فرانسوا باسيلى

هل يثور الأمريكيون كالمصريين؟

الأحد، 03 أبريل 2011 01:08 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سؤال يبدو غريبا، ولكن بعد ثورة مصر المدهشة علينا ألا نستغرب أى شىء.
حين أسست مصر القديمة أول دولة فى التاريخ عام 3200 قبل الميلاد، علمت العالم كيف يبنى الحضارة ويقيم المدنية، لذلك سموها أم الدنيا، وعندما ثارت مصر فى 25 يناير 2011، علمت العالم كيف يثور، فإذا بشعوب الأرض تقف مبهوتة تتابع بأنفاس لاهثة كيف يثور شعب مسالم شهد له الجميع بالطيبة والعذوبة وحب المرح والدفء الإنسانى، فإذا به ينتفض دافعا بالملايين من أبنائه، شبابا أولا ثم كهولا ورجالا ونساء وأطفالا من كل الأطياف والألوان والفئات والأديان، إلى شوارع مدن مصر الرئيسية كلها فى نفس الوقت، يقابلون جحافل جنود الأمن المركزى بخوذاتهم وهراواتهم ودروعهم وخراطيم مياههم ورصاصهم المطاطى والحى بصدور عارية فى بسالة أدهشت ثم أرعبت الجنود واضطرتهم بعد أربعة أيام من الثورة المتواصلة التى لا تهدأ إلى الانسحاب والاختفاء.

لقد دخلت ثورة مصر تاريخ الثورات العالمية للإنسانية جمعاء، وأصبحت مصدر فخر المصريين كلهم سواء داخل مصر أو من كان بالخارج مثلى، الذين ارتفعت رؤوسهم زهواً بهذه الثورة الفريدة المدهشة.

لقد ظل شى جيفارا بصورته الشهيرة رمزا عالمياً للثوار فى كل مكان على مدى نصف قرن، والآن احتل الثائر المصرى هذه المكانة العالمية بلا منازع.

فى ولاية فيسكونسين الأمريكية بعد حوالى شهر من نجاح الثورة المصرية، وقع صراع سياسى كبير بين حاكم الولاية الجمهورى وقطاع من المواطنين وخاصة من المدرسين وأعضاء النقابات الحكومية بالولاية، إذ أراد الحاكم أن يجرد النقابات من حقها فى التفاوض الجمعى لزيادة المرتبات والمزايا الأخرى، وكان أن ثار المواطنون على الحاكم وقاموا بمسيرات ضخمة رفعوا فيها لافتات تقول "حاربوا كالمصريين Fight like an Egyptian" كما دخلوا إلى دار البرلمان فى الولاية واحتلوا قاعته الكبرى ونصبوا فى وسطها لافتة كتبوا عليها "ميدان التحرير Tahrir Square " وكانت هذه إشارات مذهلة لمدى تأثير الثورة المصرية- بأسماء رموزها ومواقعها الميدانية- على العالم كله وعلى كل الرافضين المتمردين.

لم ينجح "الثوار" الأمريكيون فى تحقيق أهدافهم وأقر برلمان الولاية، بعد التصويت، برنامج الحاكم الجمهورى، وقد يلجأ الثوار إلى القضاء لإنصافهم، وكثيراً ما يفعل، وعندها ينصاع الحاكم وينفذ الحكم القضائى، ليس كما كان يفعل مبارك بتجاهله لأحكام القضاء، لهذا لا تحدث الثورات فى أمريكا، إذ تقوم بها جمهورية ديمقراطية لم تنقطع على مدى 235 عاماً، يخضع فيها كل المواطنين، وأولهم فى الخضوع الرئيس وكبار المسئولين، للقانون بشكل حاسم وصارم، يعاقبهم القانون حين يخطئون ويقيلهم الشعب بصندوق الانتخاب فلا يحتاج للثورة عليهم، وما نريده لمصر أن تنتفى فيها الحاجة للثورات فى المستقبل.

والتحدى الآن هو هل سنستطيع أن نبنى دولة حديثة ومجتمعاً جديداً يكون فيه القانون هو السيد الآمر الناهى بما يعنى صعود مصر إلى المكانة الرفيعة التى تستحقها فى العالم المتحضر؟ هذا التحدى مازال قائماً لم يحسم بعد، إذ فوجئنا بمن قاموا "بتطبيق الحد" على مواطن فى صعيد مصر بأن قطعوا أذنه! ثم يعقد المسئولون جلسة صلح بين عائلتى المعتدين والضحية! فلا تطبيق للقانون ولا يحزنون! فهل هذا أسلوب دولة حديثة أم "قعدة مصاطب" فى قبيلة فى زمن غابر؟

هذا السلوك البدائى من قبل الأهالى والمسئولين على السواء هو من إرث الأمية والجهل المدنى والدينى والعشوائية الفكرية والسياسية التى تركها النظام الساقط تعشش فى المجتمع وكانت معظم كتاباتى فى السنوات العشر الماضية ضد النظام فى الأساس بسبب هذا، وأعرف أن هذا لن يتغير بين ليلة وضحاها، ولكن علينا أن نبدأ، وتطبيق القانون بحسم على الجميع، بعيدا عن المصالحات والقبلات، هو المدخل الأساسى للدولة العصرية.
* كاتب مصرى مقيم بالولايات المتحدة











مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة