الرئيس السابق والنائب الحالى يشككان فى سلامة تقاريرها

مصلحة «الطب الشرعى».. عندما ينتهك الفساد حرمة الموت

الجمعة، 21 نوفمبر 2008 03:08 ص
مصلحة «الطب الشرعى».. عندما ينتهك الفساد حرمة الموت الدكتورأيمن فودة رئيس مصلحة الطب الشرعى سابقا
كتبت - إحسان السيد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄كيف تتم كتابة تقارير الطب الشرعى؟ وكيف تتم عملية التلاعب؟

إذا انهار جزء من أجزاء الأدلة، انهارت الأدلة جميعها... وفى 114 شارع بيرم التونسى بالسيدة زينب يقع مقر أهم مكان لتحقيق الأدلة التى تضع طرفى القضية على الحافة.. إما الحياة أو الموت.. أتحدث عن تقرير الطب الشرعى... الذى يحمل فى أوراقه الإدانة والبراءة معا.

أكثر من 160 ألف قضية تعرض على مصلحة الطب الشرعى سنويا للفصل فيها بواسطة أربعة أقسام.. الطب الشرعى الميدانى، المعملى، التزييف والتزوير، والمعامل الكيماوية... هذا الكم من القضايا، وشدة أهمية التقارير التى تفصل فيها تجعلنا نطرح تساؤلا «كيف تكتب هذه التقارير؟ ومن يكتبها؟».

«التقرير المبدئى للطب الشرعى» لا يحتوى على أى تفاصيل، فقط يشتمل على جميع الملاحظات المبدئية، التى شاهدها الطبيب بالجثة مثلا، وما إذا كانت هناك شبهة جنائية، سواء ظاهريا أو تشريحيا، حيث تحفظ تلك الملاحظات والصور الفوتوغرافية التى يستعين بها الطبيب لبيان ما بالجثة من آثار فى ملف القضية.. وبعدها يتم مخاطبة النيابة المختصة لإرسال مذكرة تفصيلية بظروف الواقعة والأوراق الطبية والعلاجية الخاصة بالمجنى عليه، إن وجدت، والتى تساعد فى كتابة تقرير دقيق بشكل أكبر.

لعلنا ندرك أهميته عندما حفظت قضية الاعتداء الجنسى على أطفال حضانة نورهان بالمعادى بعد أن جاء تقرير الطب الشرعى نافيا وقوع أى اعتداء جنسى على الأطفال بينما أكده التقرير الصادر من وزارة الصحة والكشف الطبى الذى أجراه أطباء شرعيون آخرون من خارج المصلحة، مؤكدين أن تقرير الطب الشرعى شابه الكثير من الأخطاء مشيرا لتعرض الأطفال للاعتداء المتكرر. تكرار تضارب التقارير فى العديد من القضايا بل غيابه فى بعض الأحيان جعلنا نسأل الدكتور كمال السعدنى، نائب كبير الأطباء الشرعيين: هل تكفى المذكرة التفصيلية وحدها لكتابة تقرير دقيق؟ السعدنى أجاب بالنفى، مضيفا أنه لا يسمح فى مصر بأن يذهب الطبيب الشرعى لمكان الحادث على الرغم من كونه أمرا عاديا بدول الخليج مثلا، مشيرا إلى أن الخبرة المتراكمة هى أساس كتابة تقرير دقيق، وللأسف المصلحة تفتقد هذه الخبرة باستثناء النواب ورؤساء الأقسام والمديرين.

بعد كتابة التقرير المبدئى تجرى مخاطبة النيابة لإرسال جميع الأحراز الخاصة بالقضية سواء كانت ملابس أو أسلحة أو أدوات تم استخدامها، مقذوفات وغيرها من الآثار المادية التى تم العثور عليها. ثم تأخذ عينات من الجثة وترسل جميعها للمعامل الطبية، وهنا ينتظر الطبيب الشرعى لحين ورود النتائج. انتظار الطبيب لهذه النتائج يؤكد أهميتها وأهمية ما تضيفه من الدقة فى كتابة التقرير النهائى، كما أكد محمد عبدالله خليل المحامى والناشط الحقوقى مضيفا: «التقرير هو أحد الأدلة التى يرتكن إليها القاضى، لكنها غير ملزمة له إذا لم يكن مقتنعا بها، وبالطبع هناك أهمية كبيرة للدلائل والأحراز التى تعين الطبيب على كتابة التقرير بشكل أكثر دقة، ولكن الأمر هنا يصعب تحديده حيث إنه هناك تلاعب كبير داخل المصلحة وبالأخص فى قضايا الاغتصاب مثل العبث بالدليل والإغراءات المادية للأطباء حتى ينتهى التقرير بإدانة شخص معين، وهو ما يفتح الباب لفساد متفاقم لا يقتصر على قضايا الكبار فحسب وإنما أى علاقات داخلية بين الأطباء والجناة تؤثر على التقرير ولو فى القضايا الصغيرة.. فقد تعرضت لذلك كثيرا فى بعض القضايا، ولا يمكن أن نستبعد ذلك، فهناك نوع من الإهانة والتأثير على القضاة وضباط الشرطة فكيف نستبعد التأثير على الأطباء الشرعيين؟».

مذكرة تفصيلية بظروف الواقعة وأوراق العلاج ومشاهدات الطبيب الشرعى من خلال الكشف الظاهرى والتشريح، هنا يكتب الطبيب «تقريره» الذى يثير الجدل فى كثير من الأحيان، مثلا حينما غاب تقرير الطب الشرعى عن تحقيقات منفذ الجميل مقر خدمة المجند عربى جبريل بحى المناخ ببورسعيد، وجاء بمحضر تحقيقات نيابة المناخ أنه ليس من المؤكد أن جثة المجند عرضت على الطب الشرعى قبل الدفن، من هنا تضاربت الأقوال حول سبب وفاته، وأيضا تضاربت تقارير الطب الشرعى وتقارير البحث الجنائى فى قضية بنى مزار والمتهم فيها محمد عبدالحميد بقتل 10 أشخاص من ثلاث أسر والتى انتهت بتبرئة المتهم، واجهنا نائب كبير الأطباء الشرعيين: أين دور المراجعة على التقارير خاصة أن هناك تضاربا، وكثيرا ما يحدث؟ فقال: إذا اختلف أحد الأطباء فى الرأى الفنى لرئيس القسم، من الممكن الرجوع للمكتب الفنى لكبير الأطباء الشرعيين، ففى بعض الأحيان تقوم المحكمة برد التقرير مرة أخرى مطالبة بإعادة قراءته بواسطة لجنة فنية وبالتالى تكون لجنة ثلاثية برئاسة كبير الأطباء التى تعتبر بمثابة محكمة استئنافيه للبحث فى الأمر بمجمله من بداية القضية وحتى التقرير الذى كتب عنها، وبالطبع هذه اللجان تكون على مستوى أرقى وظيفيا... أما الرقابة فيصعب تحقيقها بشكل متكامل، فلا يمكن مراجعة كل التقارير نظرا لنقص الأطباء ذوى الخبرة وكثرة القضايا التى تشكل حملا كبيرا، وتراجع فقط قضايا الرأى العام والأخطاء الطبية.

تأتى المرحلة الأخيرة لكتابة التقرير بعد «المراجعة» ليكتب بصيغته النهائية متضمنا جميع التفاصيل فيما يقرب من عشرين صفحة.. وهنا يؤشر عليها كبير الأطباء بالنسخ وتصدر للنيابة المختصة. هناك مبدأ قانونى يفيد بأن رئيس المحكمة هو الخبير الأعلى فى الدعوى يسلك ما يشاء، يأخذ بما يشاء حتى لو كان اتجاه الدعوى يسير فى اتجاه آخر مخالف لاتجاه تقرير الطب الشرعى الذى يقابل عادة بالاعتراض من جانب الدفاع الذى يبحث عن أى ثغرات فى التقرير لخدمة موكله، وربما يقف تأخير صدور التقرير عائقا أمام هيئة الدفاع معتبرين إياه دليلاً قوياً إذا أصابه الانهيار انهارت الأدلة الأخرى كما أشار المحامى والناشط الحقوقى محمد عبدالله خليل قائلا: «على الرغم من أنه لا يمكن الاعتماد عليه منفردا عند إصدار الحكم لكن لا يمكن فصله عن باقى الأدلة»، من هنا ظهرت المكاتب الاستشارية التى يستعين بها الدفاع للطعن فى تقارير مصلحة الطب الشرعى. الدكتور أيمن فودة، رئيس مصلحة الطب الشرعى سابقا، طرحنا عليه سؤالا: هل أنت راض عن تقارير المصلحة؟ فأجاب مسرعا: «لأ طبعا مش راضى» نظرا لضعف المعلومات التى توفرها النيابة للطبيب ونقص الأجهزة التى تتسبب فى نتائج غير سليمة، فودة يرى أن مراجعة التقارير لابد أن تتم من خلال كبير الأطباء الذى يفترض أن يكون أكثرهم علما وحنكة فى مراجعة التقارير، وتساءل: «كيف يكتب التقرير فى خمس ورقات دون أن يراجع؟» ويجيب: «نقص الخبرة يجعلنا نتوقع أكثر من ذلك، للعلم فإن كبير الأطباء الحالى حاصل على ماجستير طب شرعى فقط».

نقص الأطباء.. التلاعب.. الفساد.. عدم الدقة، أردنا أن نواجه بها رئيس مصلحة الطب الشرعى وكبير الأطباء الشرعيين الدكتور السباعى أحمد السباعى فرفض التعليق.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة