لا تسألوا النقاد عن أزمة النقد الأدبى

الثلاثاء، 14 أكتوبر 2008 08:00 م
لا تسألوا النقاد عن أزمة النقد الأدبى أزمة النقد الأدبى أصبحت أزمة شخصية
بقلم محمود عزت

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يمكن تصنيف المقالات النقدية التى تمتلئ بها الإصدارات الأدبية, فى ترتيب تنازلى حسب الكمية المتاحة، إلى 3 أصناف: أولها مقالات الإشادة والثناء والإعجاب الشديد الذى لا يمنع فى النهاية من ذكر "حاجة أو اتنين كده ليسوا على ما يرام" من باب إن الكمال لله وحده. يليها بفارق ضخم فى النسبة مقالات الردح المتواصل والتمزيق غير المحدود للعمل وما يستلزم ذلك من سحل صاحبه صعوداً وهبوطاً فى المقال. ثم فى النهاية وبنسبة لا تذكر، مقالات النقد الحقيقى والمتزن والموضوعى قدر الإمكان وغالبا ما يكون هذا الصنف الأخير متوافراً فقط فى إصدارات أكاديمية بلغة تحتاج إلى هوامش تزن ضعفى حجم المطبوعة.

أزمة النقد هى أزمة غير أكاديمية أو فنية على الإطلاق فى رأيى, أزمة النقد هى أزمة شخصية تماماً، بمعنى آخر هى أزمة ذاتية, وأرجو ألا يُـفهم من التصنيف أعلاه اعتراضى على وجود مقالات الإشادة والثناء أو حتى على كثافتها, على الرغم من أن ذلك لا يتسق أصلاً مع الاتفاق شبه الجماعى هذه الأيام على ندرة الإصدارات المهمة, فمن المهم من حين لآخر أن تقرأ عن عمل جيد أو مختلف، أما الممل بشكل حقيقى فأن تكون متأكداً فى كل مرة تقرأ فيها مقالة نقدية, أن الناقد لابد أنه سيشيد بالعمل ويرفعه لمصاف الأعمال الهامة أو سيتنبأ لصاحبه بمستقبل مشرق فى عالم الأدب على أقل تقدير, وبالطبع ليس المقصود هو الترويج للمقالات الشرسة التى تحتوى على قدر لا بأس به من الردح الشعبى رغم شعبيتها الواسعة لدى القراء, وإنما فقط عرض تصنيف آخر مهذب للأسباب التى أدت ربما إلى أزمة النقد التى تؤرق المبدعين المصريين.

أسباب أزمة النقد التى تؤرق المبدعين المصريين من وجهة نظرنا هى:
أولاً: لم يعد هناك متابعة من الأساس, لا أحد يقرأ لينقد, ناهيك عن جهد الكتابة ذاته, الناقد يقرأ فقط الأعمال الجيدة التى يرشحها له الأصدقاء, أو التى منحها له الناشر أو الأديب مع إهداء فاخر, أو أحياناً التى وقعت تحت يده عن طريق الصدفة, لذلك فالوقت المتاح يتم استغلاله كله فى الكتابة عن الجيد المتاح فى نفس الوقت, بدلاً من إهداره فى المتابعة أو القراءة النقدية الواسعة.

ثانياً: الناقد ليس لديه أى دافع للكتابة عن عمل ردىء, فضلا عن فكرة أنه لا داعٍ أصلاً من استجلاب عداوة صاحب العمل الردىء وناشره بل وأصدقائه ومعارفه الذين ربما يكونون نقاداً هم الآخرين, وإذا حدث وكان صاحب العمل مقطوعاً من شجرة, فمن يدرى, فالجرة لا تسلم كل مرة. هذا طبعا مع الأخذ فى الاعتبار كون المقالات مصدرا هاما للدخل للمثقف المصرى المشتغل بالأدب وهو ما سيدفعه بالتأكيد على أن يبتعد قدر الإمكان عن العداوات والمعارك درءاً للمشاكل ووجع الدماغ وللحفاظ على لقمة العيش.

ثالثا: الحفاوة النقدية لا تحتاج إلى أى جهد, لن يكلف أى أحد نفسه مشقة البحث وراء المدح وحيثياته للحكم بأهلية الناقد وسلامة حكمه, فالكل سعيد ومبسوط, صاحب العمل والناشر والموزّع ومحرر الصفحة بالجريدة, لن يكون هناك فى اليوم التالى مثلاً مقالة عن أن الناقد الفلانى فى احتفائه بالعمل العلانى قد أخطأ فى كذا وكذا من مناهج النقد ومدارسه, المدح يكلفك الحد الأدنى من الجهد والعداوة والوقت.

رابعاً: المقالة النقدية العنيفة نوعاً ما أو التى تعتقد فى رداءة العمل سيتم مقابلتها بعنف مضاد كأن الموضوع مسألة شخصية يجب تسويتها على الفور, لا عن طريق النقاش الأدبى مثلا, بل بطرح حسابات أخرى كأن يتم التشكيك فى نزاهة الناقد, وهو ما يستتبع غالبا "تسييح" عالى النبرة بشأن سوابق عمل الناقد فى الصحف الخليجية ثم البدأ فى سرد قائمة المصالح الخفية وراء هذا النقد الذى لا يمكن أن يكون صادراً هكذا لوجه الله من قلب سليم, أو ربما بشكل أكثر تهذيبا سيتم تفنيد دعاوى الناقد واحدة تلو الأخرى مع كثير من التهكم والغمز والتشكيك فى ذائقته الفنية.

وبناء على كل هذه الأسباب سالفة الذكر, لا يسعنى إلا أن أعترف أن النقاد هم آخر من يُسأل عن أزمة النقد, من أصلاً يقرأ المقالات النقدية بحق الجحيم؟, الأديب والناشر والأصدقاء على الفيس بوك؟ أم القارئ الفضائحى المتلذذ فقط بالسقطات والمعارك والاشتباكات؟ أم متابعو قائمة الأكثر مبيعاً؟ أعتقد أن الأمر هذه المرة يحتاج إلى صحوة جماعية, حملة على غرار "وقفة مصرية".. نحكّم عقلنا .. يا ننقد كلنا.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة