إسماعيل حسنى

هل مصر على أعتاب دولة أيديولوجية؟

الأربعاء، 13 يوليو 2011 09:40 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هل قامت ثورة 25 يناير لتقود مصر إلى الأمام، وتضع أقدامنا على طريق التقدم والحداثة، أم أنها قامت لتعود بنا عقودا إلى الوراء أو لتلقى بنا إلى المجهول؟

فبينما شهد العالم انتهاء الحقبة الأيديولوجية بالسقوط المذرى للمعسكر الشيوعى، وتبدى سوءات الرأسمالية المتوحشة مع الأزمة المالية الحالية، وتحررت شعوب العالم من ضيق الأيديولوجية وانطلقت فى تنظيم مجتمعاتها على أسس إنسانية مرنة كالحرية والعقلانية والتعددية والعدالة والمساواة وتداول السلطة، يروج البعض للعودة بنا إلى تلك الحقبة الأيديولوجية السوداء تحت شعار الدولة الإسلامية، أو ما يطلقون عليه من باب التقية والتجمل دولة مدنية بمرجعية إسلامية.

والأيديولوجية هى نسق منغلق من التفكير، يدعى كما الساحر امتلاكه رؤية شاملة قادرة على تفسير كل ظواهر الكون، وحل كافة المشاكلات الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال مجموعة من القوالب الجاهزة والأحكام المسبقة الصنع التى تمت صياغتها من أدبيات فكرة محورية كالمادية الجدلية فى الماركسية أو أى عقيدة دينية.

ولتحقيق هذه الرؤية السحرية الشاملة لا تتعامل الأيديولوجية مع معطيات الواقع الإنسانى الفعلى كما تفعل الليبرالية، بل تطلب فى سذاجة من الواقع أن يتبع تصوراتها وأحلامها وأمانيها، لهذا فهى تعيش فى حالة دائمة من البحث عن السلطة حتى تستطيع إعادة صياغة الواقع حسب تخيلاتها بقوة القانون والشرطة لأنها تعلم أن هذه التخيلات لن تتحقق من خلال التفاعل الإنسانى الطبيعى فى المجتمع المدنى.

وتكمن خطورة الإيديولوجية فى أنها تقضى على دور العقل فى الحياة، فليس للعقل قدرة على إقناع الأنظمة الشيوعية بضرورة إطلاق الحريات السياسية أو الدينية أو السماح بالملكية الخاصة، أو إقناع الأيديولوجى اليهودى بالتخلى عن حلم الأرض الموعودة الذى يقتضى تحقيقه الكثير من الأعمال الإجرامية التى تتنافى مع القيم الإنسانية، أو إقناع الأيديولوجى الإسلامى بأن قيادة الأم لسيارتها لتوصيل أبناءها للمدارس وقضاء حوائج الأسرة أكثر أمنا لها ولأولادها، أو أن تعلم الأفراد للموسيقى يساهم فى تهذيب نفوسهم ويخلق مجتمع أفضل، أو أن منع الاختلاط فى المدارس يؤدى لانتشار المثلية الجنسية فى المجتمع، أو أن إخفاء وجه المرأة بالنقاب هو إخفاء لهويتها ومحو لشخصيتها وخطر على أمن المجتمع أو أن الأديان تزدهر فى ظل الدولة المدنية الليبرالية لأنها تحرر المؤسسة الدينية من سيطرة السلطة السياسية.

كما تقضى الأيديولوجية على التنوع الفكرى وإمكانيات الإبداع والتطور والتغيير فى المجتمع، ولا تعترف بالتمايز والاختلاف بين الأفراد،‏ التى هى أهم عوامل تقدم المجتمعات وازدهار الشخصية الإنسانية‏، ذلك أنه حين تصل الأيديولوجية إلى السلطة فإنها تعتبر نفسها الممثل الشرعى الوحيد للحقيقة المطلقة، ومن يخالفها يعتبر مارقا أو خائنا‏ (فاسقا أو كافرا أو مرتدا فى حالة الأيديولوجية الدينية) مما يؤدى بالضرورة إلى قمع المعارضة والأفكار المخالفة، ومحاربة العقلية النقدية، ومن هنا جاء اقتران الأيديولوجية دائما بالإستبداد والقمع والديكتاتورية، ولا نجد فى التاريخ استثناء واحد من هذه القاعدة.

ونحن لا نتهم الإسلاميين بتحويل ديننا الحنيف إلى أيديولوجية، بل هم يعترفون ويتفاخرون بذلك فيقول يوسف القرضاوى فى كتابه "الحل الإسلامي" إن فى العالم اليوم ثلاث أيديولوجيات هى الليبرالية، والاشتراكية، والإسلامية. ويؤكد تمسكه بهذا المصطلح سىء الذكر فيقول: إن العمل الانقلابى الذى تنتظره الأمة هو إخراجها إلى أيديولوجية أصيلة متميزة لن تجدها إلا فى الإسلام.

ولقد بدأت الأيديولوجية الإسلامية باستنساخ لفظ الشمولية حرفيا من المفهوم الكنسى لشمولية المسيحية فى القرون الوسطى، مما تتبعناه فى كتابنا "علمانية الإسلام والتطرف الدينى"، ثم افتتن الإسلام السياسى مؤخرا بتعبير الأيديولوجية ولم يتحرج من إضافته إلى الإسلام، فى حين أن كافة المذاهب الإنسانية تتبرأ منه وتعتبره تعبير سىء السمعة، فيحذر كارل ماركس من أن الأيديولوجية ليست سوى وعيا زائفا، لأنها تقضى على الفكر بالجمود وتمنعه من التطور، ويقول دانيال بايبس إن الأيديولوجية تحول الدين من إيمان خالص بالله إلى نظام لترتيب القوة والثروة فى المجتمع.

وتستند الشموليات فى الأساس إلى أحلام رومانسية بالوصول إلى مجتمع العدل والمساواة والرفاهية، ولكن هذا لا يتحقق إلا بشروط تعجيزية غير قابلة للتحقيق، كشرط القضاء على الطبقية فى الماركسية، وشرط النقاء الدينى فى الشموليات الدينية.

ويلاحظ تاريخيا أن تلك الشموليات تجذب الجماهير فى بداياتها انطلاقا من مفهوم نفسى اجتماعى يسميه البعض "عسر الحضارة" ويعنى أن أغلب الناس فى الحقيقة لا يريدون الحرية، وما تفرضه من تحمل للمسئولية، لذا يرغبون فى تسليم أمرهم لنسق عملى من الفكر يقوم بالتفكير والتخطيط نيابة عنهم.

وتعتبر الشمولية الدينية من أسوأ أنواع الشموليات فى أنها بالإضافة إلى ما سبق تتدخل فى كافة شئون الحياة عن طريق فرض أنماط وقوالب محددة للتفكير والسلوك الإنسانى فى كل وأدق تفاصيل حياة الإنسان اليومية من مأكل ومشرب وملبس وجنس ولغة، بل وفى سره وعلانيته، وفى سائر إبداعاته ونزعاته الفردية، ومن ثم فهى تقوم بتقزيم أفراد المجتمع، والقضاء على تمايزهم، وتحويلهم إلى أعداد متشابهة فى قطيع.

• باحث فى الإسلام السياسى .








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة