أشرف الليثى

تصدير الموت

الخميس، 31 يوليو 2008 12:22 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حاول جون ماكين مرشح الحزب الجمهورى لانتخابات الرئاسة الأمريكية، مزج الجد بالهزل فى المسألة الإيرانية، فقال تعليقا على زيادة صادرات السجائر الأمريكية إلى إيران "فلنصدر لهم الموت"، وابتسم بعد ذلك ابتسامة عريضة، ولكنه فى الحقيقة كان يقصد ما يعنيه، فالسجائر تعتبر الآن من الأسلحة الفتاكة والمدمرة التى تصدرها الدول المنتجة إلى الدول المستهلكة النامية.

وهناك تباين كبير الآن بين التدخين فى الدول المتقدمة، حيث ينخفض فيها أعداد المدخنين وبصورة كبيرة بفضل زيادة الوعى بمدى خطورة الأمراض التى يسببها، وبفضل المطاردة المستمرة من جانب المجتمع ككل للمدخنين، حيث أصبحت علامات التحذير فى كل مكان، حتى أن هناك شوارع بالكامل ممنوع فيها التدخين الآن فى دول مثل اليابان، علاوة على كافة الأماكن المغلقة والعامة أيضا والنوادى الرياضية والأبنية بالكامل، كل ذلك يقابله تزايد فى أعداد المدخنين فى الدول النامية والتى تستقبل كميات أكبر الآن من السجائر المستوردة من الدول المصنعة لها، حيث أشارت آخر الإحصائيات إلى تزايد نسبة واردات الدول الأفريقية هذا العام من السجائر بنسبة 16 %.

وحقيقة مشكلة التدخين فى مصر أنها تزداد وبصورة كبيرة، ووفقا لآخر إحصائية صادرة من الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، هناك فى مصر الآن أكثر من 11 مليون مدخن، وفى اعتقادى أن عدد المدخنين يتجاوز هذا الرقم بكثير، خاصة ما بين الفئات السنية الصغيرة (من 15 إلى 20 عاما)، وذلك على الرغم من التحذيرات الكثيرة التى ترددها وسائل الإعلام أو المدونة على علب السجائر ذاتها، بل أصبحت تلك التحذيرات مثار سخرية للمدخنين من الشباب وصغار السن.

وتنفرد مصر بأسباب خاصة بها لزيادة عدد المدخنين، فعلى سبيل المثال تعتبر السجائر والتدخين بصفة عامة بالنسبة لمحافظات الجنوب والصعيد مؤشرا من مؤشرات الرجولة، ولا يوجد شاب تعدى سن الطفولة أو حتى فى نهايتها فى محافظات الصعيد لا يدخن، وكأنه بذلك حصل على شهادة براءة بأنه أصبح رجلا، وإذا رفض أو امتنع عن التدخين لا يسلم من سخرية أصدقائه وتعليقاتهم، علاوة على أن السجائر تعتبر من أساسيات "التحية وكرم الضيافة" فى المناسبات السعيدة والحزينة أيضا، ولا يمكن أن يتم التخلص من تلك العادات السيئة بسهولة، بل نحتاج إلى فترات وأجيال طويلة.

وبالنسبة لطلبة المدارس سواء الإعدادية أو الثانوية، تنتشر ظاهرة التدخين بصورة لم يسبق لها مثيل، على الرغم أن القانون المصرى يحظر بيع السجائر لأى قاصر، وبالرغم من ذلك لم نسمع عن بائع امتنع عن بيع السجائر لأى شخص كان، سواء كان صغيرا أو كبيرا، فوق السن أو تحت السن. وعلى مستوى شباب الجامعات أصبحت ظاهرة التدخين سواء بين الشباب أو الفتيات فى تزايد مستمر، ولا يوجد مكان محظور فيه التدخين ومكان مسموح، فالأماكن جميعها فى مصر مسموح فيها.

ومن الظواهر الجديدة على المجتمع المصرى تدخين الشيشة والتى أصبحت "موضة" خاصة بين السيدات والفتيات، وأصبحت رمزا من رموز التقدم الطبقى، وخصصت الكافيهات الحديثة والتى أصبحت منتشرة فى جميع ربوع مصر، غالبية مساحاتها لتدخين الشيشة، على الرغم من تحذير منظمة الصحة العالمية من خطورة تدخين النرجيلة أو الشيشة، حيث أفادت آخر نشرة صادرة منها أن الجلسة الواحدة لتدخين الشيشة توازى فى خطورتها تدخين علبة سجائر كاملة، وخصصت تلك النشرة مساحة كبيرة عن مصر ومدى انتشار تلك الظاهرة فيها الآن، والتى وصفتها بأنها أصبحت ظاهرة سلبية لا يمكن تجاهلها أو السكوت عليها ويجب محاربتها قبل استفحالها أكثر من ذلك.

وحتى الآن لم تنجح الحملات التحذيرية، سواء التى تقوم بها وزارة الصحة أو الإعلام بصفة عامة فى خفض أعداد المدخنين فى مصر، ولم تنجح أيضا زيادة نسبة الرسوم الجمركية أو الضرائب المفروضة على السجائر، فحتى الآن أسعار السجائر فى مصر أرخص منها فى أى مكان فى العالم، ففى الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال سعر علبة السجائر عشرة أضعاف سعرها فى مصر، على الرغم أن المصانع التى تنتجها أمريكية، إلا أن غالبية إنتاجها يخصص للتصدير إلى الخارج، وفى حالة البيع فى السوق الأمريكية يتم فرض رسوم ضرائبية مرتفعة للغاية عليها حفاظا على صحة الشعب الأمريكى.

لقد حان الوقت للنظر إلى ظاهرة التدخين بمفهوم جديد يواكب التطور الذى حدث فى نظرة المجتمع وشباب المجتمع له، فلم تعد تنفع نظريات التحذير من خطورته على الصحة، ولم تعد تنفع الوسائل التقليدية لمحاربته، بل لم يعد المدخنون يذعنون إلى ما تنادى به العقيدة من تحريم التدخين، على الرغم من أن الشعب المصرى معروف بتدينه إلا أن قوة الإدمان أصبح لا يضاهيها قوة أخرى.. وفى اعتقادى أن الأمور الدينية فى تلك الحالات محتاجة للتفعيل بصورة أكبر مما هى عليه الآن، فهناك خلط بين التحريم ودرجاته، والدليل وجود أعداد كبيرة من الدعاة من المدخنين.

إننا نحتاج للتعامل مع العادات والتقاليد السيئة بمفهوم أكثر تطورا، ونحتاج لمحاربة ظاهرة التدخين كونه مظهرا من مظاهر الرقى والصعود إلى طبقة أعلى من طبقات المجتمع.. نحن فى أشد الحاجة الآن أكثر من أى وقت مضى لخفض معدلات التلوث وخفض معدلات الملوثين والمدمنين والحفاظ على البقية الباقية من ثروة تلك الأمة، والحفاظ على قوة العمل المصرية التى تعتبر الكنز الحقيقى لمصر.

إن زيادة معدلات التدخين تعطى مؤشرا هاما لزيادة نسبة المدمنين مستقبلا، خاصة أن قوة العمل المتمثلة فى الشباب أصبحت مهددة صحيا وعقليا ونفسيا، ولم يعد مستقبل الأمة مشرقا، خاصة أن هؤلاء الشباب يريدون أن يغيبوا عن الواقع ويحلقون فى السماء، وأصبحت أسهل طريقة لحل المشاكل هى البعد عنها وتغييب العقل عن التفكير فيها، حقيقة لم تعد نظرية المؤامرة تنفع، فالواقع أن التدمير يأتى من الداخل وليس من الخارج "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة