قضاة: الحصانة للقضاء وليس للقاضى.. وسرية المحاكمة لحفظ هيبة القضاء أمام المجتمع

لماذا عزل الرئيس 26 قاضياً خلال عام واحد؟!

الخميس، 04 سبتمبر 2008 09:27 م
لماذا عزل الرئيس 26 قاضياً خلال عام واحد؟! مكى أكد أنه لا حصانة للقاضى خارج المحكمة
تحقيق سحر طلعت ورشا ربيع

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منصة القضاء، هى المكان الذى يلجأ إليه أصحاب الحق ليحصلوا على حقهم. وأمام القاضى لافرق بين مواطن فقير أو غنى، ضعيف أو قوى، حاكم أو محكوم.. وعندما يصدر القاضى حكمه فهو عنوان الحقيقة أمام الخصوم، القاضى ممثل السلطة القضائية، إحدى السلطات الثلاث الأساسية، والقاضى يصدر حكمه استنادا للقانون. وبالرغم من أنه لا يمتلك إلا قلماً رصاصاً يخط به الحكم، فإن الحكم يغير مواقع قانونية، يثبت ملكية أو ينفيها. يحبس شخصا أو يقضى عليه بالإعدام. أو يبرئه. لكل هذا يحصل القاضى على الحصانة.بالدستور، تنص المادة 168 من الدستور على أن "القضاة غير قابلين للعزل، وينظم القانون مساءلتهم تأديبيا". وهذه الحصانة تتعلق بعمل القاضى، ولا تمتد إلى خارج المحاكم. وتسقط إذا خالف القاضى شروط العقد الدستورى الذى يمنحه الحصانة.

هناك حالات لقضاة صدرت بحقهم قرارات جمهورية بالعزل والنقل إلى وظائف غير قضائية، بما يعنى سقوط الحصانة عنهم، لأنهم ارتكبوا ما يسيء لوظيفتهم. 26 قراراً جمهورياً بإحالة 26 قاضياً ووكيلا للنيابة إلى وظائف غير قضائية.. يصدر هذا القرار بناء على توصية وزير العدل، يأخذ قوته القانونية بعد النشر فى الجريدة الرسمية التى نشرت خلال 12 شهرا فقط 26 قرارا بعزل قضاة. وبالرجوع إلى الدستور وقانون السلطة القضائية، نكتشف أن القاضى أو وكيل النيابة غير قابل للعزل إلا إذا ارتكب مخالفة أو أدين فى قضية تسيء لصورته، أو ارتكب ما يخل بالوظيفة.. وتصدر كل القرارات بصيغة واحدة هى "بعد الاطلاع على الدستور والقانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية وبناء على ما عرضه وزير العدل.. قرار.. ثم ينشر فى الجريدة الرسمية وعلى وزير العدل تنفيذ القرار".

القرارات الجمهورية بنقل القضاة إلى وظائف غير قضائية، تصدر بناء على توصية وزير العدل، ومن دون شرح للأسباب. ومن حق القاضى الطعن على القرارات أمام المحكمة التأديبية ومجلس الدولة.هناك تتكشف بعض التفاصيل. القرارات كلها تتعلق بارتكاب القاضى أو وكيل النيابة لأفعال أو مخالفات أو جرائم ضد المجتمع، وتستلزم العقاب طبقا للقانون. وكلها تسىء إلى صورة القاضى، كشخص من دون أن تنسحب على صورة القضاء وهيبته. فالرشوة أو التزوير أو التدخل لصالح أحد الخصوم، وأحيانا التأخر فى سداد قرض أو التلاعب فى ضمانات الحصول عليه.

المحكمة التأديبية أمامها قضية تتعلق بضبط مستشار بهيئة قضايا الدولة فى وضع مخل بالآداب مع سكرتيرته فى شقة. انتهت بعزله من وظيفته القضائية، على اعتبار أنه سلك سلوكا يتنافى مع حسن السير والسمعة التى يجب أن يتمتع بها من فى مثل منصبه.هيئة قضايا الدولة تلقت نسخة من التحقيقات، وأجرت إدارة التفتيش الفنى تحقيقا، انتهى بإحالته إلى مجلس التأديب وعزله من وظيفته بعد افتقاده لشرط صلاحيته من حسن السير والسمعة الطيبة. مجلس الدولة ينظر قضايا أخرى إحداها تخص المستشارين "ع. ف. ع. وص. ا. س" اللذين أحيلا إلى مجلس صلاحية، وتقرر نقلهما إلى وظائف غير قضائية بعد دخولهما فى قضايا انتقال بين العقائد أثرت بالسلب على عملهما.

واقعة فساد دارت تفاصيلها داخل هيئة النيابة الإدارية "القضية رقم 7704 "، "ع. ا". أحد رؤساء النيابة تم نقله إلى وظيفة غير قضائية بعد اتهامه بالتلاعب والتزوير لصالح مجموعة من الأشخاص. وطلب تسجيل أقوال لأشخاص لم يحضروا أمام النيابة. وتدخل لدى مسئولين لسحب جزاءات على مخالفين. وهناك حالة "م. ع. ب" ، نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية، الذى حصل على قرض بقيمة 700 ألف جنيه بضمانات مزورة، ولم يسدد القرض، وأحيل لعدم الصلاحية.

قضاة ورؤساء محاكم سألناهم عن العزل وقواعده والسبب فى سرية المحاكمات.. المستشار أشرف البارودى رئيس محكمة الاستئناف ورئيس نادى قضاة طنطا، يرى أن القاضى غير قابل للعزل من وظيفته بقرار من سلطة رئاسية أو تنفيذية أو ممثليها. ولا تناقض بين المادة 110 التى تنص على عدم قابلية القضاة للعزل والمادة 67 التى تنص على محاسبة القضاة تأديبيا، لأن الأخيرة تضع الإجراءات التى تتخذ ضد القضاة وتضمن عدم وجود شبهة تعسف فى محاكمة القاضى. المستشار البارودى مع علانية المحاكمة للقضاة بتحفظ، ويرى الاكتفاء بالحكم النهائى، وليس بالإجراءات حتى لا يفقد الناس ثقتهم فى القضاء. وهذا لا يمنع من إحاطة الرأى العام بما يجرى لأن أصل الحماية للقضاء وليس للحصانة فى حد ذاتها.

المستشار محمود مكى نائب رئيس محكمة النقض، يرى أن الحصانة القضائية مشروعة، بشرط أن تكون فى إطار عمل القاضى وداخل أسوار المحاكم. حتى يضمن القاضى للناس حقوقهم دون تدخل من أى سلطة، وعليه لا تملك السلطة التنفيذية إمكانية عزل أى قاض من وظيفته بغير طريق التأديب. أما خارج المحكمة فإن القاضى شخص عادى يعيش بين مواطنين له ما لهم، وعليه ما عليهم، وإذا أخطأ يجب أن يساءل جنائيا أو إداريا. ويؤكد مكى أنه ليس مع قصر التحقيق على التفتيش القضائى فقط، ويقول: أرى أنه من حق محاكم الجنايات مقاضاة القاضى إذا خالف ضميره أو ضبط متلبسا أو عرف عنه انتماؤه لاتجاه سياسى معين، أو اشتهر عنه سوء السمعة أو صفة تفقده حياده أو نزاهته، وليس معنى تمتع القاضى بالحصانة أن تقف الحصانة أمام نزاهته وحيدته وحسن سمعته.

مكى يعترض على أن يكون لوزير العدل حق عزل القضاة، فالقانون لا يعطيه هذا الحق وإنما هو أداة تنفيذ فقط، وإلحاق التفتيش بالوزير غير دستورى، ويقترح أن يكون دور التفتيش فى حالة المخالفات الإدارية أو التقصير المهنى وأن تكون لمحاكم الجنايات حق مقاضاة القاضى إذا تلبس بارتكاب جريمة.

وفيما يخص سرية جلسات المحاكم، يرى مكى أن تكون الجلسات علنية: أنا مع الإعلان فى كل الأحوال، والسرية التى ينص عليها القانون فى مادته 106 هى سرية جلسات وليس سرية النتائج والأحكام، لأن عدم الإعلان عن تحويل القاضى إلى "عدم الصلاحية" يعد نوعا من التستر على المخالفين، ولهذا طالبنا بعلنية جلسات محاكمتنا أنا والبسطويسى، وكانت أول محاكمة علنية فى تاريخ القضاة ومن حق الناس أن يعلموا من هو الشريف وغير الشريف حتى يطمئنوا لنزاهته.

المستشار عبد المنعم أحمد رئيس نادى قضاة أسوان، يقول إن الحصانة لا تعنى التعدى على حقوق الآخرين بلا سبب وهى حصانة مشروطة بحسن السير والسلوك. مشيراً إلى أن للنائب العام حق إبلاغ المجلس الأعلى للقضاء بطلب رفع الحصانة عن القاضى المذنب أو الذى يفترض ارتكابه خطأ يضر بسمعته وبثقة المتقاضين فيه.عبد المنعم يرى بخصوص العلانية والسرية أن يعامل القاضى مثلما يعامل الآخرون فإذا أذنب وتم التحقيق معه يجب فضح ذلك وجعله عبرة لغيره وللناس.

المستشار أحمد السبحى نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس الجمعية العمومية للفتوى، يرى أن: القاضى شخص طبيعى ربما يخطئ ولمجلس القضاء حق مساءلته على خطئه أما باللوم أو النقل لوظيفة غير قضائية أو بالعزل إذا تطلب الأمر. مشيراً إلى أنه بعد قضية مكى والبسطويسى أصبح التقاضى فى الصلاحية على درجتين وأصبح من حق القاضى معارضة الحكم، فإذا أيدت الدرجة الثانية من القضاء الحكم أصبح النقل إلى وظيفة غير قضائية أو العزل واجبا.

المستشار محمود سليمان السليمى رئيس محكمة الاستئناف السابق، يرى أن دور وزير العدل هو الفصل فى الشكوى المقدمة للتفتيش القضائى وبعدها يحال القاضى إلى لجنة تأديب. وعندما سألناه: هل للرقابة الإدارية مثلا أو أى جهة رقابية تقرير عزل أو محاسبة القاضى؟ قال ليس للرقابة الإدارية أى دور فى عزل القضاة، وهو أمر ثابت بحكم النقض.وفيما يخص الذمة المالية أو انحراف للقاضى فإن النيابة العامة تحقق فيها وترفع الأمر لمجلس القضاء الأعلى ومجلس التأديب. ويرى أن الإحالة إلى لجان عدم الصلاحية تتعلق بنزاهة القاضى وحيدته واللجان تفصل فى القضايا وتحدد العقاب وما إذا كان لوما أو عزلا أو إحالة لوظيفة غير قضائية.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة