عطا درغام يكتب: الشعب المصرى يقسو على زعمائه ومفكريه..!

السبت، 25 ديسمبر 2010 09:55 ص
عطا درغام يكتب: الشعب المصرى يقسو على زعمائه ومفكريه..!

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كل أمة تفخر بزعمائها ومفكريها الذين أثروها بإبداعاتهم وإنجازاتهم العظيمة، فجعلتها تفخر بهم أمام دول العالم لأنهم صانعو تاريخها ونهضتها.

وكل أمة تحاول أن تسطر تلك الإبداعات والأعمال لتتعلم منها الأجيال الجديدة وتربطهم بالماضى ليكملوا مسيرة نهضتها.

وكم من دول خلدها التاريخ بشخصياتها، فالسويد ليس لها ذكر إلا بالفريد نوبل وأوجست سترندبرج، والنرويج بهنريك أبسن، والدنمارك بأنطوان دى سانت أكزوبيرى.. حتى البرازيل لا نعرفها إلا بكرة القدم رغم فقرها الشديد.

ولم نر شعبا فى العالم يقسو على أبنائه كما نرى الشعب المصرى الذى يقسو على زعمائه ومفكريه، ونحاول أن نلصق بهم الاتهامات وكل نقيصة من شأنها تشوه صورتهم فى التاريخ، فتكرههم الأجيال الجديدة، وتعتبرهم خائنين لوطنهم، وكأن فى مقدورهم تغير التاريخ لتكون مصر أحسن حالا مما هو عليه الآن، ولما تعرضت للاحتلال أو أى عدوان خارجى، وكأن زعماءنا مسئولون عن كل كوارث التاريخ دون النظر بموضوعية وتقدير الظروف التاريخية التى قد تفوق طاقة هؤلاء الزعماء والشخصيات التاريخية التى كان لها دورها فى التاريخ المصرى.

وعندما نقلب فى صفحات التاريخ المصرى سيصيبنا الإحباط ونكره كل زعمائنا ومفكرينا؛ لأن كتابنا عروهم لنا تماما وخلعوا عنهم كل ميزة وألبسوهم كل نقيصة، فتجد أحمد عرابى جاهلا وخائنا فى السياسة والعسكرية وجر مصر إلى معركة خاسرة مع الإمبراطورية التى لا تغرب عنها الشمس، انتهت بالاحتلال الإنجليزى لمصر دام أكثر من سبعين عاما، دون تقدير الظروف التاريخية التى فاقت طاقة هذا الزعيم الوطنى، وأن بريطانيا وضعت مصر نصب أعينها قبل قيام الثورة العرابية بثمانين عاما منذ قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر، فحاصرت الشواطئ المصرية وبعد خروج فرنسا تلكأت فى الخروج سنة 1803، وعاودت غزو مصر سنة 1807، لكن الوطنية المصرية أفشلت هذا الغزو.

وأخذت تترقب الأحداث فى مصر وتتحين الفرصة للانقضاض على مصر، ولكن حظ أحمد عرابى العثر والخطأ التاريخى الذى ارتكبه هو أنه تجرأ ورفع راية العصيان على السادة أولى الأمر فى استانبول وفى مصر، ودفع ثمن وطنيته التى أنكرها عليه البعض، انتهت بهزيمته بسبب الخيانة وتكالب الظروف عليه.

ومحمد فريد الذى أضاع ثروته بسبب وطنيته حتى أفلس تماما فى أوروبا ومات، وظل أهل الخير يجمعون له المال لإرسال جثمانه إلى مصر، ومصطفى كامل وسعد زغلول وعبد الله النديم ومصطفى النحاس ومحمد عبده وطه حسين والعقاد ونجيب محفوظ ومصطفى محمود وغيرهم من رموز السياسة والفكر، لم يسلموا من الهجوم مابين التكفير والتشكيك فى وطنيتهم.

ومع مطلع النصف الثانى من القرن العشرين تتبلور الحركة الوطنية، وتتغير دفة التاريخ وتبتسم الأقدار للشعب المصرى، وللمرة الثانية فى التاريخ الحديث تظهر الروح الوطنية ويشعر الجيش بنبض الشعب ويقف فى وجه الظلم، كانت المرة الأولى عندما تزعم عرابى الثورة ضد الخديو والإنجليز، ولم يكتب له النجاح، لكن فى المرة الثانية ينجح الجيش المصرى فى ثورته المباركة سنة 1952 ويعبر عن إرادة المصريين فى الإطاحة بأسرة محمد على، وللمرة الأولى نجد الشعب المصرى يملك إرادته لأنه أراد الحياة فاستجاب القدر فكان للقيد أن ينكسر، فحكمه أولاده.

ولايمكن أن نشكك فى وطنية هؤلاء الرجال الذين خلصوا مصر من براثن الظلم والطغيان، وأخلصوا لمصر.. اجتهدوا فأصابوا مرات وأخطأوا فى أخرى، يجب أن نظلمهم ونقسو عليهم، وتشهر الأقلام المسمومة لتشويه صورتهم وسلبهم أعمالهم.

فعبد الناصر لايستحق الهجوم عليه، والتشكيك فى وطنيته، أصاب كثيرًا وأخطأ فهو بشر وابن تلك اللحظة التى لا يكون موجودا فيها إلا هو، لكن تغير الظروف وتحالف القوى الاستعمارية ضده فاق قدرته فتعرضنا لنكسة 1967.

والسادات أصاب هو الآخر وجعل نظرة العالم تتغير للعالم العربى بعد النصر والسلام، ورغم ذلك لم يسلم من سموم الأقلام التى وصمته بالخيانة والعمالة....!
وفى النهاية يجب علينا أن نعيد النظر فى الكتابة عن زعمائنا ومفكرينا، وأن نكون موضوعيين جدا.. لأنهم الذين صاغوا تاريخنا وصنعوا نهضتنا الحديثة؛ حتى تتغير نظرة أبنائنا لمفكرينا وزعمائنا؛ فيتواصلون معهم ولا تنقطع صلتهم بتاريخ مصر فيعتبرون بالماضى ويصيغون الحاضر.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة