مجدى قناوى يكتب: ليست فتنة طائفية

الإثنين، 10 يناير 2011 04:16 م
مجدى قناوى يكتب: ليست فتنة طائفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أول خطوة لعلاج أى مشكلة هى فى التشخيص الجيد لها، فالتشخيص الجيد هو نصف العلاج، والحقيقة أن عنوان الفتنة الطائفية ليس عنوانا جيدا بأى حال من الأحوال وهو من أسباب دوراننا حول المشكلة عدة عقود دون أن ننفذ إلى لبها ونقتحمها، الفتنة الطائفية تستلزم لحدوثها شرطين الشرط الأول هو الخلاف العقائدى أو الأيديولوجى حول نقاط محددة، أما الشرط الثانى فهو الاستقلالية الجغرافية النسبية لكل طرف، وفى الحالة المصرية لا وجود للخلاف العقائدى بين الطرفين فلا يوجد هذا التماس الفكرى بينهما وكل طرف يعرف موقف الطرف الآخر ويحترمه ويتعايش معه كما أن الطرفين متداخلان تماما فى البيوت والحارات والقرى ولا وجود لأى "جيتو" أو جيوب جغرافية يتترس فيها أحد الأطراف، فالقبطى هو أحد معالم الحياة المصرية فهو الطبيب والحلاق والمكوجى والمدرس والصيدلى، فهو موجود فى كل تفاصيل الحياة دون أى حساسية، وعلى ذلك نستطيع أن نلغى عبارة "فتنة طائفية" تماما من القاموس المصرى ويجب أن نبحث عن تعريف جديد أكثر حكمة ونفاذ، أول نقطة فى التعريف الجيد أن نؤمن بأن الإشكالية ذات توصيف مختلف لدى كل طرف وأستطيع أن اجتهد وأحدد بشكل مبدئى معالم المشكلة لدى كل طرف: وأبدأ بالطرف المسلم وأقول ما يلى: مشكلة مصر الحقيقية حاليا هى فى انخفاض المتوسط المعرفى العام لجموع الشعب فطبقات العمال والفلاحين انضمت بكل جسارة للطبقة الوسطى بسبب السفر للخارج والمداخيل العالية، وللأسف الشديد تلك الطبقات على الرغم من طيبتها الرائعة حيث إنهم أولا وأخيرا أجدادنا وأهالينا إلا أن تحصيلهم المعرفى متواضع جدا ويتناسب مع بيئتهم الزراعية المحدودة أو العمالية البسيطة فلا توجد ثقافة بالمعنى المفهوم فى القرية المصرية فمن النادر أن تجد فى قرية مصرية نادى للقصة أو صالون أدبى أو ثقافى فضلا عن أن تجد كلية أومعهد أى أن الريف يفتقد لمنابر التنوير الحقيقى، فالتنوير الحقيقى هو نشر الثقافة والمعرفة والأساليب الحديثة والمتطورة فى التفكير والملبس والمأكل والحياة عموما، اندفعت تلك الطبقات إلى المدن واستوطنتها بالكامل مع عدم تمكنها من ناصية الثقافة والمعرفة، هذا الاندفاع أحال المدن المصرية الزاهرة إلى قرى كبيرة خالية من الفكر كما يخلو الحليب الذى نشربه من الدسم، إن هذا التحول الاجتماعى الجبار والذى تسرب فى هدوء أحال مصر إلى وضع مشابه إلى وضع مدن اوربا الغربية فى العصر الجرمانى المسمى على سبيل التمويه بالعصور الوسطى حيث اندفعت القبائل الجرمانية إلى مدن الغرب تطرد منها الرومان واليونان والشعوب الأصلية وتحيل تلك المدن إلى قرى جرمانية معزولة مما أطفأ نور الحضارة فى أوربا ألف سنة، وأخشى ما أخشاه أن يكون هذا هو ما حدث فى مصرنا العزيزة، فالأصولية الدينية هى تعبير عن الاضطراب الذى حدث لابن الريف البسيط حين استوطن المدينة، فالمدن على الرغم من جمالها إلا أنها تفتقد الحميمية والتواصل الذى اعتادهما ابن الريف الطيب فالمدينة موحشة وما لم يمتلك الإنسان قدر معقول من الثقافة فهو هالك لامحالة فى هذا المحيط الموحش، انت فى الريف لا تحتاج لشىء لأنك تحيا فى جماعة وظيفية، فالجماعة تفعل لك كل شىء فأنت آمن مهما كانت قدراتك، أما فى المدينة فأنت فى الغالب وحيد بل إنك لا تسكن فى بيتك وإنما فى بيوت يملكها آخرون غرباء عنك وتدفع لهم الإيجار الشهرى، إذن المدينة موحشة لابن الريف وهو يحتاج لقشرة ثقافية ومنهاج للحياة يعينه على قهر المدينة وترويضها ولا يوجد ما يؤدى تلك الوظيفة أكثر من الدين والثقافة الدينية، فالدين يعطيه اليقين ويعطيه الثقافة، أى تفسير كل ظواهر الحياة كما أنه يعطية "الكتالوج" الذى يستطيع أن يحيا بموجبه وهو قرير العين وعند تلك النقطة الحميمة يظهر الآخر الدينى كالشبح الغامض، هو يعكر مزاج الريفى التقى لأنه يشعره بوجود ثغرة معرفية فكيف يكون موقنا تمام اليقين فى ثقافته الدينية بينما يوجد أقوام أخرين يحيون على بعد خطوات منه يؤمنون بمنظومة مختلفة تمامًا، ولابد كى يتم إيمانه ويعود ليقينه الذى هو زاده فى الحياة أن يؤكد لنفسه أن هذا الآخر على خطأ مطلق، فالحقيقة مطلقة لدى هذا القروى ولا يمكنها أن تتجزأ وهو عاجز عن تصور وجود أفكار متعارضة يمكنها أن تحيا معا، كلا فهذا منطق لا تؤمن به القرية فكل شىء واضح وبسيط وصارم وأبيض أو أسود بينما المدينة تؤمن باللون الرمادى وتتعايش فيها الأفكار والثقافات فى خلاط كبير البقاء فيه للأصلح والأكثر تلاءما، إذن الإشكالة لدى الطرف المسلم هى إشكالية غربة نفسية فى الأساس وليست إشكالية عقيدية بأى حال، وإذا سلمنا بهذا التخريج يكون الحل سهل جدا وهو معالجة غربة أهل المدن بملء فراغهم الروحى والثقافى بمجموعة أنشطة تتراوح بين النشاط الأدبى والرياضى، فمطلوب فى كل حارة مركز ثقافى ومركز رياضى، ولا يهم الحجم فمن الممكن للمركز الثقافى أن يكون مجرد مكتبة فى غرفة ببدروم تقام فيها الندوات الأسبوعية من شعر وأدب وقراءة الكتب وخلافه، وأنا أذكر بكل أسف أن حى شبرا العملاق لا توجد به إلا مكتبة واحدة قميئة فى مكان كئيب، كما أن المركز الرياضى يمكن أن يكون مجرد طاولتين للبنج بونج فى غرفة مماثلة ويمكن توفير قطعة أرض لمجموعة حارات يوضع بها سلتين باسكيت، إن الملء الروحى والمعنى لابن الحارة وارد الريف سيحدث عنده الإلهاء الذى هو أهم علاج نفسى كما سيمتص طاقته ويجعله أكثر إيجابية.

نأتى للطرف المسيحى: الإشكالية من ناحيته مختلفة تماما فكما يقول إحسان عبد القدوس "فى داخل كلا منا وهم كبير اسمه الحب الأول" أيضا القبطى يحمل فوق كتفيه وهم كبير يعكر عليه صفو حياته ويمنعه من الاندماج الفعال فى المجتمع، هذا الوهم هو التوحد الذى يشعر به بين ذاته وبين الوطن، فالأقباط يشعرون أن مصر قد تجسدت فيهم والبابا شنودة نفسه قال "إن مصر ليست وطنا نعيش فيه بل وطن يعيش فينا" هذا التوحد هو أيضا أشكال نفسى لأنه يجعلك لا تتقبل وجود الوطن بشكل مختلف عن مصر التى فى خاطرك وفى دمك، فتاريخ مصر قد توقف تماما لدى الأقباط بعد الفتح الإسلامى وبعد انضمام أغلب المصريين للدين الجديد، فالذين تبقوا على دينهم القديم لم يعترفوا بالأمر تماما وما زال يشكل لهم تحدى نفسى ولو أنهم تقبلوا الأمر واعتبروه من طبائع الأمور لكان حالهم كحال المسيحيين فى سوريا وفلسطين حيث يلاحظ أن تلك الأقليات المسيحية لا تشعر بأى ضغط نفسى من المحيط الإسلامى بل بالعكس قد حولت نفسها لجماعات وظيفية تؤدى أدوارا مميزة جدا وتتفاعل بكل إيجابية مع محيطها الإسلامى الحيوى وكلنا نذكر روايات جورجى زيدان الإسلامية ونذكر مؤسسى المسرح العربى والصحافة العربية من مسيحيى الشام.

نصل إلى الخلاصة وهى أن الطرفين مأزومان نفسيا لأسباب مختلفة والاحتكاك بينهما ما هو إلا تعبير عن الأزمة الداخلية فلا وجود لإشكال حقيقى موضوعى، فما أن يتقابل أى مسلم ومسيحى حتى يتبادلا النكات والضحكات، وأنا أقترح إقامة أعمال مشتركة بين الطرفين وليكن دورى كرة قدم بين المساجد والكنائس ومسابقات فى الشعر والأدب والرسم والموسيقى فى مسابقات تتم داخل الكنائس والمساجد فيجب أن يفتح الطرفان أبوابهما للطرف الآخر فالمسلم إذا اعتاد جو الكنيسة والمسيحى إذا اعتاد جو المسجد ستذوب المشاكل القائمة على الجهل والشك والغموض.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة