"جيفارا" يخاطب العالم بـ"الفيس بوك" فى ذكرى ميلاده الــ83

الثلاثاء، 14 يونيو 2011 10:50 ص
"جيفارا" يخاطب العالم بـ"الفيس بوك" فى ذكرى ميلاده الــ83 من صفحة جيفارا
كتب بلال رمضان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"أنا لستُ محررًا.. المحررون لا وجود لهم؛ فالشعوب وحدها تحرر نفسها" رسالة قصيرة وجهها الثائر الأرجنتينى إرنستو تشى جيفارا للعالم فى ذكرى ميلاده الثالثة والثمانين (14 يونيو 1928) التى تزامنت مع ربيع الثورات العربية، تلك الرسالة القصيرة يمكنك أن تجدها بعدد لا حصر له من الصفحات متعددة اللغات بالموقع الاجتماعى الشهير "الفيس بوك".

هذا الثائر، لا يمكنك أن تجد مثله على مرّ العصور من الرجال الذين شاركوا بحروبٍ وثوراتٍ لأوطانٍ ليست أوطانهم، غير أنه كان يؤمن بأنه "أينما وجد الظلم فذاك هو وطنى".

كان جيفارا اشتراكى الفكر حتى النخاع.. آمن بها وانتقد اشتراكية ستالين وخرشتشوف وخلفائهما، ورأى أن الاشتراكية والقيم الأخلاقية يجب أن لا ينفصلا، وآمن أن الثورة هدفه فى الحياة وليس الطب كما تعلم، ومن خلال اختبار حدث له أثناء غارة عندما كان مع فيديل كاستروا وجماعته فى تحرير كوبا من ظلم باتسيتا عندما انتابته أزمة ربو حادة فى غاره عسكرية فى الأدغال، فثقل عليه حمل نفسه والحقيبتين فكان لا بد من اختيار واحدة من الحقائب لتخفيف الحمل، فاختار بلا تردد حقيبة الذخيرة فأكد حبه العميق للثورة والنضال على حساب دراسته وعلمه وطبه.

وبعد تحرير كوبا من حكم باتسيتا وصعود فيديل كاسترو إلى حكم كوبا بترشيح جماعته الثورية عين جيفارا وزيرًا للصناعة وبدأ مع كاسترو رحلة بناء كوبا الاشتراكية، ثم ما لبث بعد سنوات قليلة أن فاجأ الجميع بإعلان استقالته وجنسيته، لأنه لا يحتمل العيش دون ثورة، وعمل بعبارته "لا يهمنى متى وأين أموت؟، لكن همى الوحيد ألا ينام البرجوازيين بكل ثقلهم فوق أجساد أطفال الفقراء والمعذبين، وأن لا يغفوا العالم بكل ثقله فوق جماجم البائسين والكادحين".

بالرغم من وفرة ما كتب عن إرنستو تشى جيفارا، إلا أن الكتابات التى تتناول المراحل والجوانب التكوينية فى سيرته وفكره تبقى قليلة، ولكنها لا تتناول عوامل التكوين الذاتى والتطور النفسى التى تحدو بطبيب أرجنتيتى من الطبقة الوسطى أن يركل بحبوحة العيش ليعلن ثورة لا هوادة فيها من مرتفعات سييرا مايسترا الكوبية إلى أدغال الكونغو وبوليفيا.

وكما توضح بعض الدراسات القليلة، فإن أسرة جيفارا تعود إلى أصول إيرلندية (والده) وباسكية (والدته). ويرى بعض المحللين أنه بالرغم من "أرستقراطية" عائلته، إلا أنها أصبحت من الطبقة الوسطى فى الأرجنتين بسبب العوز والخسائر المالية التى منيت بها. فبالرغم من أن جيفارا لم يعان الفقر والجوع كغيره من أطفال أمريكا اللاتينية، إلاّ أنه أيضاً لم يعاشر أقرباءه ولم يتفاعل مع وسطه العائلى، ولم يكن أصدقاؤه من ميسورى الحال بل كان منفتحاً على كافة الفئات الاجتماعية وأكثر تقرباً من الفقراء والأشقياء منهم، وتعاطف والداه مع القضايا السياسية والاجتماعية التقدمية التى عصفت بالأرجنتين والعالم فى تلك الآونة، وتضامنا بشكل خاص مع مناضلى الحرب الأهلية الأسبانية (1936 ـ 1939)، فبعد هزيمة الجمهوريين فى تلك الحرب وانتصار الديكتاتور فرانكو، لاذ العديد من المناضلين الأسبانيين إلى الأرجنتين، طالبين اللجوء السياسى، وقد ناصر والدا جيفارا هؤلاء اللاجئين، وكان لهما الكثير من اللقاءات والاتصالات مع قادتهم السياسيين والعسكريين التى عايشها جيفارا خلال سنوات نشأته المبكرة وتأثر بها.

ومن الناحية المنهجية، يمكن القول إن عوامل حاسمة ثلاثة كان لها أكبر الأثر فى تكوين جيفارا وصياغة فكره السياسى والثورى، وهى حسب ما ترى الباحثة ماريا غارسيا (الفكر الماركسى، رحلات جيفارا، تجربة غواتيمالا)، فتعرفه المبكر على الفكر الماركسى ساهم فى توجيه أفكاره وصياغة مفاهيمه وربطها بالممارسة العملية فى البحث عن حلول لمشاكل الإنسان، ومستقبله فى أمريكا اللاتينية، وكان يهدف من رحلاته المتعددة إلى تلمس الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لشعوب تلك القارة، ومعاينة معاناتهم جرّاء الفقر والاستغلال، وقمع الأنظمة الديكتاتورية التى نصبتها الأمبريالية الأمريكية فى تلك البلدان.

ويكمن الدور الحاسم للثائر أو القائد فى التقاط السمة الرئيسية للعصر، وهو ما تميز به جيفارا، وما زالت هذه السمة قائمة لم تتغير منذ استشهاده، وإن تبدل بعض ملامحها، وتتلخص فى أن الظروف الموضوعية لمناهضة الرأسمالية والنضال من أجل دحرها ما فتأت تنضج وتكتمل منذ سنوات طويلة، فقد كان تشى بحق نتاج عصره وتناقضاته الاجتماعية والطبقية (والتى ما زالت مستعرة) التى كانت تتطلب مشروعاً مناهضاً: مشروعاً فى المقاومة والثورة، يعادى الرأسمالية والإمبريالية ويصطف مع الإنسان وخياره الاشتراكى، وإذا كانت عظمة الرجال تقاس بالقضية التى يهبونها حياتهم ونضالاتهم، فإن القضية التى كرس تشى حياته ونضاله من أجلها ما زالت حية نابضة فى عروق الملايين من شعوب الأرض وفى أزقة الفقراء والمعدمين، وما فتأت أزماتها متمثلة بكافة أشكال الاستغلال والقفر والظلم، فطالما ظلت الشعوب مظلومة، فسيظل جيفارا حاضراً فى ديمومة ثورتها ومقاومتها، وطالما بقى هناك "معذبون فى الأرض" فستظل قدوة تشى جذوة تشحذ همة الجماهير وكفاحها، وكلما أمعن رأس المال فى جشعه وحروبه (بشتى أنواعها العسكرية والاقتصادية والثقافية) على الفقراء والشعوب، كلما علت صرخة جيفارا فى إشعال الثورة والمقاومة.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة