حنان حجاج

شعلة الثورة ومومياء الفساد

الجمعة، 16 ديسمبر 2011 03:55 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صورة الرئيس واقفًا فى تعالٍ بجوار طرف السرير، مرتديًا بذلته الفاخرة ومحاطًا بحراسته الخاصة وبكبار الأطباء يشرحون له حالة الشاب المغطى بالكامل بالأربطة تتدلى من فمه خراطيم توصله بالحياة التى رفض ذلها وفقرها.

ربما كانت آخر صورة رسمية للرئيس التونسى بن على وهو مستقر على كرسيه الذهبى قبل أن ينفجر بركان الثورة التى أشعلها بجسده محمد بو عزيزى يوم 17 ديسمبر 2010، عندما وقف أمام بلدية سيدى بوزيد رافضًا قطع رزقه وإهانة كرامته، كان العيش والكرامة رغبة بو عزيزى وصرخته النارية فى وجه الطغاة كبارهم وصغارهم.

ثمانية عشر يومًا ظل الأطباء يحاولون إنقاذ بوعزيزى ربما لينقذوا معه النظام كله وعلى رأسه بن على، لكن بوعزيزى وحده كان يقاوم تلك الحياة ويصر على أن يظل مشتعلاً حتى آخر ذرة فى جسده، كان يريد الموت لتزداد نار الثورة اشتعالاً، ففى اليوم التالى لإشعاله نفسه أمام مبنى البلدية تحركت أولى مظاهرات الرفض والاحتجاج لتتحول لجحافل من الشعب الرافض. شعلة جسد بو عزيزى ظلت شهرًا كاملاً تمتد نارها حتى طالت قصر الرئاسة ودفعت بن على للهروب، أخيرًا هدأ بوعزيزى واكتملت ثورته واحتفلت تونس برئيسها الأول مناضلاً فقيرًا مثل بو عزيزى لم يكتمل عام الاشتعال واكتملت ثورة تونس، وغدًا عندما يقف أبناء تونس متذكرين هذا اليوم قبل عام ويباركون بو عزيزى بالدعاء وقراءة الفاتحة ولو تذكروا بن على فلن يذكروه إلا باللعنات.

فى مصر مازلنا نملك نفس الحلم ونتمنى اكتماله وسيكتمل لأن آلاف البوعزيزيين قدموا أرواحهم لتحيا مصر وستحيا وسيظل الخونة والفاسدون والحكام غلاظ القلوب ميتو الضمائر يعرفون جيدًا بيقين يقترب من الإيمان الذى لم يمس يومًا قلوبهم أنهم لن يملكوا الخلود، فالخالدون فقط هم الشهداء والأبطال، هم بو عزيزى ورفاقه.. المجد لا يأخذه إلا الأبطال والشهداء واللعنات لا يحصدها إلا السفلة ومن فى قلوبهم غلظة ومن ماتت ضمائرهم واستباحوا كرامة الناس وأعراض النساء، الحكام الموتى الذين يتشبثون بالحياة ولو على دماء الفقراء من شعوبهم لم يفطنوا ولن يدركوا أنهم موتى وأن أنابيب التغذية ومتابعات الأطباء والتقارير الدورية لا تحيى الموتى.. الحياة ليست لتلك الأجساد التى تعفنت على كراسيها وفى أسرة المستشفيات الفاخرة ينامون فيها كالمومياوات خلف زجاج لا ولن يحجب لعنات شعوبهم التى مازالت تدفع فاتورة استبقائهم على قيد حياة لا يستحقونها حياة الموتى المكفنين فى أثواب الحياة.

لن يخلدكم التاريخ وإن طالت أعماركم فالفاسدون لا يحتلون فى كتب التاريخ سوى أسطر قليلة تحوى بعض كلمات من نوعية كان «رئيسًا فاسدًا، طغى وتكبر على شعبه، نهب أموال الشعب، قمع ثورة الشباب، قتل ألف شهيد، باع أرض بلده، خان بلده...»، لكنها لعنة كل الأباطرة والفسدة أن يتشبثوا بالحياة معتقدين أنهم امتلكوا الخلود بعد أن عاشوا طويلاً على دماء الشعوب، لكنهم ربما لا يعرفون أن دراكولا قد مات أو ربما لم يكن سوى مجرد أسطورة صنعها رجال بلاط لحاكم فاسد ليغروه بالاستمرار ويحلوا له امتصاص دماء شعوبهم.

مبارك المخلوع هو بن على الهارب، هو بشار السفاح، كلهم سواء حتى لو تخيلوا أنهم قادرون على أن يحيوا، فهى حياة الموت أحسن منها بكثير، فالموت الذى حصد بو عزيزى وشباب الثورة هو موت المجد، موت الخالدين الذين يتوجون فى السماء وتتزين بهم سطور كتب التاريخ، بينما الملعونون تستوى حياتهم وموتهم مادامت اللعنة تكفن أجسادهم الهرمة.
المجد لبو عزيزى وكل شهداء مصر.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة