شهرت وهبة تكتب: أميرُ فى بلاط صاحبة الجلالة

الأربعاء، 06 يوليو 2011 01:33 م
شهرت وهبة تكتب: أميرُ فى بلاط صاحبة الجلالة هيكل

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هذا المقال عن أمير صاحبة الجلالة أو أمير الصحافة المصرية، الأستاذ محمد التابعى، ورغم إيمانى بما كُتب كثيراً عن هذا الشخص العظيم الذى أسس حرية الرأى فى الصحافة المصرية، إلا أننى أجد فى نفسى من الحب له، والإعجاب به، ما يدفعنى إلى الكتابة عنه، كمحاولة للبحث عن مثيل له بين عشاق صاحبة الجلالة فى عصرنا، ولكنى حتى إن وجدت، فسيظل هو الأمير.
فمنذ 35 عاماً، وفى يوم 24 ديسمبر 1976، رحل عن عالم الكتابة والصحافة، الصحفى الكبير الأستاذ محمد التابعى محمد وهبة، الذى تُوج كأمير فى بلاط صاحب الجلالة، ولا تزال تبحث من بعده عن أمراء يملئون بلاطها.
بدأ الأستاذ محمد التابعى كتابة المقالات فى العشرينيات من عمره، وهو طالب بكلية الحقوق، وأرى أن بدايته كانت وطنية من الدرجة الأولى، فقد كان فيها معادياً للمستعمر الإنجليزى، ومدافعاً عن أبناء وطنه، ففى عام 1921، كتب مقالاً بالإنجليزية، يرد فيه على مقال فى جريدة (الإيجيبجيان ميل) الذى هاجم المظاهرات الوطنية للطلاب، ثم ظل ينتقد الإنجليز، وكتب مقالا آخر يفضح فيه الموظفين الإنجليز فى المؤسسات المصرية الذين يستنفدون موارد الدولة دون عمل.

وحينما تخرج وعمل موظفاً بالبرلمان، بدأ يكتب فى الأهرام مستخدماً لقب "حُندس"، ثم انتقل إلى روز اليوسف، وكتب مقالات سياسية، وبدون ألقاب، وقد نجح حتى كادت مقالاته تتسبب فى أزمة سياسية بين السعديين والدستوريين الأحرار، كما كان شديد الانتقاد للملك، ثم استقال من وظيفته الحكومية ليتفرغ للكتابة، وأنشأ جريدة "آخر ساعة"، وساهم فى تأسيس "المصرى اليوم"، وقد تتلمذ على يده أبرز الصحفيين المصريين أمثال الأستاذ هيكل، والأستاذين على ومصطفى أمين، والأستاذ إحسان عبد القدوس وغيرهم.
وبرغم ما مر على بلاط صاحبة الجلالة، من كتُاب وصحفيين عظماء أجلاء صادقين فى كلمتهم، إلا أنها لا تزال تتذكر أميرها وفارسها المميز الأستاذ محمد التابعى، الذى كرس حياته كلها لخدمتها، فكانت كتاباته بمثابة وثيقة تأكيد على الحقيقة، فلم يحصل على لقب "أمير الصحافة" من فراغ، حيث اشتهر بنزاهته وصدقه وتمسكه بقيمه وجرأته فى كتاباته، وأسلوبه السهل الممتنع، ولم يكتب كلمة أو ينشر خبراً إلا بعد أن تحقق من صدقه من مصادره الأصلية، كما كان أسلوبه فى الهجوم يشبه أسلوب الأمراء الشجعان، فكان يهاجم المسئولين بأسلوب ساخر ملؤه الرشاقة والتهذب والخلق، حتى كون مدرسة جديدة فى عالم الصحافة، مما يذكرنا بأسلوب بعض الصحفيين والكتاب الآن، حينما يهاجمون غيرهم من المسئولين وغير المسئولين، فإما أن يستخدموا أساليب هجومية خالية من التهذب والخلق، وإما أن يكون الدافع وراء الهجوم تحقيق شهرة أو مصلحة خاصة.
وبينما نافق كثير من الصحفيين النظام السابق والحالى، وتخلوا عن قضايا الفقراء والمظلومين، إلا أن أمير الصحافة كان يلاحق كل صور الفساد، وقال مرة: "أن رسالتى أن أحارب الظلم أياً كان، وأن أقول ما أعتقد أنه الحق، ولو خالفت فى ذلك الرأى العام"، وقد كانت علاقته بالسلطة لا يشوبها شائبة، فبينما كان فى البداية يصف الملك فاروق بأنه المأمول والمحبوب وأنه ضحية الحاشية الفاسدة، إلا أنه كان يذكر رأيه بمنتهى الصراحة فيه، ويرفض أن يسافر على نفقته، حتى لا يكون مدينا لأحد، وقد تصادم كثيراً مع السلطة منذ بدأ الكتابة، رغم أنه كان موظفاً فى الحكومة آنذاك، إلا أن هذا لم يمنعه من أن يهاجم الحكومة ورئيسها، وشن حملة صحفية ضد ملوك وملكات أوروبا، مما دفع به إلى المحاكمة والسجن، وقد كان الرئيس السابق أنور السادات من أشد المُعجبين بالأستاذ التابعى، لدرجة أن كتاب (من أسرار السياسة) الخاص به طُبع مرتين بناء على طلب الرئيس السادات.
قال الأستاذ مصطفى أمين عن أستاذه التابعى "إن مقالات التابعى كانت تهز الحكومات وتُسقط الوزارات، ولا يخاف ولا يتراجع، وكلما سقط على الأرض، قام يحمل قلمه، ويحارب بنفس القوة ونفس الإصرار"، على عكس الصحفيين المنافقين الذين أساءوا لسمعة الكتابة والصحافة، واستخدموا أقلامهم لتثبيت أقدام رجال السلطة، فى أمكانهم محاولين تملقهم، مثلما فعل أحد الصحفيين المنافقين، وكتب بأحد الصحف القومية أو بمعنى أدق "صحف السلطة"، "أن يوم عيد ميلاد الرئيس المخلوع (قبل خلعه)، هو بمثابة يوم أن وُلدت مصر من جديد".. وكأن مصر بكل ما فيها، وما مر عليها من حضارة وتاريخ وحروب وانتصارات وزعماء ورؤساء وشعب ومكانة بين العالم قد تقلصت فى شخص الرئيس، فهذا قمة النفاق والتملق والكذب والاستهتار بمكانة مصر وشعبها.
كان الأستاذ التابعى له نظرة واعية وسابقة لعصره، لأن الحدث السابق يذكرنى بمقولته فى مجلة "الجيل الجديد" عام ١٩٥٦، حينما قال "إن باب النجاح مفتوح للصحفى الذى لا يتملق الرأى العام، ويؤمن بقضيته مادام على حق، والنجاح هو الاسم النظيف"، فيا ليتك تأتى أيها الأمير لترى انعدام القيم واختفاء الاسم النظيف وسيطرة النفاق والرياء على بعض الصحفيين، ولن أتجنى وأقول بأن الاسم النظيف قد مات بموت الأستاذ التابعى، لأنه بالتأكيد يعيش بين قلة قليلة فى بلاط صاحبة الجلالة، ممن يؤمنوا برسالة الصحافة الحقيقية.
فالحكايات كثيرة عن عاشق صاحبة الجلالة وأميرها الأول، إلا أننى لا يسعنى من الوقت والكلمات أن أذكرها جميعاً، فأردت أن أذكر نقاطا بسيطة من سيرته العظيمة، محاولةً بذكرها أن ألقى نظرة على الصحفيين والكتاب فى عصر غير عصره، وأعتبر نفسى مدينةً له لأنه يحببنى أكثر فى الصحافة والكتابة، رغم أنه رحل عن عالمنا.











مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة