شاكر رفعت بدوى يكتب: جدات الغد.. والمستقبل الغامض

السبت، 19 نوفمبر 2011 06:01 م
شاكر رفعت بدوى يكتب: جدات الغد.. والمستقبل الغامض الفيس بوك

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
جدات الغد.. والمستقبل الغامض تمر الأزمنة وتتعاقب الأجيال وتتغير معها الأدوار والمسئوليات.. الصغير.. يصبح كبيراً.. والابن يصبح أباً.. والحفيد يوشك أن يكون جداً.. ويقترن بظهور هذه الأدوار الجديدة اختفاء الجيل القديم من أجداد الماضى.. ونظراً لدور الأم العظيم فى التنشئة والتربية فلقد وجدت نفسى أعقد مقارنة بين جدتى التى تتشابه مع أبناء جيلها من جدات الماضى وبين أولئك اللاتى سيصبحن جدات فى المستقبل.. وشتان بين كلتيهما.. جدات الغد نشأن وترعرعن فى أحوال ميسورة ورفاهية مفعمة بالراحة والسكون.. فلقد أحاطت بهن وسائل تكنولوجية أعانتهن وخففت لهن من حجم المعاناة التى كانت تعانيها أمهاتهن وجداتهن فى الماضى.. التليفزيون بقنواته المتعددة وبرامجه المتنوعة أصبح فرداً من أفراد الأسرة.. أما الكمبيوتر فقد أصبح صديقا صدوقاً لجدات المستقبل يتواصلن من خلاله عبر الإنترنت والإيميلات.. فلا تعجب حينما ترى أمهات وجدات المستقبل لهن موقع على الإيميل أو الفيس بوك ولا تعجب حينما تراهن يتجاذبن أطراف الحديث فى غرف الدردشة أو من خلال الموبايل، الذى أصبح بديلا عن الزيارات التى كانت تقمن بها جدات الماضى إلى الأقارب ولا تستغرب أيضًا حينما ترى جدات المستقبل يلعبن بالبلاى ستيشن.. جدات وأمهات المستقبل ينعمن بوسائل ترفيه عديدة مثل أجهزة التكييف والسيارات، وكذلك فإنهن لا يكلفن أنفسهن بجهد طهو الطعام أو إعداد الوجبات فى ظل وجود الأكلات الجاهزة والوجبات الدليفرى.. ورغم تلك الراحة والرفاهية المتناهية إلا أنهن بدأن يشتكين قبل توليهن هذا الدور المستقبلى من اعتلال صحتهن ومن ضيق الوقت على عكس ما هو متوقع.. فمن المفترض أن تلك الوسائل أتاحت لهن وقتاً أكبر يمكن به إنجاز الكثير من الأعمال.. جدتى -رحمها الله- كانت تصحو فى فجر يومها لتمارس أعمالها المنزلية، حيث كانت تقوم بالعجن والخبز، حيث إن شراء خبز من السوق فى ذلك الوقت كان يعد أمراً غير مقبول.. إلى جانب ذلك فإنها كانت تقوم بنظافة المنزل وتربية الطيور والدواجن بل والوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتى من منتجاتهم، حيث لم يكن وارداً أن تقوم جدتى بشراء الدجاج أو البيض أو الحليب من السوق.. كذلك كانت جدتى تقوم بالطهو وإعداد الطعام، ولم تكن تعتمد على الأكلات الجاهزة أو سابقة التجهيز أو المجمدة بل كانت تطهو بنفسها أحلى وألذ الأطعمة بوسائل ليست فى مستوى وسائل الطهو الحالية.. كذلك فقد كانت تقتنى ماكينة خياطة تقوم بها بتفصيل وحياكة ملابس لأبنائها.. وفوق ذلك فلقد كان جل اهتمامها ينصب على تعليم أبنائها وتربيتهم على القيم والأخلاق الحميدة.. وإلى جانب ذلك فلقد كانت جدتى تقوم ببعض الصناعات الغذائية البسيطة مثل صناعة العجوة وعمل المربات بنفسها لينتهى ذلك اليوم المشحون الملىء بالعمل الشاق والمثمر ويبدأ يوم آخر جديد بنفس العزيمة وبذات الإصرار لتورث لأبنائها وأحفادها هذه الإرادة وتلك العزيمة.. ورغم أن جدات المستقبل أكثرهن تعلمن فى المدارس والجامعات الخاصة إلا أنهن يفتقرن إلى حكمة وخبرة جداتهن اللاتى بحكمتهن كن ينتصرن برأيهن الراجح على الرغم من أن أبناءهن كانوا يحملون أعلى الشهادات إلا أنهم كانوا أمام حكمتهن يصبحون أشد الناس جهلا وأكثرهم حاجة للتعلم.. وأمام ذلك تظل علامات الاستفهام تحيط بجدات المستقبل فى إمكانية قيامهن بهذا الدور بنفس الكفاءة فى ظل تيسر الحياة وعلى الرغم من اختلاف الوسائل وتطورها إلا أن جدات المستقبل سيجدن فوق ذلك جيلا من الأبناء والأحفاد أشد تمرداً على القيم والأخلاق وأكثر إدمانًا للوجبات الجاهزة والمشروبات الغازية وأكثر ركوناً إلى الراحة والاستسلام وأشد رغبة فى الحرية المستباحة وأكثر رفضاً للنصيحة والتوجيه.. كما أنهن سيواجهن مجتمعاً يفتقر إلى القيم وإلى التراحم.. هذا المجتمع الهش لم ينتج سوى جيل يفتقد إلى القدوة والمثل الأعلى.. هذا الجيل حتماً يشعر بأنه لم يكن إلا ضحية لهذا المجتمع المادى وسيدرك مستقبلاً أن ظلماً كبيرًا قد وقع عليه جراء تلك الأمهات والجدات الأكثر روشنة، واللاتى انقسمن فى مرحلة شبابهن إلى فريقين فريق "تمراوى" يستمع إلى أغانى تامر حسنى وفريق "عمراوى" يستمع إلى أغانى عمرو دياب إلا أنهن لم يقمن بما هو متوقع منهن قياساً إلى ما كانت تقوم به جدات وأمهات الماضى.. وستمر الأيام سريعا وتتولى جدات الغد أدوارهن ولا نملك وقتها إلا أن نقول لا عزاء لأبناء وأحفاد المستقبل.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة