محمد بركة يكتب

فيفى عبده .. قمر الحارة الشعبية!

الجمعة، 12 سبتمبر 2008 05:03 م
فيفى عبده .. قمر الحارة الشعبية! فيفى عبده تتألق فى دور بنت البلد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ذات يوم زارت أنطون تشيخوف (1860 – 1904) سيدتان أنيقتان، بهدف تجاذب أطراف الحديث والدردشة مع الكاتب الروسى الأشهر فى منزله... حرصت السيدتان على استخدام أكبر قدر من العبارات الفرنسية فى حديثهما، فقد كانت – حتى فى ذلك الزمن – كلمات مثل "بونجور" و "بونسوار"، و "ترى ميرسى مسيو" دلالة على الانتماء إلى الطبقة الأرستقراطية فى موسكو، وبما أنهما فى حضرة أحد أهم مثقفى العالم، فقد حاولت السيدتان، وهما صديقتان حميمتان بالمناسبة، أن تطرحا موضوعات "جادة" للنقاش وأن توضحا لصاحب المؤلفات الخالدة فى القصة القصيرة والمسرح أنهما على دراية ووعى بـ "الهموم الكبرى" التى تشغل عادة الأدباء والمفكرين.

سألتا تشيخوف – على سبيل المثال – حول رأيه فى الحرب الدائرة آنذاك بين روسيا وتركيا، فأجاب بكل بساطة: سينتصر فيها من يتغذى جيداً ويتمتع بصحة أفضل! وهنا سألهما تشيخوف حول إذا ما كانتا تعرفان طريقة صنع نوع معين من الحلويات، اشتاق له ولم يذقه منذ زمن، وعلى الفور انقلب الحال، تخلت السيدتان عن الابتسامة المصنوعة والجلسة المتكلفة، وراحتا تدليان بوصفات تفصيلية حول طريقة صنع هذه الحلوى وأشهر الأخطاء الشائعة فى هذا الصدد.

لقد استطاع تشيخوف بحسه الإنسانى العميق أن يمحو حالة "الافتعال" لدى السيدتين ويفتح معهما نوافذ إنسانية تطل على التلقائية والبساطة، فبداخل كل منا كنزه الخاص، وليس مهما أن نتجمل فى عيون الآخرين، بل المهم أن نكون على سجيتنا، باختصار أن نكون نحن.. نحن. ... لا أعرف لماذا أتذكر هذه الحكاية التى قرأتها منذ سنوات بعيدة كلما شاهدت الفنانة فيفى عبده فى مسلسل جديد، إنها مثل السمك، تموت فنياً إذا عاشت خارج الماء، والماء هنا هو أدوار بنت البلد، خصوصاً "المعلمة" فى السوق.

لا أعرف بالضبط ماذا يحدث لفيفى عبده حين ترتدى جلابية ضيقة قليلاً، مخططة بألوان مبهجة تحت ملاية لف سوداء بنفس لون طرحة على رأسها، تظهر بعض خصلات شعرها الناعم الطويل. إنها لا تتوحد مع الشخصية بل تصبح هى نفسها الشخصية.

انظر إليها فى مسلسل "قمر" وهى تقتحم المكان فى حلقة السمك على المعلم الخائن اللئيم وتمطره بوابل من الشتائم تقريعاً له على نسيانه لأصول الرجولة و"المعلمة". انظر إليها وهى تقود مجموعة من "النسوان" لتأديب بلطجية المعلم، وانظر إليها – أخيراً وليس آخراً – وهى تكشف عن ضعفها كامرأة وحيدة فتنهار من البكاء بسبب خيبة أملها فى بنتيها المدللتين، تضربهما وتحتضنها وتلطم خديها فى فاصل من التألق الإبداعى الغريب.

تتمتع فيفى عبده بصوت أجش، ونبرة حقيقية لا تعرف الميوعة، كما تتمتع بإحساس عالى بالغلابة و"المظاليم" وقدرة استثنائية على تجسيد أشواقهم لزعيم يأخذ لهم حقهم من "الظَلَمة" حتى لو كان هذا الزعيم "واحدة ست" أو "مَرَة" على حد البلاغة الشعبية والطلاقة العامية لفيفى عبده، وهى تنطق هذه الكلمة ببراعة.

تستولى هذه الفنانة القديرة على قلب وعقل المتفرج حين تتوعد أعداءها مثل نمرة جريحة، وتخطف الكاميرا حين تشخلل "الغوايش" فى يدها وتهتز "الحلقان" الواسعة الكبيرة فى أذنيها. ويظل يحسب للمخرجة إيناس الدغيدى اكتشاف هذا الجانب فى فيفى منذ سنوات بعيدة فى فيلم "امرأة واحدة لا تكفى".

لهذا تظلم فيفى عبده نفسها كثيراً حين تفقد البوصلة وتتوه وسط صحراء الفن، فنراها فى دور "رئيسة تحرير" أو "سيدة أرستقراطية" تعانى الملل، وتقع فى غرام شاب صغير السن، ومع أننى لا أنكر عليها حقها فى التجريب والتنويع، إلا أننى أنكر عليها أن تفقد نقطة قوتها وتتورط فى أدوار مضحكة لا تثير إلا السخرية.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة