن الثالث عشر الميلادى، تفككت البلدان التى كانت تخضع لها وتولى الحكم فى كل منها أشخاص ليسوا من قريش. ولهذا لم يجرؤ أحدهم على أن يتلقب بلقب «الخليفة»، وإنما تلقبوا بـ«السلطان» مثل صلاح الدين الأيوبى والمماليك فيما عدا المعز لدين الله الفاطمى، الذى تلقب بلقب «الخليفة» هو ومن بعده من الفاطميين، لأنهم من قريش أصلا.

فلما جاء السلطان العثمانى سليم الأول إلى مصر وقضى على حكم المماليك فى الشام ومصر (1516-1517) وأصبحت مصر ولاية عثمانية، لم يتلقب أى من سلاطين آل عثمان بلقب «الخليفة»، إلا إذا غزا بلدا فيأخذ لقب «السلطان الغازى»، ذلك أنهم ليسوا من قريش أو حتى من العرب. والوحيد الذى تلقب بالخليفة كان السلطان عبدالحميد الثانى، الذى جاء إلى الحكم والسلطنة فى حرب مع روسيا، والغرب الأوروبى يطالب سلاطين آل عثمان بالإصلاح، وخاصة فيما يتعلق بمعاملة غير المسلمين فى السلطنة، لكى يقفوا بجواره ضد قياصرة روسيا مثلما فعلوا من قبل فى عام 1839، وعام 1856، فبادر عبدالحميد بإصدار الدستور فى 1876 وقام بالتوقيع عليه بصفة «خليفة المسلمين». وتلك هى الظروف التى تلقب فيها أول سلطان عثمانى بلقب الخليفة دون أن يمتلك شروطها. ولهذا كتب عبدالرحمن الكواكبى كتابه «أم القرى» عن مكة المكرمة ليقول إن الخلافة عربية وليست تركية.

فلما قام كمال أتاتورك بإلغاء الخلافة فى تركيا الجديدة (1924) بعد سقوط حكم آل عثمان وإعلان الجمهورية، تطلع بعض حكام المنطقة من الملوك والأمراء لأخذ «اللقب» ومنهم الملك فؤاد فى مصر. ولهذا كتب الشيخ على عبدالرازق كتابه الشهير «الإسلام وأصول الحكم» ليؤكد أن الخلافة ليس لها أصل فى الإسلام، فكانت عقوبته فصله من «هيئة كبار العلماء» ومن وظيفته وكان قاضيا شرعيا، ولم يكن السبب وقوعه فى خطأ فقهى، بل لأنه أراد أن يحطم آمال فؤاد الذى ليس قريشيا أو عربيا، فى أن يكون خليفة المسلمين لكى تتسع آفاق هيمنته ويسجد له الناس.

وأخيرا.. إن الخلافة ليست فضيلة دينية نحرص عليها، وليست من الفرائض الخمس حتى نتمسك بها، والأفضل أن نسعى لإقامة دولة القانون التى من شأنها أن تقضى على كل الانحرافات، وأن تؤدى إلى التوازن الاجتماعى فتصفو حياة الجميع، وليس هناك ما يدعو لاستعادة عصر دون ظروفه.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة