سفير د.عبدالله الأشعل

مخاطر انهيار مصداقية السلطة فى مصر

السبت، 20 ديسمبر 2008 10:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أظن أن هناك اتفاقاً عاماً على فقدان السلطة لمصداقيتها الواجبة فى مصر، ويدخل فى هذا الاتفاق العام طوائف السلطة نفسها. ولعل المقارنة بين ثقة الشعب فى السلطة ومصداقية أعمالها ووعودها منذ عقدين على الأقل، وبين الموقف الراهن تظهر أن انهيار المصداقية حقيقة واقعة لا سبيل إلى إنكارها، مما تترتب عليه مخاطر هائلة للشعب والسلطة معاً ما لم تتم دراسة هذه الظاهرة والإسراع بتداركها. فقد ترتب على التدهور السريع المنظم فى مستويات المصريين فى أدائهم وسلوكهم لفت النظر إلى أسباب هذا التدهور، حدث ذلك فى التعليم والاقتصاد والثقافة وقيم المجتمع والبيئة والفن وكافة مظاهر الحياة.

فقد كثر عدد الجامعات ولكن مستوى الخريجين فى تدهور مستمر، ولم يحاول أحد من المتخصصين وضع سياسة تعليمية ناجحة تحقق الأهداف المطلوبة رغم كثرة عدد المتخصصين القادرين، ولكن الجميع أصبح يسلم بأن هناك أيدى خفية تعمل بانتظام على تردى التعليم، وحتى إذا تولى أحد المتخصصين العارفين بالعلة والداء منصباً مؤثراً فى غفلة من الزمن، فإنه يؤثر الصمت المريب ويشارك فى المؤامرة على هذا الوطن. ولم يسلم قطاع فى التعليم من هذه الظاهرة، خاصة التعليم الطبى الذى يترتب على انهياره وتدنى مستواه انهيار الخدمات الطبية، حتى فقدت مصر مكانها كمقصد للسياحة العلاجية، وحلت الفهلوة والنصب على العملاء المصريين والعرب محل التخصص والصدق والجدية. يحدث ذلك كله رغم أن جيل الأربعينيات من كبار الأطباء لا يزال حياً، كما أن فى مصر عدداً من العباقرة الذين تخصصوا فى تخريب التعليم إما جهلاً أو عمداً أو حقداً على هذا الشعب، ويسعون بشكل مستمر إلى سد الطرق أمام علماء مصر فى الخارج والداخل الذين يتطوعون بتقديم برنامج العلاج، والأمثلة لا تحصى، وكأن سياسة الحكومة هى التخريب المنظم وإيهام الناس أنهم يحسنون صنعاً.

وإذا عدنا إلى السلطة وأدائها الذى تسببت فى تدهور مصر فى كل القطاعات، وجدنا الأمثلة التى يضيق عنها المقام. تكفى الإشارة إلى أمثلة من القمة والقاع لتدرك هذه الحقيقة الغريبة التى لابد أن تنال حظها من الدراسة الجادة عند خلصاء المصريين، حتى استقر الاعتقاد فى ضوء تفاقم الظاهرة أن هناك مخططاً فعلاً أتى على الأخضر واليابس فى مصر. ولو فتحنا الباب للسادة القراء لتقديم أمثلة كل فى مجاله، ثم عكفنا على دراسة الظاهرة من خلال هذه الأمثلة التى لا يمكن حصرها بقلم واحد لكان ذلك فى ظنى هو بداية تسجيل الظاهرة؛ ليسهل بعد ذلك وضع برنامج العلاج.

فسائق الشرطة أو النقل العام أو الحكومة نموذج فى سوء القيادة وانتهاك القانون، والسبب المباشر هو أن وزيره وحكومته قدوة فى انتهاك الدستور الذى أقسم الوزير ورئيس الوزراء والنواب على احترامه، وهو قسم سيلقون الحساب على حنثه أمام الله. يكفى أن يطلع السائق أو يسمع بأن حكومته تصر على تصدير الغاز لإسرائيل بأقل من سعر التكلفة، وتحاول التستر على عقد التصدير، لأنها تعلم أن ذلك جريمة ثم تنتهك الدستور فى سبيل هدفها، بل وتصر على إجهاد القضاء الإدارى وإفساده حتى يتحقق لها ذلك، وهو عمل إن تم فى أى بلد فى العالم لكان سبباً فى إسقاط الحكومة ومحاكمتها.

ومن السائق إلى كل كوادر الوظيفة حين يرى الوزير قدوة فى امتهان أحكام القضاء، بينما تطبق الأحكام على طبقة معينة من المواطنين، علماً بأن رفض تنفيذ الحكم القضائى جنحة شخصية للوزير، فإن قناعة السائق وباقى الموظفين بأنه محصن فى الوظيفة ضد الكفاءة والمحاسبة والعقاب تتأكد كل يوم. وقد أصبح المواطن يدرك أن الحكومة تسهر على الاستخفاف بعقول المصريين ويدل أداؤها على الفقدان الكامل للكفاءة، حتى صار يعتقد أن هذا المنصب يتطلب إعلاناً فى الصحف عن فئة معينة ممن يفتقدون الكفاءة والنزاهة. فإذا كان المواطن قد فقد الثقة فى برلمانه الذى تزور انتخاباته وفى حكومته التى تتشكل من فئة معينة تقفز إلى المنصب فتسئ إليه ويكون فشلها أكبر مؤهلات بقائها فى السلطة، وكلما تكشف الفساد وانقطاع الكفاءة فى الوزير والوزراء كلما نال جائزة التميز، حتى صار المنصب سبة فيمن يليه حتى لو كان ظاهره نموذجاً فى الطهارة والكفاءة. وهذا صحيح إلى أبعد حد، والدليل على ذلك أنهم يعرفون من يصلح للمنصب ومن يسعى إليه مقابل حياته تماماً، مثلما يتولى أحدهم منصباً رفيعاً فى الحزب الوطنى، مما أثار الحيرة لدى بين معرفتى التامة بنزاهة بعضهم وكفاءته وبين مسوغات توليه هذه المناصب.

إن الشعوب فى البلاد المتحضرة تثق بكل ما هو حكومى فى السلوك والخدمات والوعود مثلما تثق فيما هو غير حكومى؛ لثقتها أن الحكومة تضمن جودة غيرها والتحضر كفيل بدفع الجميع إلى احترام قانون محترم، ولكننا فى مصر أصبحنا نتمنى أن يكف الوزراء عن التصريحات التى تظهر بؤس أصحابها وعدم احترامهم لأنفسهم، كما يضع الشعب يده على قلبه مع كل تشريع جديد بعد أن هان هؤلاء على أنفسهم فهانوا على الناس.

وأخيراً لا أظن أن أحداً فى مصر يجادل فى أن الوطنية والديمقراطية قد تحولت إلى العكس تماماً مثلما كانت النظم الدكتاتورية الشيوعية تسمى نفسها الديمقراطيات فى شرق أوروبا، ومثلما توصف بعض الدول الآن بالديمقراطية فى العالم العربى وأفريقيا، وكفى ما ألحقوه بالوطنية الحقة والديمقراطية الحقة من سمعة سيئة لن يمحوها شطبها من قواميسهم حتى يعاد الاعتبار للوطنى الحق والديمقراطية التى تستحق صفتها واسمها.

تلك قضية عامة أطرحها للمناقشة المطولة؛ لأن إصلاح حياتنا سوف يبدأ بهذا الحوار المجتمعى العام يدلى فيه الجميع برأيه ويمدنا بأمثلته، لعل الله يفتح على مصرنا الحبيبة بما تستحق فى قابل الأيام.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة