كارثة الدويقة كانت مجرد جرس إنذار..

أبراج نصير ومشروعات إعمار تعجلان بانهيار جبل المقطم

السبت، 13 سبتمبر 2008 10:13 م
أبراج نصير ومشروعات إعمار تعجلان بانهيار جبل المقطم انهيار الدويقة جرس إنذار لما هو آتٍ من كوارث - AFP
كتب شوقى عبد القادر وهمت سلامة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صخرة الدويقة لم تكن الأولى من نوعها التى تسقط على رؤوس سكان سفح المقطم من الفقراء، ولن تكون الأخيرة، هى مجرد تحذير أو كارت أصفر، لأن كل المقدمات التى بين أيدينا تؤكد أن القادم هو الأسوأ، لأن الحكومة تعالج تصدعات الجبل بالمسكنات، وهناك إصرار على أن تبقى رؤوس السادة المسئولين "أنشف" من صخور المقطم، وعلى المتضرر اللجوء إلى السماء بالدعاء.

فى المرات السابقة التى انهار فيها الجبل كان الفقراء هم الضحايا، ومن ثم كان العلاج سهلا، خاصة أن الشقق على "قفا مين يشيل"، فى المرة القادمة لن تكون الشقق هى الحل، لأن الخسائر ستكون استثمارات بالمليارات وليس بالملايين. مشروعات أقيمت وتقام بدون دراسات جدوى وبدون سؤال المتخصصين فى الجيولوجيا ذلك، السؤال البسيط: هل يمكن إقامة مشاريع فى هذه المنطقة؟
ولأنهم لم يسألوا قررنا أن نفعل، ليس نيابة عنهم، ولكن خوفا على بلدنا، وكل ما نخشاه أن يكون سؤالنا جاء بعد خراب مالطة.

الدكتور رشاد بيومى أستاذ الجيولوجيا بجامعة القاهرة يقول: هناك مشروعان يجرى تنفيذهما فى منطقة المقطم يهددان الهضبة بالانهيار، هما أبراج القلعة وإعمار، والمشروعان لهما تأثير سلبى على هضبة المقطم ككل، خاصة أنها مشاريع عملاقة وهى فى مراحل التأسيس، ووفقا لطريقة إنشائها تعتمد على الحفر العميق فى باطن التربة، الأمر الذى يساهم فى زيادة اتساع الشقوق فى الأماكن المجاورة لها، فالطبقة السطحية للمقطم عمقها 11 متراً من الحجر الجيرى وأسفلها طبقة طفلة، بالإضافة إلى أعمال الحرق والتفجيرات، التى تتم فى المحاجر. لكن كيف تقوم شركات استثمارية كبرى بإهدار أموالها على مشروعات تعرف مسبقاً أنها ستنهار؟!

يرجع الدكتور بيومى ذلك إلى أن، إنشاء المشاريع فى مصر يفتقر إلى استشارة الجهات الجيولوجية قبل الإقدام على مشروع، جميع دول العالم تهتم باستشارة الجهات الجيولوجية قبل تنفيذ المشروعات لمعرفة طبيعة التربة والتأثيرات المستقبلية لهذه المشروعات، أما فى مصر فالمسألة قاصرة على إجراء جسات للتربة، وتتم غالبا بشكل غير دقيق، على اعتبار أنها تحصيل حاصل، ويضيف بيومى: أن كل ما يقال عن صلابة أحجار المقطم غير صحيح، توافر الحجر الجيرى والطفلة والجبس من هذه المنطقة وحتى وادى حوف مرورا بالمعصرة وطرة وحلون شجع على قيام صناعة الأسمنت، وهذا دليل على تركيبتها غير الصلبة.

ويقول د. بيومى: انهيار صخور المقطم لم يكن مفاجأة لسكانه، ولا للمسئولين أيضاً، والدليل على ذلك العشرات من الأبحاث والدراسات التى أصدرتها جهات بحثية بعضها تابع للدولة تحذر من الخطر القادم، أهم تلك الدراسات تلك التى أصدرتها أكاديمية البحث العلمى، فى عام 1997 بعنوان "جيولوجية ومخاطر منطقة جبل المقطم على القاهرة" وتناولت الدراسة كافة التفاصيل المتعلقة بجيولوجيا الجبل، ومنحدراته والتتابع الطبقى له، فضلاً عن تحاليل معدنية لصخوره، وقياسات جيوفيزيائية لآباره، وقياسات رادارية لتراكيبه الجيولوجية، والغطاء الأرضى له. وأوضحت الدراسة بشكل دقيق المخاطر المتوقعة من سقوط الأحجار والانزلاق الصخرى، وتفجيرات المحاجر، وهو ما يعنى أنه كان لدى أجهزة الدولة علم بهذا الخطر، وعلى الرغم من أن الدراسات لم تحدد عمراً افتراضياً لهضبة المقطم، إلا أنها والكلام لبيومى أكدت على أن هناك العديد من العوامل التى تؤثر على طبيعة تركيبتها الجيولوجية.

سألنا الدكتور طارق عبد اللطيف، أستاذ التخطيط العمرانى بجامعة القاهرة عن أسباب كارثة الدويقة، هل هى مياه الصرف الصحى، أم تهذيب المقاول لبعض الصخور، أم إنشاء مساكن راقية فوق المقطم؟ فأجاب: الأكثر تأثيرا من وجهة نظرى هو تسربات مياه الصرف الصحى، لأنها مياه حمضية وعندما تلامس الحجر الجيرى تتحول إلى صخور قابلة للذوبان، بالإضافة إلى سوء استخدامات المياه فى الفيلات والمنازل فوق هضبة المقطم، والحدائق التى تستخدم كميات كبيرة من المياه وهذا لا يتناسب مع التكوين الجيولوجى للهضبة.

أشار د. عبد اللطيف إلى أن قانون البناء ينص على إجراء جسات أرضية، وهناك نوعان من الجسات "جسات استرشادية" تتم قبل بداية المشروع، وهناك "جسات تأكيدية" تتم بعد العمل، والقانون ينص على أن يتم إجراء هذه الجسات على مسافات 200متر. ولكن كل هذا يتم التغاضى عنه - حسبما قال د. عبد الطيف - لأنه فى حال وجود مشاكل فى التربة، يتم منع البناء وهذا بالطبع لا يحدث على الإطلاق، فهناك العديد من شركات المقاولات والأفراد يقدمون جسات ملفقة.

وشكك فى الوقت نفسه، فى فائدة مشروعات تقوية الحواف التى بدأت منذ عدة سنوات فى بعض مناطق الهضبة.

الاستشارى سيف أبو النجا، رئيس جمعية المعماريين المصرية ونائب رئيس الاتحاد الدولى للمعماريين، قال هناك العديد من المشروعات الإسكانية، تم تنفيذها بدون أن يكون هناك اهتمام بدراسة نوعية التربة، مما أدى إلى وجود العديد من المخاطر، تعانى منها مدينة الرماية والتى تضم 125 عمارة، وتعانى حاليا من الهبوط الأرضى والتشققات على الرغم من مرور عام على الانتهاء منها، وهناك أيضا مساكن مدينة مايو، وهى فضلاً عن العيوب الفنية للتربة التى أنشئت عليها، تعانى أيضا من التفجيرات التى تتم فى محاجر الأسمنت فى المناطق المجاورة لها.

أبو النجا أشار إلى أن نفس الكارثة، ستقع فى منطقة إسطبل عنتر وبنفس حجم كارثة الدويقة إن لم تفقها، فتكرار الكارثة مرة أخرى أصبح أمرا مفروغا، منه، خاصة أن هناك سوابق لانهيارات بأطراف المقطم، فمشاكل المقطم الجيولوجية معروفه منذ فترة بعيدة، لذلك علينا الاستعداد لمواجهة حوادث مماثلة، فى مدينة نصر، وشرق المعادى ووادى دجلة، وغيرها من المناطق التى تقع بالقرب من المقطم، أما الأكثر خطورة كما يقول أبو النجا هو التهديد المحتمل الذى من الممكن أن تتعرض له كبارى القاهرة، التى تقع على الطريق الدائرى بالقرب من المقطم.

ومن جانبه قال الدكتور رأفت شميس، الخبير بمركز بحوث الإسكان، إن أحمال المبانى بصفة عامة، تأثيرها على التربة، يكون بشكل عموديا وليس أفقياً، وأشار إلى أن وجود المبانى أصبح أمراً واقعياً فى المقطم، ولا يوجد لدينا بدائل، سوى سرعة الاستعانة بتكنولوجيا "متابعة المبانى الاستراتيجية" التى انتشرت فى عدد من دول العالم، وتتضمن هذه التكنولوجية، رصد المبانى عن طريق الاستشعار عن بعد بالأقمار الصناعية، على أن بتطبيقها فى البداية على جبل المقطم للتنبؤ بحركة الصخور.

د. شميس قال أيضا، إن هناك حلولا هندسية للمشاريع التى تمت بالفعل فوق هضبة المقطم، فلا بد من المسارعة بحقن الطبقات الرخوة والشقوق والكهوف الموجودة أسفل المشروع، على أن تقوم بهذه العمليات جهات مختصة لديها خبرة كافية بحقن الطبقات.

وأشار د. شميس إلى أن الجيولوجيين يتوقعون، أن تكون هناك خطورة بالفعل على جبل المقطم، لذا لابد من تتم دراسة جيوفزيائية لكى يكتشفوا الكهوف أى "الفراغات" الموجودة أسفل الحجر الجيرى، الذى يؤدى إلى الانهيارات السهلة فى داخل المقطم قبل البدء فى تنفيذ أى مشروع.

الصخرة فى سوق العقارات
لا يبدو أن السوق سينتظر حتى تتم هذه الدراسات، حيث فجر الانهيار أزمة عقارية جديدة، تسببت فى إهدار المليارات وخسائر لا تقدر بثمن، نتيجة توقف السوق العقارية نهائيا فى هذه المنطقة بعد الحادث، وألغيت العديد من طلبات شراء العقارات فى المنطقة، وليس ذلك فحسب فحتى أصحاب البيوت والمشروعات العقارية التى لم تتأثر بالحادث إما توقفوا عن العمل أو بدأوا فى عرض عقاراتهم للبيع، وهو ما سيؤثر بدوره على مستقبل التنمية العقارية بالمقطم.

عمرو والى عضو رابطة المستثمرين العقاريين قال إن، كارثة الدويقة كشفت فشل الحكومة فى الاستفادة من منطقة المقطم كسوق عقارية كبيرة، مؤكدا أن الاستثمار العقارى بالمنطقة سيتأثر كثيرا وسيؤدى هذا إلى عزوف الكثير من المستثمرين وأغنياء مصر عن الشراء فى هذه المنطقة، كما أن الحكومة ملتزمة بتعويض الأسر المتضررة بشقق بديلة فى أماكن أخرى، مشيرا إلى أنه رغم وقوع الانهيار بالدويقة الذى لا يشمل منطقة المقطم بالكامل، إلا أن كثيرا من أصحاب الشقق والفيلات يعرضون الآن ما يملكونه للبيع، خوفا من أن تحدث هذه الكارثة بالقرب منهم، مما سيؤدى إلى إهدار مليارات من الجنيهات التى تم استثمارها فى هذه المنطقة، مؤكدا أن الانهيارات لن تضر سكان باطن الجبل فقط، لكنها ستمتد إلى السكان فوق الهضبة، حيث تنتشر التشققات التى تصل إليها أساسات المنازل والفيلات.

وقال مصطفى العيسوى صاحب مكتب للسمسرة بالمقطم، إن الانهيار سيؤثر بشكل كبير على الاستثمارات بالمنطقة، إلى جانب أن سوق العقارات والأراضى بالمنطقة تشهد أساسا حالة من الركود فى الشهرين الأخيرين، وأرجع السبب فى هذا الركود إلى عدم وجود سيولة، بالإضافة إلى الغلاء بصفة عامة.

وأشار العيسوى إلى أن، سعر المتر فى شقق المناطق الراقية بالمقطم، كما فى الهضبة الوسطى قبل الحاثة بلغت ما بين 3٠٠٠ و35٠٠ جنيه للمتر المربع، فى حين بلغت ٧٠٠ و٨٠٠ جنيه فى المناطق الشعبية، كما فى منشأة ناصر والدويقة والونش، ومعظمها بنظام الإيجار الجديد، إلا أنه بعد الحادث تراجعت هذه الأسعار كثيرا حتى إن البعض قام بالاستيلاء على الأراضى وبناء منازل عليها، وتأجير حجراتها مقابل ٥٠ و٦٠ جنيهاً شهرياً، خلال الأيام الماضية فقط.

من ناحيته أبدى المهندس محمود أبو الليل، صاحب شركة عقارات بالمقطم، قلقه من أن يؤثر الانهيار على سوق العقارات فى منطقة المقطم، وقال إن ما حدث من انهيار جاء بسبب تجويف البعض للجبل وبيع أحجاره، وهو ما يظهر بوضوح على حوافه المتآكلة، وأخشى أن يؤثر الحادث على التنمية العقارية بالمنطقة، لأن السوق فى حالة ركود ولا تحتمل أى اهتزازات جديدة، بعد أن ارتفعت تكاليف البناء، وأسعار الحديد والأسمنت، وارتفاع الأسعار بصفة عامة، بحيث وصل سعر متر الأرض فى بعض مناطق المقطم إلى ٤ آلاف جنيه، والمتر المربع بالشقق إلى ٣٠٠٠ و٣٥٠٠ جنيه، ليصل سعر بعض الشقق إلى نصف مليون جنيه، مما أدى إلى إحجام المشترين عن الشراء.

أكد أبو الليل، أنه بمساعدة بعض زملائه عرضوا على محافظة القاهرة دعم بعض مناطق الجبل، من خلال زراعة مسطحات خضراء تعمل على تثبيت التربة، كما فى جبال لبنان، لتصبح منطقة المقطم مزاراً سياحياً يحقق رواجاً جيداً، مضيفا أن الحكومة أهملت المقطم، لدرجة أن ميدان النافورة والشوارع المتفرعة منه غارقة فى مياه الصرف الصحى، ولكن الحكومة اعتادت التحرك بعد وقوع الكارثة.

لمعلوماتك
متوسط ارتفاع المقطم 240 مترا وأقصى ارتفاعه هو 375 مترا عند جبل وادى حوف.
اندثرت معظم المدن التى أقيمت على امتداد المقطم، بسبب الطبيعة الجيولوجية مثل الفسطاط التى استمرت 112عاماً، والعسكر التى استمرت 119عاما، القطائع استمرت 39عاماً.
4ملايين متر حصلت عليها شركة إعمار فى هضبة المقطم.
70.000 متر مساحة مشروع أبراج القلعة الذى يضم ثمانية أبراج.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة