محمد فهيم

مُـلك الظالم أبداً لا يدوم

الأحد، 23 يناير 2011 01:29 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم يذكر تاريخ الجبابرة من البشر أقسى ولا أشد ضراوة مما فعله الطاغية "هولاكو"، القائد الهمجى التترى الذى قتل أكثر من 2 مليون مسلم فى بغداد وحدها، ودمر حاضرة لم ينسَ لها المنصفون من فضل على البشرية، ولكن عندما نتأمل لحظة فى خطاب أرسله هولاكو إلى "سيف الدين قطز" سلطان مصر قال له فيه "أنتم حكام المسلمين أكلتم الحرام، وخنتم العهود والإيمان، وثبت عندكم أننا الكفرة، وثبت عندنا أنكم الفجرة، فنحن جند الله فى أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من حل به غضبه" إذا أحكمت ميزان العقل فى الرسالة تجد أن هذا ليس كلاما لمصاص دماء، بل لحكيم فهم ودرس ووعى حال المسلمين، وأيقن أنهم شطوا عن المنهج والنهج الذى جعلهم سادة العالم، ودرس حال حكامهم فوجدهم فى رغد من العيش، يهنئون بما لا تجده شعوبهم التى ذلها الجوع، ووعى أنه عقاب الله لمن خرج عن الطريق.

فها هو عندما دخل بغداد أتى بآخر خلفائها "المستعصم" ‎- الذى ترك أمر الخلافة للخدم والجوارى، وعاش فى أحضان الغانيات وأهمل شئون الرعية، فانتشر فيهم الجوع والمرض، وسرح الجيش ومنع عنه رواتبه، وطرد العلماء من مجالسه وشردهم فى دروب الأرض يبحثون عن القوت، واستبدل بهم الجهلة والسفلة وأهل الفجور، فسأله هولاكو عن أموال المسلمين التى عنده فأعطاه كل ما لديه من مال، فوهب هولاكو لقواده هذا المال، وقال له أين ما خباته ليوم كهذا؟ فإذا بالمستعصم يرشده إلى حوض مملوء بالذهب الأحمر مدفون فى باطن قصره ‎- بينما شعبه يتضور جوعا ‎-، فأخذ هولاكو الخبيئة وبنى بها قلعته فى أذربيجان، وفاز بما جمعه أمراء العباسيين طيلة 5 قرون من دم فقراء المسلمين، وضم إليه 1700 جارية وزوجة كانت للمستعصم وحده ‎- بينما شباب عهده لا يجدون ما يحفظ لهم دينهم ‎- فأخذهم جميعا سبايا، وقتله جنود هولاكو ركلا بأحذيتهم، واستحقره الحقير هولاكو لما رآه منه فى حق نفسه وشعبه، فأبادهما معا وكأنه أراد أن يقول "ما استحق الحياة حاكم عاش لنفسه، وما استحقها أيضا شعب رضى أن يذل ويهان"، فقتلهم حتى سبحت الكلاب الضالة فى شوارع بغداد فى أنهار من الدماء.

فأكد هولاكو قول الله عز وجل "وما كان ربك مهلك القرى وأهلها مصلحون"، وأكد كلام أحد الحكماء "الملك قد يدوم مع الكفر ولكن لا يدوم أبدا مع الظلم".

ونسأل اليوم لماذا دمر الله بغداد ثانية، وقضى على أحلامنا فى استعادة فلسطين وضاعت لبنان والسودان، وضاع من الإسلام مجده، ومن الدين عزه؟ لأن حكامنا نسوا أن الحاكم العادل أول من يستظل بعرش الرحمن، وسطت على قلوبهم الجاحدة، وعقولهم البلهاء، شهوة الحكم وزينة الكرسى، وحسبوا أنهم هم الخالدون، ونسوا أن القبر ليس له أبواب، وأن الكفن خال من الجيوب، وأن كل راع مسئول عن رعيته.

كما أن أوروبا والغرب لم ينسوا ولن ينسوا أن الإسلام هو الذى قص أظافرهم القذرة وقطع أيديهم المتلصصة التى آثرت أن تطوى الأرض تحت إرادتها، لذا فالحرب قائمة وممتدة إلى يوم الدين، وهم يعلمون ذلك، ولكننا ننسى ونتجاهل ونصم الآذان حتى عن حلم إسرائيل الكبرى، ويتوهم حكامنا بأن الحلم قائم بما يدعونه من أوهام للسلام وندآت كاذبة للمحبة والتلاقى.

كما أن حكامنا أعلوا من شأن أنفسهم وخفضوا من شأن الدين وعلمائه تماما كما فعل المستعصم، ولنر ما فعله الحبيب بورقيبة الرئيس التونسى الراحل عندما ضاق ذرعا بفريضة صوم رمضان، فطلب من أحد علماء تونس الأجلاء أن يقلل من شأن رمضان، ويبين أثره فى ضعف الإنتاج ليلغى شرع الله، فخرج الشيخ الجليل على شعب تونس فى التليفزيون، وقال عكس ما أراد بورقيبة "شهر رمضان أقبل عليكم وهو فرض الله فصوموه، وصدق الله وكذب بورقيبة" فما كان جزاؤه إلا الحبس والموت فى سبيل الله، فضرب بورقيبة المثل فى الخروج عن المنهج، والتنكيل بالعلماء، وضرب العالم الجليل المثل فى عدم الخضوع والخنوع أمام سلطان وجبروت الحاكم.

واليوم فى مصر ها نحن نعلى شأن التافهين ونرفعهم فوق الرءوس ونمنحهم أوسمة الإنجاز ونياشين التقدير ونضن على عالم أزهرى‎ كالدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر السابق ‎_ له ما له وعليه ما عليه ‎_ بالعلاج على نفقة الدولة، بينما الدولة تعالج تساقط شعر الرموش والحواجب وتنفخ النهود والشفايف، وفعلنا كما فعل المستعصم فحق علينا عقاب الله من أعدائنا، كما فعل التتار من قبل وكأن تاريخ الأمم والممالك ليس عبرة لمن يعتبر، ولكن وإلى متى؟








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة