كيف نجحت الثورة بجورجيا وتعثرت فى مصر.. "البرتقالية" غيرت النظام وأصلحت الإنسان.. و"25 يناير" اكتفت بتنحى مبارك.. الرئيس الجورجى: تبنى الحلول الوسط كان أكبر أخطائنا وتداركنا الأمر بخطوات جذرية

الأربعاء، 08 فبراير 2012 10:42 ص
 كيف نجحت الثورة بجورجيا وتعثرت فى مصر.. "البرتقالية" غيرت النظام وأصلحت الإنسان.. و"25 يناير" اكتفت بتنحى مبارك.. الرئيس الجورجى:  تبنى الحلول الوسط كان أكبر أخطائنا وتداركنا الأمر بخطوات جذرية الرئيس الجورجى ميخائيل ساكاشفيلى
كتب يوسف أيوب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
- إعادة هيكلة الداخلية الجورجية بالاستغناء عن 18 ألف شرطى فاسد والاستعانة بالشباب.. وفصل السجون وضمها لوزارة الإصلاح والمساعدة القانونية
فارق كبير بين أن نقوم بثورة لتغيير نظام الحكم، وبين أن نقوم بهذه الثورة لتغيير أنماط الحياة القائمة على الفساد، الفرق بين الاثنين مثل الفرق بين الثورة البرتقالية فى جورجيا، وثورة 25 يناير فى مصر، فالأولى اختارت الطريق الصعب للثورة وقررت أن تشمل ثورتها الإنسان الجورجى قبل نظام الحكم، ووضعت خطة طويلة الأمد تعرضت للفشل فى البداية، لكنهم تداركوا خطأهم سريعا وعادوا للطريق الصحيح فيما اكتفت ثورة 25 يناير بتنحى مبارك ومحاكمة رموز النظام دون أن تتعرض لتغيير الإنسان المصرى.

جورجيا والثورة البرتقالية
فى فبراير ٢٠٠٣ خرج الملايين من مواطنى چورچيا (حوالى 5 مليون نسمة) فى مظاهرات ضد الرئيس "إدوارد شيفرنادزه" إثر انتخابات شابها التزوير وأطلقوا على مظاهراتهم "الثورة اليرتقالية"، وقاد المعارضة آنذاك مع آخرين، الشاب "ميخائيل ساكاشڤيلى" إلى أن قدم "شيڤرنادزه" استقالته وفاز ساكاشڤيلى بالرئاسة فى الانتخابات التى أجريت عام ٢٠٠٤، وبدأ الجورجيون فى تطبيق مبادئ ثورتهم التى تصدرها القضاء على الفساد، معتبرين أن أول طريق لتحقيق ذلك هو البدء بمجالى التعليم والأمن، لأن هذين المجالين كانا من أكثر القطاعات فسادا ليس فى جورجيا وحدها، وإنما فى منطقة شرق أوربا بأكملها.

وقررت جورجيا أن تلجأ للطريق الصحيح لإصلاح القطاع الأمنى وأصدرت قرارات حاسمة، فالثقة كانت منعدمة، ورجل الشرطة كان فى نظر المواطن العادى مثل رجل المافيا، وتم وضع خطة لإصلاح الشرطة قامت فى الأساس على عودة الثقة بين الجهاز والمواطنين، وتوصلوا منذ ثلاث سنوات إلى أن الحل فى حملة إعلامية مقترنة بتغيرات جذرية، فى الشكل والمضمون، فبدأوا بالمضمون بقرار كان جريئا حيث تم فصل ١٨ ألف شرطى دفعة واحدة من العناصر الفاسدة، وهو العدد الذى يمثل أكثر من 80% من طاقة الشرطة الجورجية، وغالبيتهم من طاقم إدارة المرور.

فصل 18 ألف شرطى فاسد
وزير الداخلية إيفان ميرابيشفيلى أوضح فى لقائه بـ"اليوم السابع" أثناء تواجده فى جورجيا، أن بلاده كانت من أكثر دول العالم فسادا قبل الثورة البرتقالية فى نوفمبر 2003، وكانت المافيا الجورجية أخطر من المافيا الروسية وكانت الرشوة جزءاً من الثقافة، موضحا أن قرار الاستعانة بشباب فى الشرطة الجورجية كان قراراً صعبًا، لأن الشباب لا يملكون الخبرة، لكنهم متحمسون لحماية العدالة، مما أدى إلى أن جورجيا ظلت طيلة شهرين عقب الثورة بدون شرطى مرور واحد، لكن رغم ذلك انخفض معدل الجريمة 6 مرات، وأصبحت جورجيا أكثر أمنا من أى دولة أوربية أخرى، موضحا أن عدد رجال الشرطة انخفض من 85 إلى 26 ألف شرطى وشرطية، مزودين بأحدث الأجهزة والمعدات والسيارات، وتمت مضاعفة راتب الشرطى إلى عشرة أضعاف ما كان يتقاضاه الشرطى قبل الثورة، لأن القضاء على الفساد أدى إلى زيادة موارد الدولة.

وزير الداخلية الجورجى أرجع قرار البدء بإدارة المرور فى الإصلاح واتخاذ إجراء حاسم بهذا الشكل، بقوله " اخترنا شرطة المرور لأن الشعب يتعامل معهم يوميا ويعرف مدى فسادهم، فالمرور كان جهازا قبيحا وكان شكل رجل المرور سيئا للغاية، ولم يكن ممكنا أن تكون تلك هى صورة الشرطى".

إصلاح المرور احتاج إلى شهر تقريبا، بدأ بإصلاح أكاديمية الشرطة الچورچية، ومناهج التدريس، وبالتوازى مع ذلك قامت الوزارة بالإعلان عن وظائف شاغرة وتقدم آلاف المدنيين الذين خضعوا لاختبارات بدنية ونفسية ومعرفية ومقابلات شخصية لاختيار المؤهلين منهم، وبعد الشهر خرجت إدارة المرور فى شكلها الجديد إلى الشارع ليبدأ مهمته الميدانية للمرة الأولى.

قرار البتر الذى اتخذته الحكومة الجورجية مع الشرطة كان سريعا، وجاء عكس كل النصائح التى أبدتها لهم دول صديقة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، التى نصحت تبليسى بالإصلاح التدريجى وحذرتها من خطورة التغيير الفورى، لكنهم ساروا على عكس هذه النصائح، كما أكد أكثر من مسئول حكومى، "لأن الحكومة كانت وليدة والثورة كذلك وكان يجب أن نقدم للناس شيئا ملموسا يتعلق بحياتهم ويرضيهم".

إيفان ميرابيشفيلى قال، إن الاختيار كان أمامهم، بين رجال شرطة مدربين وفاسدين وبين شباب لا يملكون الخبرة لكنهم متحمسون للعدالة، وكان الاختيار الثانى هو الأفضل، وأضاف، وهى النصيحة التى يمكن أن أقدمها لمصر .

هيكلة وزارة الداخلية الجورجية
إصلاح وزارة الداخلية من الداخل كان له عدة أوجه فى جورجيا، الأول إعادة هيكلة الوزارة، حيث تم دمج عدة وزارات وهيئات للداخلية ومنها وزارة الأمن، وحرس الحدود، وحماية المنشآت، إضافة إلى الحماية المدنية، والمباحث، وشرطة الدورية، ومن جهة أخرى تم فصل إدارة السجون لتتبع وزارة المساعدة القانونية والإصلاح، وشرطة البيئة لتتبع وزارة البيئة، ومباحث الأموال العامة لتتبع وزارة المالية.

بخلاف المضمون كان تركيز الجورجيين على الشكل أيضا، والشكل كان من ناحيتين، الأولى من خلال الحملة التنويرية التى قامت بها الوزارة من خلال حملات إعلامية موسعة، بالإضافة إلى تغيير مبان الشرطة، باختيار المبانى الزجاجية كشكل موحد لكل أقسام الشرطة ووزارة الداخلية التى تحولت إلى ما يشبه البيوت الزجاجية، ووضعت الحكومة خطة لتحويل كل أقسام الشرطة إلى هذا الشكل، وأنجزت حتى الآن ٧٠% منها، وزير الداخلية إيفان ميرابيشفيلى قال إن "المبانى الزجاجية ترسل عدة رسائل، أولاها الشفافية، فمن يمر أمام المبنى يشعر وكأنه يرى كل ما بداخل الوزارة أو قسم الشرطة، وهو ما أزال العقدة التى كانت لدى المواطنين من الشرطة".

التغيير فى نظام الشرطة الجورجية يظهر بمجرد مرورك من أمام أى قسم شرطة، ففى العاصمة تبليسى هناك خمسة أقسام شرطة تشترك كلها فى الشكل، فالزجاج هو الذى يفصل داخل القسم عن خارجه، حتى يرى الجميع ما يحدث داخل القسم ، وقسم شرطة حى "أيساى سان جورسى" هو أحد أقسام شرطة تبليسى الخمسة التى يعمل بها 460 شرطياً وشرطية، وفى هذا القسم يعمل 160 كونه الأكبر فى المدينة ويغطى منطقة يعيش فيها 320 ألف مواطن، وبداخل القسم الذى تجول فيه "اليوم السابع" ستجد وجوها بشوشة فى استقبالك لتلبى لك طلباتك واحتياجاتك، ففى جورجيا لا يتم استخراج جوازات السفر أو البطاقات الشخصية من القسم أو أى إدارة تابعة للداخلية، لأن الشرطة هناك لها مهمة محددة وهى حفظ الأمن، لذلك ستجد داخل القسم من جاء لتقديم بلاغ أو شكوى، حتى أن التحقيق مع المتهمين لا يكون لضباط الشرطة فقط، وإنما فى حضور المدعى العام وإرسال المتهم بعد ذلك إلى مكان الاحتجاز إذا ثبت إدانته، فداخل القسم لا يتم احتجاز أحد، وكل المترددين على القسم هدفهم واحد وهو تقديم بلاغ أو شكوى.

فصل السجون عن الداخلية
الأمر الآخر المهم فى تجربة وزارة الداخلية الجورجية، أن السجون تم فصلها نهائيا عن الداخلية، وأصبحت تابعة لوزارة جديدة تم إنشاؤها مؤخرا اسمها وزارة الإصلاح والمساعدة القانونية، وتتولى مسئوليتها الآن وزيرة اسمها كاتونا كالماكليدزى، التى صحبتنا فى جولة داخل سجن روستافى 16 الذى بنى عام 1950 أثناء العهد السوفيتى، وشرحت كاتونا كالماكيلدزى، كيف يتم التعامل مع المساجين، بداية من منحهم الحق فى الجلوس مع أسرهم أربع وعشرين ساعة كاملة، لثلاث مرات فى العام داخل غرف فندقية "ثلاثة نجوم"، وإذا حصل السجين على درجات فى الالتزام، يتم منحه أياماً إضافية، وصولا إلى كافة الخدمات الصحية والغذائية التى يحصل عليها السجين.

سجن روستافى 16 يتسع لـ1200 سجين، وبداخله مستشفى ومدرسة لتعليم المساجين اللغة الإنجليزية والكمبيوتر، وهو ما دفع عددا من الدول الأوربية لأن تبدى رغبتها فى الاطلاع على تجربة السجون فى جورجيا، خاصة فى تعليم المساجين، حيث يتم تعليم المساجين وإعطائهم شهادات معتمدة من جامعة تبليسى، ولا تختم هذه الشهادة من السجن، لإعطاء السجين فرصة فى الحصول على فرصة عمل فور خروجه.

الثورة البرتقالية والاهتمام بالتعليم
الجانب الآخر الذى اهتمت به الثورة الجورجية، هو الجانب التعليمى، الذى كان يعانى من فساد مستشرى قال عنه رئيس جامعة تبليسى دكتور اليكسندر كيتشافيلى إن الثورة بدأت من الجامعة فى التسعينات، فالجامعة هنا تعتبر هى روح جورجيا، والطلاب يلعبون دورا مهما فى جورجيا، مشيرا إلى أن الاهتمام بالقطاع التعليمى كان من أولويات الثورة، خاصة أن التعليم فى جورجيا قبل الثورة كان أكثر القطاعات فسادا خاصة أثناء الاتحاد السوفيتى، فرغم أنه كان مجانيا إلا أن كل شىء فى التعليم كان يتم بالرشوة، ورغم أنه بعد الاستقلال فى التسعينات لم يكن التعليم مجانا، لكن الرشوة مازالت قائمة فى التعامل، وكان لابد من الدفع لكى تمر من امتحانات القبول بالجامعات، والدفع كان للأساتذة.

وأشار كيتشافيلى إلى أنه" لكى نقضى على هذا الفساد كان لابد من تغيير نظام الالتحاق بالجامعة وامتحانات القبول بها، وأصبح الآن لدينا أربعة امتحانات للقبول من بينها امتحان اختيارى، وكل شىء يتم عبر الكمبيوتر، مما قضى على فكرة الرشوة، لأن التعامل يكون إلكترونيا، فحسب مجموعك فى الامتحانات يتم تحديد الكلية التى سيتم الالتحاق بها".
التجربة الجورجية كانت مثار اهتمام كل المصريين الذين زاروا جورجيا خلال الفترة الماضية.
"اليوم السابع" فى زيارتها لجورجيا حاولت الاستفسار من المسئولين الجورجيين عن كيفية الاستفادة من تجربتهم فى عملية التحول الديمقراطى فى مصر، لكنهم جميعا أكدوا على أن لكل دولة ظروفها، النصيحة الوحيدة التى قدمها ساكاشفيلى رئيس جورجيا لمصر كانت فى كلمات بسيطة وهى "تبنى الحلول الوسط كان من بين أكبر الأخطاء التى وقعنا فيها حيث أجلنا بعض الإصلاحات لهذا السبب، لكننا تداركنا هذا الخطأ فى جورجيا"، مبديا نصيحته لمصر بعدم الانتظار فى إجراء الإصلاحات.

وعلى نهج ساكاشفيلى، سار رئيس الوزراء الجورجى نيكا جيلاورى فعلى الرغم من أنه أشار إلى وجود أوجه تشابه كبيرة بين الثورتين الجورجية والمصرية، حيث يمثل الفساد عاملا مشتركا ساهم فى حدوثهما، لكنه رفض إبداء النصح لمصر، مكتفيا بقوله "عليكم أن تعلموا أن الشعوب تتطلع دائما إلى تحقيق مكتسبات من الثورة وحدوث المتغيرات على أرض الواقع".

الشباب على رأس مواقع المسئولية
وبعيدا عن فكرة إبداء النصائح، فإن الزائر لجورجيا ووزاراتها ومؤسساتها سيجد أن هناك عدة أمور يتمنى تطبيق ولو جزء يسير منها فى مصر، أهمها هو أن الشباب هم أصحاب القرار والمناصب أيضا، فالشباب هم من يمثلون القاعدة الأوسع فى البلد التى مرت فى 2003 بمرحلة تحول ديمقراطى.. الوزراء غالبيتهم.. بل كلهم من الشباب، ولم يستثنى من هذه القاعدة سوى وزير الخارجية جريجول فاشاذره، الذى يعتبر أكبر الوزراء سنا.

تواجد الشباب على الساحة السياسية الجورجية، هو مكمن افتخار الكثيرين هناك، وعلى رأسهم الرئيس ساكاشيفلى الذى أكد على أهمية أن يتولى الشباب القيادة فى المرحلة المقبلة لافتا إلى أنه من السهل أن يكتسب الشباب الخبرة وأن يقوموا بأداء جيد لخدمة وطنهم، وستجد أن هناك ثقة كبيرة فى قدرة هؤلاء الشباب على قيادة بلدهم، وبالفعل جاءت الثقة فى محلها، فوفقاً للتقارير الاقتصادية استطاع الوزراء الشباب أن ينهضوا باقتصاد جورجيا التى عانت منذ ثلاث سنوات من حرب مع جارتها روسيا.

الشباب ليسوا هم الميزة الوحيدة فى جورجيا بعد ثورتها فى 2003 ، فالديمقراطية الحقيقية هى المحرك الرئيسى لكل ما يصدر فى جورجيا من قرارات، فسكاشفيلى لا يخشى القول إن كل القرارات التى تم اتخاذها فى بلاده تمت بعد مناقشات عميقة بهدف مكافحة الفساد الكبير الذى كان مستشريًا، وظروف الحياة الصعبة التى كانت تعيشها جورجيا قبل الثورة، ومن ثم تم الشروع فى إحداث تغييرات جذرية.

الشىء الأخير الذى قد يلفت انتباه أى زائر لهذه الدولة التى كانت جزءاً من الاتحاد السوفيتى، هو أنها تحاول التخلص من هذا الإرث القديم، رغم المناوشات الروسية المتكررة معها، فجورجيا رغم صغر حجمها إلا أنها تحاول أن تخطو للأمام وبثقة نحو هدف أساسى وهو الاتحاد الأوروبى، فعلم الاتحاد الأوروبى فى كل شارع جورجيا وداخل الوزارات والمؤسسات الحكومية، فضلا عن أنه ملاصق لعلم جورجيا داخل قصر الرئاسة فى العاصمة تبليسى، رغم أن جورجيا ليست عضوا بالاتحاد الأوروبى، لكنه الحلم الذى يراود أبناء الشعب الجورجى جميعا، ووضعوا من أجل تحقيق هذا الحلم خطة تسير لإنشاء البنى التحتية وتسهيل القيود التى كانت مفروضة فى الماضى على الاستثمار الأجنبى، فخلال ساعة يستطيع الشخص إنشاء شركة فى مكان واحد.
































مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 5

عدد الردود 0

بواسطة:

abdalla

مقال مهم جدا .. ياريت الكل يقرأ ويفهم

عدد الردود 0

بواسطة:

سامي

من يقرا ومن يفهم

عدد الردود 0

بواسطة:

مهندس ممدوح

مقال ممتاز

عدد الردود 0

بواسطة:

الذى لن يذيقنا ثمار الثورة سوف يلحق بمن قامت عليهم الثورة فورا

الذى لن يذيقنا ثمار الثورة سوف يلحق بمن قامت عليهم الثورة فورا

عدد الردود 0

بواسطة:

ka_rmalshamy

ارجوالا نكون مقلدين ياريت ان نكون مبتكرين

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة